ثمة طاردون مهذبون أيضاً… هكذا يثبت مستوطنو “غوش عصيون”. ربما تكون وراء ذلك خلفيتهم الأنجلوسكسونية؟ من يعرف. الولايات المتحدة وبريطانيا لن تعلنا عن فرض عقوبات عليهم. هم ليسوا مثل المشاغبين ذوي الأهداب، الذين يحملون العصي وقضبان الحديد والمسدسات ويطردون الرعاة وقاطفي الزيتون، هم ليسوا مثل الذين يحرقون البيوت والسيارات، بل يطردون بلطف. هنا حاجز من الحجارة وأكوام التراب على طريق زراعية، هنا بوابة مغلقة وهناك مسلح محلي، الذي برعاية الزي العسكري الذي يرتديه، لا يسمح لشخص عمره 55 سنة بتقليم أشجار الدوالي. النتيجة مساحة تبلغ 75 كم مربع من مستوطنة “أفرات” غرباً، فرغت فيها الطرق والشوارع الزراعية من الفلسطينيين، “أراضي مهملة”، حسب التعبير الدقيق لدرور ايتكس، الباحث في سياسة نهب الأراضي.
هناك أسباب كثيرة تجعل القلب يتفطر كل يوم. هل من الترف الحداد والحزن على كرم مهجور، والمشاركة في حزن أصحابه الآن، بينما تستمر قنابل إسرائيل في قتل أطفال قطاع غزة، ويتم إصدار المزيد من الإعلانات عن المخطوفين الذين قتلوا أو ماتوا في غزة في ظروف الأسر القاسية. لا، هذا لا يعتبر ترفاً عندما تعرف أن الأمر يتعلق بتسلسل له هدف واحد وهو طـ – ر – د. كلمات تتكرر وأصبح معناها باهتاً. عندما تجلس مع المزارعين أكثر من مرة، ستتعرف على حجم فقدانهم للجلوس على الشرفة التي بناها الوالد أو رممها، وقضم رغيف الخبز وحبة البندورة كل يوم في الكرم. تتعرف معهم على علاقة غير علاقة ملكية الأرض. ويتبين أن سرقة الأراضي بمثابة وحش يتضخم: عندما تم بناء أول بيت في المستوطنة، على أراضيهم، عندما سيطر الإسرائيليون على تلة أخرى، وبنوا حولها سوراً، وبعد ذلك منعوا الرعي في المنطقة، ثم غزوا قطعة أرض تعود لأرملة، وباتت الأشجار لا تشاهد فيها – كم هي مرتفعة الأعشاب وأشجار البلوط التي نبتت فيها.
لا توجد هنا وجوه دامية ونار أيام السبت. نعم، تمت سرقة حمار أحد المزارعين قرب بؤرة “سديه بوعز” الاستيطانية المبنية على أراضي بلدة الخضر، هذا كان في تشرين الأول 2023، وكان محمد صلاح (77سنة) يأمل أن تنجح الجهود الصحافية في إعادة الحمار لصاحبه من الإسرائيليين الذين سرقوه. وثمة عنف آخر بتدمير عدة بيوت في الخضر، على التلة غربي الشارع 60 الجديد، في أحد الأحياء. المجهولون الذين دمروه [المستوطنون] تركوا واجهات البيوت جهة الشارع كي لا يتم اكتشاف الهدم بسرعة. هذه مبان تستخدم للنوم وقت المواسم الزراعية، إلى أن قامت الإدارة المدنية بمنع وجودهم فيها ليلاً. استخدمها المزارعون نهاراً. ومن قاموا بالتدمير عرفوا ما الذي يدمرونه، البيوت دليل على تجذر سكان الخضر. وعرائش الدوالي تم تدميرها، والأشجار اقتلعها “مجهولون” في وقت ما من تشرين الأول. رد استيطاني متفاخر على حماس.
تتراوح أعمار أصحاب الأراضي الذين التقيت معهم بين 45 – 70 سنة، ثلاثة رجال وأربع نساء. إن طردهم عن أشجارهم يتم تبريره بأوامر أمنية. من تم احتلاله يعرف نفسية من قام باحتلاله؛ “يمنعوننا ويطردوننا مرة تلو أخرى كي نيأس ونتنازل عن أراضينا”، قالت إحدى النساء. “هذا هو استنتاج كل بحث ينشره ايتكس في جمعية “كيرم نبوت”. هذا هو الاستنتاج الذي يظهر في كل التماس تقدمه المحامية قمر مشرقي أسعد من جمعية “حقل”. في 14 كانون الأول الماضي، قدمت التماساً للمحكمة العليا باسم سكان جنوب جبل الخليل بعد أن منعهم الجيش والمستوطنون من قطف الزيتون. ومنعوهم أيضاً من حراثة آلاف الدونمات وزراعتها. ادعت الدولة أنه تم إصدار أوامر اغلاق، وبالخطأ نشرت بتواريخ متأخرة. لقد تم تشديد الإجراءات، كتب، هذا التشديد ليس اختراع المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي فحسب، بل اختراع النيابة العامة أيضاً.
من بين الـ 60 حاجزاً ترابياً والبوابات المغلقة التي جعلت المنطقة الواقعة غرب بيت لحم خالية من العرب، 20 وضع في الأشهر الأخيرة، حسب ايتكس. ولذلك، أضيف أيضاً مشروع جديد نسبياً في بؤرة “سديه بوعز”، وهو شارع للمشاة ولمن يمارسون الركض في الأراضي المتروكة، من أجل “استغلال غياب أصحاب الأراضي القسري، كما حدث في المنطقة الواقعة بين البؤرة الاستيطانية ومستوطنة نفيه دانييل”، كتب ايتكس. باسم الأمن، يقوم مستوطنون مجندون بطرد أصحاب الأراضي الزراعية، وبعد ذلك يسيطرون عليها، بلطف وبالسر هنا، وفي أماكن أخرى علناً وبعنف جسدي. ولكن في كل مكان، الدولة هي التي وضعت الأساس القانوني، البيروقراطي والمادي، نحن مشروع استيطان له دولة. وهذا هو طابعنا الأساسي.