في حوارات الفلسطينيين يلاحظ اختلاف كبير حول منظمة التحرير، والسؤال المركزي هو.. هل المنظمة تصلح لأن تظل الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني؟ والإطار الجامع الذي تلتقي فيه الفصائل والقوى الفلسطينية، وهل ما تزال كما عُرفت وهي في أوج قوتها الوطن المعنوي للفلسطينيين إلا أن تتحقق الدولة على الأرض؟
ومن هذه الأسئلة تنبثق أسئلة فرعية كثيرة، جعلت المنظمة التي كانت محل اجماع فلسطيني وعربي وعالمي، مادة جدل خلاصته.. هل تبقى كما هي أم تتطور أم تُستبدل؟
الإجابة عن جميع الأسئلة الجوهرية والفرعية، تحددها عناصر قوة المنظمة وضعفها، وهنا يجدر تحديد عناصر القوة.
أولا: الشرعية
ما تزال رغم الانتقادات الكثيرة لها، تتمتع بشرعية ثمينة يحتاجها الفلسطينيون كإطار تمثيلي وقيادي ومرجعي، ويحتاجها العالم كعنوان مؤهل لأن يجري التخاطب معه، وما يعمق أهمية الشرعية والمرجعية، أن لا بديل عنها يمكن أن يتبلور، ولو فكر البعض في استحداث بديل -وقد حاول كثيرون ذلك- فلا إمكانية لتحقيقه إذ أن ما وصلت إليه المنظمة في حياة الفلسطينيين كإطار وتمثيل ومرجعية استغرق عقوداً طويلةً حتى تحقق، وأي بديل إن لم يكن مستحيلاً في الأساس، فيحتاج إلى عقود أكثر وأطول وأصعب.
ثانيا: القيادة
منذ تأسيسها وخوضها نهج الكفاح المسلح المترافق مع البناء المؤسساتي والسياسي والبرامجي، وهي تقود الشعب الفلسطيني بعد أن استعادت هويته السياسية، وأثبتت حضوره بكفاح صعب غزير التضحيات، وكثير الإنجازات، فقد حاربت وحوربت وطردت من ساحات جغرافية لتفتتح ساحات سياسية، ووصلت في قوة تأثيرها أن كرّست معادلة مفادها لا إمكانية لتحقيق تسوية دون أن تضع منظمة التحرير توقيعها عليها، وهذا المبدأ سيظل قائماً ما دام العالم يفكر في تسوية.
ثالثا: البرامج الواقعية والصلة الدستورية بالسلطة
كانت خطوة احترازية مهمة، أن تعتبر منظمة التحرير المرجعية الأعلى للسلطة الفلسطينية فمن خلال المنظمة وبرامجها الواقعية ولدت السلطة، ومن خلال شرعية المنظمة استمدت السلطة شرعيتها وإذا ما وقع انفصام بين الشرعيتين فستسقطان حتماً، لتضيعا في متاهات الواقع الدولي الذي لن يجد من يتحدث معه في الشأن الفلسطيني.
أمّا عناصر الضعف، فكلها ولد من جوف عناصر القوة، فالشرعية تزعزعت، حين وقع الانقسام، والقيادة تبعثرت حين لم يحسن الفلسطينيون أصحاب النفوذ إيجاد الصيغة التكاملية بين عمل المنظمة وعمل السلطة، إذ مال القوم نحو السلطة ما حول الاطار الأعلى والضامن الوطني الأهم، إلى مجرد جسم غريب يتبع فيه الأعلى من هو أدنى منه، ويتبع الأقوى دستورياً الأقوى مالياً، أمّا البرامج والسياسات فقد استبدلت جميعها بما هو أقل منها، فلم يعد سدنة القرار الفلسطيني يذكرونها أو حتى يعترفون بها، مثلاً للسلطة في رام الله اتفاقات وتفاهمات أوسلو، وللسلطة في غزة برامجها المختلفة عن برامج السلطة في رام الله، دون الانتباه بما يكفي إلى أن السلطتين واقعتين تحت احتلال مباشر في الضفة وحصار أصعب من الاختلال في غزة، وها نحن نرى النتيجة... حرب على الطرفين والانقسام بينهما ما يزال قائماً.
وإذا ما توخينا الموضوعية في قراءة الحالة، على أنها ليست نهائية ولا قدراً لا راد له، فإن المخرج من هذا المأزق العميق متوفر إذا ما صدقت النية للخروج منه أصلاً، فالإطار ما زال موجوداً ولكن علّته في ضعف من بداخله، والبرامج الواقعية ما تزال موجودة وتدعو الجميع إلى الالتزام بها، والشرعية ما تزال معترفاً بها، والعالم جاهز لدعمها والتعامل معها، إذاً فإن إصلاح الحال أقرب وأجدى من الإلغاء، وهذا ما يحتاج إلى جهد كبير تتضافر فيه جميع القوى السياسة والشعبية في فلسطين دون ذلك فلا مخرج من المأزق.