الحدث- فيروز سلامة
"يجب قراءة السياسة الخارجية الأميركية كتتابعية وتراكمية، وعليه لا يمكن فصل سياسات ترامب عن بايدن، فبايدن لم يقم بالتراجع عن أي من خطوات ترامب بل صعد في دعمه لإسرائيل درجة إضافية، وعليه فقطع التمويل يأتي بهذا الاستمرار والتتابع". بهذه الكلمات عبر الباحث والأكاديمي المختص بالشؤون السياسية إبراهيم ربايعة عن قرار الولايات الأمريكية المتحدة قطع تمويل الأونروا، واعتباره استمرارا لسياسات الإدارة الأمريكية السابقة التي كان يديرها دونالد ترامب، وليس قرارا وليد الظرف السياسي الحالي فقط، المتمثل بمعركة طوفان الأقصى. فبتاريخ 26 كانون الثاني/ يناير من هذا العام أعلن المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في تصريح صحفي، عن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بإيقاف مؤقت لتمويل الأونروا وذلك إثر مزاعم إسرائيلية حول مشاركة عدد من موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في قطاع غزة بأحداث معركة طوفان الأقصى بتاريخ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وبعد القرار الأمريكي أعلنت مجموعة من الدول الغربية تعليق دعمها هي الأخرى للأونروا وهذه الدول هي: ألمانيا، اليابان، فرنسا، بريطانيا، أستراليا، فنلندا، كندا، هولندا، إيطاليا، بينما أعلنت دولة سويسرا بأنها لم تتخذ بعد قرار استكمال دورها في تمويل الأونروا أو وقفه.
وفي هذا السياق عبرت ايناس حمدان -القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام بالأونروا في غزة- بأن "قرار تجميد الدعم من عدد من الدول المانحة جاء عقب توجيه إدعاءات واتهامات لعدد من موظفي الأونروا بخصوص التورط في أحداث 7 أكتوبر. وقد قام المفوض العام للأونروا باتخاذ إجراءات فورية بإيقاف عقود هؤلاء الموظفين وذلك لمصلحه الأونروا ومن أجل استمرار عمل الخدمات الإغاثية والتي تعتبر شريان حياة للاجئين الفلسطينيين".
ورغم كون الادعاءات الصهيونية حول علاقة موظفي الأونروا بأحداث معركة طوفان هي السبب الأساسي الذي دفع نحو وقف التمويل من قبل الدول المانحة حسب التصريح الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية ومنصات الصحافة العربية، إلا أن ذلك ليس إلا مجرد أوهام ومزاعم إسرائيلية هدفت إسرائيل من خلالها إلى استغلال الظرف السياسي الراهن من أجل استكمال هدفها بتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال الدعم والتحالفات الغربية، والتي من أهمها العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأساسي لإسرائيل التي تعتبرها قاعدة أجنبية لها في منطقة الشرق الأوسط، فخلال إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سعى الأخير إلى إغلاق مؤسسة الأونروا وإيقاف الدعم المقدم لها، وتم وفقاً لإدارة ترامب إيقاف التمويل الأمريكي خلال عام 2019 ومن ثم تم إعادة استئناف التمويل خلال عام 2021 في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومن جديد، استؤنف القرار الأمريكي مرة أخرى باتجاه إيقاف الدعم والتمويل للأونروا. وذلك وفق ما عبر عنه جهاد محمد- مسؤول ملف الأونروا في حركة الجهاد الإسلامي- لبنان، حين قال "إن القرار المتعلق بالتمويل هو قرار قطع وليس مجرد تجميد لأنه قرار سياسي بالنهاية وليس بسبب إجراء معين ولم يتم تخصيص القطع عن الأونروا في قطاع غزة، وإنما عن الوكالة بأكملها لذلك يمكن القول بأن قطع التمويل عن ميزانية الأونروا هو قرار سياسي لوقت غير محدد من قبل الدول المانحة".
واستكمل جهاد محمد إضافته بقوله إن ذلك يأتي "لأن عملية استهداف الأونروا ليست جديدة بل منذ سنوات، وتحديداً الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني اللتين حاولتا استهداف الوكالة والعمل على إنهائها ضمن سياسات مختلفة، ففي عهد الرئيس ترامب حاول تمرير صفقة القرن من خلال الضغط على وكالة الأونروا فعمل على وقف التمويل، ولم تنجح الصفقة بسبب المواجهة الفلسطينية للصفقة، ففشلت، ومن ثم انتقلنا لعهد الرئيس جو بايدن الذي حاول تجميل الموضوع وأعاد تمويل الأونروا عن طريق اتفاق مع الوكالة سمي باتفاق (الإطار) وذلك ضمن شروط معينة محددة تمثلت بتعهد الأونروا بعدم وصول مبالغ التمويل لأشخاص يعملون في صفوف الأحزاب الفلسطينية والمقاومة، وضمن شرط إضافي آخر وهو تعزيز مبدأ الحيادية، أي حرمان الموظف في الوكالة من الخوض في السياسية أو التعبير عن أمور وطنية أو التضامن مع قضيته الفلسطينية، وبعد هذه الشروط أعيد تمويل الأونروا".
معركة طوفان الأقصى كتوقيت للتسارع نحو إيقاف تمويل الأونروا
جاء توقيت قرار الدول الغربية لوقف دعم الأونروا بعد مرور أكثر من 200 يوم على حرب الإبادة التي يعيشها سكان قطاع غزة، فحسب شهادات الصحفيين العاملين في الميدان في القطاع، فإنه في الوقت الذي لم تشكل القوانين الدولية رادعا لإسرائيل ولم تستطع أي منظمة دولية إلزامها بوقف الحرب أو وقف إطلاق النار مؤقتاً، ورغم نفي المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك تقديم إسرائيل أي أدلة أو بيانات مادية حول أي ادعاءات ارتباط موظفي الأونروا في قطاع غزة بأحداث معركة طوفان الأقصى إلا أن الدول الغربية الحليفة لإسرائيل سارعت لإعلان وقف التمويل بناءً على ادعاءات وهمية وغير حقيقة.
ووفق مواثيق القانون الدولي، أكد القرار 37/43 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1982 على شرعية نضال الشعوب من أجل الاستقلال والسلامة الإقليمية والوحدة الوطنية والتحرر من السيطرة الاستعمارية والأجنبية والاحتلال الأجنبي بجميع الوسائل المتاحة "بما في ذلك الكفاح المسلح". واعترف هذا القرار صراحة بالحق في استخدام القوة ضد الاحتلال الأجنبي غير الشرعي والذي اعتبر أيضا تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين، مشيرا إلى حالتي ناميبيا وفلسطين[1]. إلا أن الدول الغربية سارعت نحو تنفيذ قرار وقف التمويل فوراً دون أية مراجعات أو تحقيق في المزاعم الإسرائيلية حسب المصادر الصحفية، وهذا ما يوضح ازدواجية المعايير الغربية ونظرتها للفلسطيني حول وضعه في موقع "الخطير والإرهابي" لا كصاحب حق لأرضه المستعمرة ولديه كامل الحق وفقاً للقوانين الدولية في الدفاع والقتال من أجل تحرير أرضه من الاحتلال، ورغم تعارض قرار بعض الدول الغربية المانحة وقف تمويل الأونروا في وقت الحرب الحالية مع القوانين الدولية، إلا أن ذلك يوضح مدى كونه قرارا سياسيا يخدم إسرائيل الصهيونية كقوة استعمار من أجل حماية المصالح الغربية في المنطقة العربية، ففي هذا السياق عبر الباحث إبراهيم ربايعة قائلا: "أعتقد أن التوقيت مرتبط برؤية ربما تكون دولية بدأ الحديث عنها لشكل القضية الفلسطينية بعد الحرب، ومن الواضح أن الحديث عن تصفية ملف اللاجئين تصاعد منذ محاولات ترامب بهذا الصدد، إلى جانب العديد من القضايا التي طغت على السطح تمهيدا لضربها مثل الحديث عن ملفات فساد أو تقليص موازنات وعدم انتظامها".
فاختيار التوقيت الحالي لم يكن عشوائياً بل يستند لأجندة سياسية تهدف إلى زيادة الحصار على الفلسطيني وقمعه ليس فقط من قبل إسرائيل بل دولياً، ففي قطاع غزة وبعد مرور أكثر من مائتي يوم على الحرب يعد وجود الأونروا حاجة ضرورية من أجل مساعدة السكان في القطاع في ظل حصارهم ومنع إدخال المساعدات إليهم. ووضحت إيناس حمدان بخصوص توقيت وقف التمويل بالقول "إن قرار تجميد الدعم المقدم للأونروا جاء في وقت حرج جدا نظراً لأن قطاع غزة لا يزال يعاني من حرب طاحنة واللاجئون الفلسطينيون هم بحاجة لخدمات الأونروا الإغاثية أكثر من أي وقت مضى. قرار التجميد ستكون له آثار كارثية على اللاجئين في جميع مناطق عمل الأونروا وبالتحديد في قطاع غزة الذي يعاني أصلا من أوضاع إنسانية مسأوية. الأونروا تعد أكبر مؤسسة أممية تقدم مساعدات إغاثية للفلسطينيين وأكثر من 1,7 مليون نازح الآن يعتمدون اعتمادا شبه كامل على خدمات أساسية تقدمها الأونروا".
فتوقيت اختيار تنفيذ القرار لا يمكن قراءته بمعزل عن كونه قرارا سياسيا بحت في محاولة لاستغلال الدول الغربية حرب الإبادة الحالية كظرف سياسي يحاول العدو الصهيوني من خلالها تفكيك المقاومة الفلسطينية وقدراتها في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، فغزة تعد الحاضنة الجغرافية لمراكز تدريب وهندسة وإعداد المقاومين الفلسطينيين المدربين والمنظمين عسكرياً، وقد خلقت إمكانيات المقاومة ردعاً نسبياً لأي محاولات صهيونية وغربية لتصفية القضية الفلسطينية عبر تفكيك أهم محاورها وهي قضية اللاجئين، لذلك شكلت حرب الإبادة الحالية التي بدأت بعد إعلان المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر عن بدء معركة طوفان الأقصى، الوقت والظرف السياسي المناسبين لاستغلال حالة انشغال المقاومة بالمواجهة المباشرة مع العدو الصهيوني وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال قطع تمويل الوكالة الدولية المختصة بشؤونهم، وهو الأمر الذي أكده مسؤول ملف الأونروا في حركة الجهاد الإسلامي، جهاد محمد الذي وضح العلاقة بين القرار في الوقت الحالي وعلاقته بقرارات سابقة لم تكن الظروف السياسية تسمح بتنفيذها، فقال: "ما حدث مؤخراً كان ضمن عدة عوامل سرعت من قرار قطع التمويل، وهي، العامل الأول: بعد تقديم جنوب أفريقيا شكوى ضد الكيان الصهيوني لمحكمة العدل الدولية بأن سلوك الكيان في غزة هو إبادة جماعية. العامل الثاني، فشل العدو الصهيوني على الأرض بالضغط على أبناء شعبنا في قطاع غزة بالهجرة لسيناء بسبب صمودهم ورفض فكرة التهجير وتكرار النكبة مرة أخرى. لذلك عملت هذه العوامل على دفع العدو الصهيوني إلى تقديم ادعاءات نحو وكالة الأونروا، رغم تصريح الوكالة الرسمي بعدم وجود أي دليل على هذه الادعاءات."
واستكمل جهاد محمد موضحا: "إن الهدف من ذلك هو سياسي وصرحت إسرائيل علناً أن الهدف من ذلك هو إنهاء وكالة الأونروا بسبب أهمية الوكالة للاجئين الفلسطينيين والشعب الفلسطيني كشاهد دولي وأممي على نكبة الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى كونها شاهدا دوليا وضمانا لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم. لأنهم يعلمون بأن بقاء الأونروا يعني بقاء حق اللاجئين، لأن اللاجئ الفلسطيني لم يتخلى عن أرضه رغم مرور الزمن، إلا أن الذي حصل هو العكس فما زال اللاجئ يتمسك بأرضه والدليل على ذلك ما يحصل الآن في معركة طوفان الأقصى من التحام ما بين الداخل الفلسطيني والشتات من خلال تقديم الشهداء في لبنان وسوريا. ونحن ما زلنا متمسكين بالوكالة للأسباب السياسية ولما تقدمه من خدمات ورعاية صحية وتعليمية التي تعد ضرورية في ظل تخلي المجتمع الدولي عن الشعب الفلسطيني، ومن ناحية البعد السياسي ما زال اللاجئ الفلسطيني والشعب الفلسطيني متمسكين بالوكالة إلى حين تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بقضية اللاحئين وخاصة قرار 194".
ولأن الهدف الأساسي من قطع التمويل إنما يبتغي تصفية قضية اللاجئين من خلال محو أي دليل على وجود الفلسطيني كلاجئ من حقه الدفاع عن أرضه والعودة إليها، وعدم إبقاء أي دليل للمستقبل على أحقية اللاجئ الفلسطيني، فقد شكل إنهاء وكالة الأونروا هدفاً أساسياً عند العدو الصهيوني واستغل الظرف الحالي للحرب من أجل تنفيذ ذلك باستقطاب الدول الغربية الحليفة له ودفعها لوقف التمويل باستغلال ادعاءات "خرق موظفي الأونروا شروط استئناف التمويل الأمريكية"، وبهذه النقطة تحديداً وضح جهاد محمد مسؤول ملف الأونروا في حركة الجهاد الإسلامي- لبنان بالقول: "اليوم صدر الادعاء عن الجهة المعتدية، أي الجهة الرافعة للواء محاربة الفلسطيني والأونروا وبالتالي موقف الدول الغربية هو موقف تم اتخاذه بعد الاستماع إلى طرف واحد، وهو الجهة المعتدية والجهة التي هدفها إنهاء وكالة الأونروا. ولا يوجد أي أدلة تؤكد صحة ادعاءات إسرائيل بناءً على تصريح رسمي من الأونروا على لسان الأمين العام، وقبل أيام صدرت إسرائيل ادعاءات جديدة تتمثل بوجود أنفاق تحت مركز وكالة الأونروا في غزة، في حين قال المفوض العام إنه لا يوجد أي دليل ولا يمكن التأكد من صحة ذلك. هذه الاتهامات واهية والإدارة الامريكية بحكم أنها مدافعة عن هذا الكيان (في إشارة لإسرائيل) ساهمت بالحملة من أجل الضغط على اللاجئين الفلسطينيين. وفي كل الأحوال فإن موظف الأونروا هو إنسان ولا يمكن لأي كان أن يتمكن من سلخه عن وطنتيه وعن حسه الإنساني، فهؤلاء الموظفين شاهدوا العدو يرتكب مجازر بحق عائلاتهم وأهاليهم، ومن حقهم التعبير والكتابة عن الوضع فحقوق الإنسان تحمي حق الإنسان في أن يعبر عن رأيه ويدافع عنه وهو حق مكفول بموجب القوانين الدولية ".
قطع تمويل الأونروا قرار دولي-غربي لتنفيذ سياسة العقاب الجماعي
لا يمكن فهم قرار قطع تمويل الأونروا إلا ضمن كونه سياسة عقاب جماعي تستهدف الفلسطينيين في كل مكان، سواء داخل غزة أو خارجها وذلك من أجل تصفية أهم محاور القضية الفلسطينية وهي قضية اللاجئين فيما قد يفضي لاحقا إلى ترتيبات سياسية جديدة فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، لأنه ورغم التعهدات التي قدمتها الأونروا بشأن المزاعم الصهيونية التي تم على إثرها وقف التمويل إلا أن القرار تم اتخاذه والسير في تنفيذه دون الاكتراث بالحقائق على أرض الواقع، فقد عبر مكتب الأونروا في قطاع غزة حسب ما وضحت إيناس حمدان بأن "الأمين العام للأمم المتحدة قام وبالتشاور مع المفوض العام للأونروا بتعيين لجنة مستقلة للتحقيق في عمل الأونروا وإجراء تقييم حول ضمان حياديتها. هذا التحقيق الخارجي من قبل هذه اللجنة المستقلة سيسير بالتوازي مع التحقيق الحالي الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة".
إلا أن ذلك لم يغير شيئاً في القرارات التي سبق أن تم اتخاذها وهو الأمر الذي سيعود بالضرر على قدرة الأونروا على الاستمرار في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين حسب قول إيناس حمدان: "فالمفوض العام لا يزال يجري اتصالات وزيارات لعدد من الدول المانحة من أجل حشد الدعم والتمويل للأونروا، وكان قد صرح مسبقا بأن الأونروا ستضطر في حال استمرار تعليق الدعم إلى إنهاء عملياتها في نهاية شباط 2024".
وفي ذات السياق عبر الباحث والأكاديمي إبراهيم ربايعة بأن هدف قطع التمويل رغم عدم ارتباطه بقضية الرهائن أو الضغط كعقوبة فإنه من جهة ثانية لا يعتقد أنها مسألة "مرتبطة بتبادل الأسرى بقدر ما هي مرتبطة بعدم توفير مساحة لإدارة الحياة العامة تكون مستقلة وأممية خارج سقف أية صفقة سياسية تنهي الحرب، بمعنى عدم توفير مساحة أمان إنسانية مستدامة في قطاع غزة ".
وفي المقابل أكد جهاد محمد أن التمويل يعتبر سياسة عقاب جماعي، قائلا: "هل هو عقاب جماعي؟ صحيح هو كذلك ولمجرد قيام الدول باتخاذ قرار قطع التمويل هو مشاركة في إبادة جماعية ترتقي لجريمة حرب حسب القانون الدولي، لأن الاستهداف لم يخصص لفئة معينة بل شمل كافة اللاجئين الفلسطينيين وتم حصارهم وتم التأثير على الخدمات التي تقدمها الأونروا لهم، لذلك فهي مشاركة بهذه الحرب. وبالإضافة إلى أن هذا يعد منحا العدو الصهيوني ضوءا أخضر للاستمرار بالمجازر في مجازره".
من طوفان الأقصى إلى طوفان العودة في حال استمرار قطع تمويل الأونروا
في ظل عدم استئناف الدول الغربية عودة تمويل وكالة يقودنا التساؤل نحو السيناريوهات البديلة من أجل تقديم المساعدة والخدمات التي يعتمد عليها اللاجئون الفلسطينيون في مختلف أماكن تواجدهم، وفي نطاق محاولة البحث عن بديل عن وكالة الأونروا، يؤكد مكتب الأونروا في قطاع غزة أهمية الوكالة ودورها وعدم وجود بديل عنها، وأن المطلوب هو استكمال عملها لا البحث عن خيارات بديلة عنها، وذلك في قول إيناس حمدان -القائم بأعمال مدير مكتب الإعلام بالأونروا غزة، والتي أكدت أن "الأونروا هي المنظمة الأكبر التي لاتزال تقدم الدعم الإنساني للاجئين سواء في قطاع غزه أو في باقي مناطق عمل الأونروا الخمس ومن الصعب جدا استبدالها. وهي شاهد على قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ أكثر من 70 عاماً وهي ملتزمة بالاستمرار بتقديم الخدمات الإغاثية لهؤلاء اللاجئين حتى إيجاد حل عادل ومنصف يرضي جميع الأطراف".
وهو ما أكد عليه في ذات السياق جهاد محمد بقوله "السيناريو الذي يتحدث الجميع عنه وهو ترك ما يزيد عن مليون و500 ألف لاجئ في الأقاليم الخمسة دون أي رعاية وأي خدمات هو بمثابة إنذار يضع المنطقة على صفيح ساخن وسيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة، وعلى لسان المفوض العام الذي قال بأن ترك اللاجئين الفلسطينيين يؤدي إلى زعزعة في المنطقة وهذا الأمر حتمي. إن كان المجتمع الدولي يريد إنهاء الأونروا عليه أن ينهي الشرط الأساسي المتمثل بإنهاء الوكالة وهو تطبيق قرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم."
وأضاف جهاد محمد بأنه: "إن لم يحصل ذلك فليتوقع العالم كما حصل طوفان الأقصى في غزة، أن يكون هناك طوفان عودة من اللاجئين الفلسطينيين باتجاه الحدود الفلسطينية للعودة إلى أراضيهم. والجزء الثاني هناك مسؤولية تقع على الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين وهي مخاطبة المجتمع الدولي للقيام بعمليات إعادة هذه الأموال، لأن الدول المضيفة لا تمتلك القدرة على تقديم الخدمات للاجئين، لذلك تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة للضغط على المجتمع الدولي لإعادة قيمة الأموال التي تم قطعها من قبل الدول الغربية عن الأونروا، وعلينا مخاطبة الدول التي تؤيد وتناصر القضية الفلسطينية بزيادة قيمة مساهمتها لتغطية الأموال التي تم إيقافها وعلى الدول العربية زيادة مساهمتها للأونروا من أجل ضمان استمرار الأونروا إلى حين تحقيق الشرط الأساسي بإنهاء الوكالة وهو عودة اللاجئين الفلسطينيين." وأضاف: "لقد حاول العدو سابقاً تمرير عدة مشاريع تخص اللاجئين ومنها إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني بأنه فقط الذي بحسب الإدارة الأمريكية هو الذي خرج من فلسطين عام 1948 وأن كل أولاده وأحفاده لا ينطبق عليهم صفة لاجئ، إلا أن هذا القرار سقط ولم يطبق. بالإضافة إلى عدة محاولات سابقة بدمج برامج الوكالة مع منظمات دولية كاليونيسف وكذلك رفضت هذه المحاولات وذلك بسبب الموقف الفلسطيني الموحد ".
بينما وضح الباحث والأكاديمي المختص بالشؤون السياسية إبراهيم ربايعة بأن "الخيارات قد تتراوح مع الضغط وتصاعد الاحتياج الإنساني ما بين إما بتوفير دعم عربي بديل كما في مراحل سابقة، وهذا غير مستدام وقد يكون صعبا، أو نقل تدريجي لمهامها إلى وكالات أممية أخرى، دون حلها رسميا، كون حلها وتصفيتها بحاجة لإجراءات أممية معقدة، لكن بكل الأحوال أزمة الأنروا هذه هي أزمة صعبة".