تتأرجح الحكومة الإسرائيلية بين خيارين في الوقت الراهن، ما بين استمرار العمل العسكري، والذهاب إلى إتمام عملية شرق رفح، وحسم مستقبل العملية العسكرية بأكملها تأكيداً لما كان يردده رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من ضرورة الوصول بالعملية العسكرية إلى حدودها القصوى للوصول إلى العناصر المتحجزة من خلال العمل العسكري، والإمساك بعناصر حركة «حماس»، وبين العودة إلى خيار المفاوضات مجدداً، وهو ما أكد عليه مؤخراً مجلس الحرب، ودعا بالفعل إلى ضرورة استحداث مجموعة من الضوابط للعمل مجدداً في دائرة التفاوض مع الجانبين القطري والمصري والطرف المركزي ممثلاً في الولايات المتحدة.
التأرجح الإسرائيلي يشير إلى حالة من التخوفات من احتمال إتمام العمل العسكري دون الوصول إلى المحتجزين، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من العمل العسكري في كامل أراضي القطاع، وليس في رفح فقط، وفي ظل رفض عربي للإجراءات الانفرادية التي تقدم عليها الحكومة الإسرائيلية، والتصميم على إتمام ترتيبات أمنية لن تستطيع الحكومة الإسرائيلية إتمامها أصلاً، من دون شراكة دول الجوار، وخاصة مصر إضافة لدعم وحضور وتنسيق أميركي، كما جرى في مشروع الرصيف البحري، والتخطيط للمنفذ الجوي أيضاً، ما يؤكد ما هو قادم من خيارات إسرائيلية متعددة تركز على البعد العسكري والأمني دون إلتفاف للتهدئة برغم ما يطرح في الوقت الراهن من محاولات للعودة للتفاوض تخوفاً من ارتدادات المواجهة الراهنة في شرق رفح.ومن ثم ليس سهلاً الاتجاه إلى هذا المسار في هذا التوقيت الراهن، ومن خلال خيارات ممكنة قد تطرحها العودة إلى المفاوضات مجدداً في ظل حكومة إسرائيلية رافضة تماماً الحديث عن السلام وتعمل على شراء عنصر الوقت للوصول إلى أهدافها برغم التكلفة التي يدفعها الجمهور الإسرائيلي المنقسم ما بين مؤيد ومعارض لما يجري وفي ظل حالة من الاحتجاجات والتظاهرات التي لن تتوقف في ظل تزايد حركتها في الساحة السياسية.
الرهانات الإسرائيلية على الدخول في مفاوضات ستظل مطروحة مع احتمال الشروع في إجراء الترتيبات الأمنية على أرضية جديدة، خاصة أن عملية شرق رفح لن تستغرق سوى عدة أسابيع لتبدأ بعدها الترتيبات الأمنية، هذا بافتراض انتهاء العمل العسكري، أو تخفيف وتيرته، وفي هذا الإطار لن تقبل الحكومة الإسرائيلية، ولو في المرحلة الأولى أي تواجد رمزي للسلطة الفلسطينية، أو من يمثلها في القطاع، وقد تركز بالفعل على حكم العشائر القابل للتطبيق مما قد يولد حرباً أهلية حقيقية في داخل القطاع والضفة معاً، وسيعقد الأمر أصلاً، ويصل بالقضية الفلسطينية إلى حافة الهاوية وإلى خيارات صفرية كاملة، حيث ستكون الحكومة الإسرائيلية قد أتمت خياراتها بالفعل، ولم تعد تتأرجح ما بين خيارات عديدة، وحسمت أمرها في تقرير مصير القطاع، ومن حسم الخطوات العسكرية والأمنية من جانب واحد، وهو ما سيلقي بتبعاته المتعددة على الأوضاع في الشمال وخان يونس وربما أيضاً وادي غزة ومناطق الجنوب التي ستظل في كل سيناريو مركز المواجهة العسكرية التي تتحسب لها إسرائيل جيداً من الآن.
في كل ما يجري، ستعتمد إسرائيل خيارات محددة مبنية على خيارات عسكرية طويلة المدى، ولن تعمل على تحقيق مكاسب وقتية فقط، وليس أي حلول سياسية يمكن البناء عليها في ظل ما يجري من تطورات في الداخل الإسرائيلي، وتماسك مكونات الحكومة الإسرائيلية، وعدم وجود بدائل أخرى من الداخل، حيث المعارضة الضعيفة وليس لديها أي فرص حقيقية، وفي أسوأ الحالات ستشمل حكومة شلل وطني لا تملك خياراتها وستكون مرحلة مؤقتة، وليست دائمة ما قد يذهب في ترسيم علاقتها بالجانب الفلسطيني بخيارات أخرى في ظل الوجود العسكري المستمر والمقيم في القطاع، والذي لن يتغير أو يرحل. وتطالب بعض الشخصيات العسكرية السابقة بإمكانية تنفيذ مهام عملية غزة، والانتقال إلى ترتيب الأجواء في الداخل، والعمل على مساحات كبيرة من الخيارات السياسية والعسكرية معاً ما قد يبقي فرص إجراء الترحيل والترانسفير قائمة، وغير مستبعدة في ظل احتمالات العمل والتنسيق مع الجانب الأميركي تأكيد على أمن إسرائيل أولاً وأخيراً والتي يوفره الشريك الأميركي، والذي يرتب حساباته أيضاً العسكرية في سياق سيناريوهات جارٍ العمل عليها وأهمها التواجد في جنوب إسرائيل، وبناء قوة عسكرية كاملة مشتركة تكريساً لتوصيات مجلس العلاقات المشتركة بين البلدين، ولكي يكون نواة بعد ذلك لقاعدة أميركية تتواصل مع القواعد الأميركية في المنطقة، والتي تعمل الإدارة الأميركية على ترتيب مهامها ودورها في إطار القيادة المركزية «سنتكوم» والقيادة الوسطي.
ويبدو أن إسرائيل ليس أمامها سوى المضي قدماً في مخططها الراهن عسكرياً، ولن تتراجع عنه لتحقيق أهدافها في قطاع غزة، وضبط المشهد الأمني الداخلي مع تأكيدات على التسليم بتوظيف القوة لحسم صراعها العسكري مع عدم الممانعة – تحت الضغط الأميركي- للعودة للمفاوضات السياسية دون أن تلتزم بتقديم أية تنازلات مسبقة في ظل ما سبق أن طرح، وتم التحفظ عليه من قبل حركة «حماس»، ثم عادت لتوافق على بعض نقاطه ما يؤكد على أن التوجه الإسرائيلي يخلص لضرورة التمسك بالأهداف الكبرى ليس فقط في القطاع، ولكن في مجمل الأراضي الفلسطينية.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.