يطول الحديث عن التوظيف ومعيقاته وتحدياته في فلسطين ونستطيع القول في العالم أيضا بسبب موجة التحول إلى العمل عن بعد التي شهدها العالم في الحقبة الأخيرة. وهو ما يدعو إلى ضرورة تحول الفكر الوظيفي أيضا إلى الفكر المستقل أي العمل الحرّ أو أقله دمجهما.
مسار العمل بطبيعته واضح إذ تنتهي مرحلة الدراسة الجامعية وتبدأ رحلة البحث عن عمل وأحيانا تكون مريرة إلى أن يحدث الأمر ويقتنص الباحث عن عمل وظيفة ما. ولكن ماذا لو لم يتمكن من ذلك؟ في ظل الأعداد المهولة من الخريجين والخريجات والأعداد المتناقصة للوظائف والتي بدأ شغلها موظفون من خارج البلاد، تحت عنوان موظف عن بعد!
هنا أصبح لازما التحول الفكري من السعي لضمان وظيفة وضمان راتب في نهاية كل شهر (الطريق الآمن للحصول على دخل) إلى توصيف ما الذي امتلكه من معرفة وخبرة تخدم احتياجات بيئات الأعمال (الطريق المبتكر للحصول على دخل)؟ في حال تمكن الباحث عن عمل من القفز إلى طريقة التفكير الريادية عليه بعد ذلك إعداد نفسه لتقديم الخدمة التي يمكنه تأديتها بشكل مقنع لسوق العمل وأيضا تحديد المقابل المادي المناسب لها بمنهجية العمل الحرّ.
نرى العديد من الأفراد في مقابلات العمل لديهم قدرات ولكن غير مثبتة وأحيانا لا نريد المجازفة واختيار شخص لا نراه قادرا على حمل مهام الوظيفية فنطرح علاقة عمل مختلفة مبنية على مبدأ الإنتاجية مقابل المال وهي ببساطة قدم مخرجات وتعوض عليها ماليا ونتفاجأ برفض الكثيرين لذلك ونتباحث بعد كل مقابلة من الجيد أننا لم نعرض عليه عملا إذ تبين أنه لا يثق بقدراته في العمل ومع آخر موقف حدث معنا استوقفني قليلا لأفكر، قد لا يكون العائق عدم الثقة بما يستطيع الفرد القيام به بل هو عدم القدرة على التحول من الفكر الوظيفي إلى الفكر المستقل.
بالطبع هذا أمر ليس سهلا مطلقا، ولكن إذا ما اهتم الفرد بالحصول على تدريب في مجال المبيعات أو التسويق الذاتي أو بلغة عالم الأعمال بناء العلامة التجارية الشخصية فستتفتح أمام عينيه آفاق وفرص مذهله.
أذكر سابقا قابلت موظفين لشركة تخرجوا للتو من الجامعة، ولكن الشركة تعطيهم لقب مستشار في بطاقة التعريف! وتساءلت كيف يمكن أن يكون شخصا ليس لديه باع طويل من الخبرات أن يجرؤ ليقدم نفسه مستشارا! ولكن اليوم تغير مفهوم المستشار بالنسبة لي فالمستشار هو من تشوره في الأمر الذي لا تعرفه أنت ويعرفه الآخر وتصاحب المعرفة الخبرة الطويلة ليصبح متمكنا في أعماله الاستشارية. ويمكن للموظف المستقل أن يتمكن بشكل قوي من معرفته ويحددها ويخصصها ويفهم تماما ما الحاجة لها في السوق ومن ثم يقدمها على أنها خدمة استشارية ويبنى خبرته أثناء تقديمه للمعرفة.
إن لم يتمكن من الحصول على وظيفة في شركة ما يمكنه مباشرة تقديم نفسه كموظف مستقل وسيفاجئ الشركة جدا فبخطوته هذه يرسل للشركة رسالة بأنه على ثقة تامة بالمعرفة التي يمتلكها ولديه استعداد لبناء الخبرة على مسؤوليته الخاصة وتحمل مخاطر ذلك بدلا من الشركة.
ويتحول الباحث عن عمل بفكره إلى فكر ريادي أي يستطيع التخلص من النظر إلى المشكلة (شح التوظيف) من زاوية واحدة ويمكنه النظر إليها من عدة زوايا ويقدم عدة بدائل لحلها.
هذا الفكر وهذه العقلية تتيح للباحث عن عمل تحويل وظائف مثل المحاسبة، والمبيعات، والتسويق الإلكتروني، وكتابة المحتوى، وغيرها من وظائف عادية في أية شركة إلى مصدر دخل مستقل دون مقيدات الوظيفة.
والقليل من شهية المخاطر المدروسة تفتح أبواب كثيرة.