هناك محاولات أمريكية إسرائيلية لإفراغ طوفان الأقصى من مضمونه السياسي
الاحتلال الإسرائيلي أفشل المفاوضات وأهان الوسطاء
خاص الحدث
جولات متعددة من المحادثات والمباحثات على مدار أشهر فشلت في التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار وإبرام صفقة تبادل أسرى بين حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي، حيث أثبت الأخير أنه يعرقل وبشكل متعمد الوصول إلى اتفاق لإطالة أمد الحرب وذلك لاعتبارات سياسية داخلية إسرائيلية، بعد الفشل الكبير الذي اعترف به الإسرائيليون بشأن طريقة إدارة الحرب إسرائيليا في قطاع غزة وكذلك الفشل في أحداث السابع من أكتوبر 2023 في توقع الهجوم الذي شنته حماس أو حتى في التعامل معه.
يجمع خبراء ومحللون سياسيون، أن جيش الاحتلال غير قادر على تحقيق صورة نصر في قطاع غزة على الإطلاق، وكذلك لن يتمكن من القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية حتى "لو تم تدمير قطاع غزة عن بكرة أبيها" وفقا لتصريح رئيس أركان جيش الاحتلال السابق دان حلوتس، خاصة في ظل عدم وجود خطة إسرائيلية لليوم التالي لما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الدامية والمدمرة على قطاع غزة، بالتزامن مع قدرة المقاومة الفلسطينية على إعادة تنظيم نفسها وبسرعة كبيرة في مناطق سبق وأعلن جيش الاحتلال عن "تطهيرها" من المقاومين الفلسطينيين، وهذه النقاط تعدّ من أهم الأسباب التي يعرقل من أجلها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إمكانية التوصل لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار وصفقة تبادل للأسرى.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق، أن ما جرى لا يسمى مفاوضات لوقف إطلاق النار، وما جرى منذ اليوم الأول حتى اللحظة هو فقط مقترحات بالسقف الأمريكي الإسرائيلي وبالتالي هذا لا يعتبر مفاوضات وإنما "إملاء" على المقاومة والشعب الفلسطيني وهذا ما تم رفضه، ولو أنها مفاوضات لوجدنا أن هناك محاولة لتقليل السقف الإسرائيلي والأمريكي أو الضغط عليه، أما وأننا في الشهر الثامن ولا زالت هناك نفس المحددات بخصوص الأسرى الإسرائيليين وملف المساعدات دون الحديث عن الملف السياسي أو حتى وقف العدوان، فإن كل ما يجري هو مقترحات بسقف أمريكي وإسرائيلي ولم يصل بعد إلى مرحلة مفاوضات.
وقال القيق في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، إننا بعيدون جدا من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في المرحلة الحالية، لأن الفجوة كبيرة والحديث عن المقترحات الحالية هو فقط للتخدير الذي تحتاجه حكومة الاحتلال الإسرائيلي في ملفها الداخلي وتحتاجه أمريكا في ملف الطلبة مع الحالة الدولية من العزلة، والذي نراه في المرحلة المقبلة هو أن الإسرائيلي والأمريكي سيبقون في معادلة تفريغ طوفان الأقصى من مضمونه السياسي عبر المبادرات والمقترحات بسقف محدد، أما أن يكون هناك وقف لإطلاق النار فهذا من المحرمات الإسرائيلية الأمريكية التي تعتبر تلقائيا انتصار المقاومة الفلسطينية وهذا لا تريده الكثير من الدول من بينها أمريكا وإسرائيل وبعض الدول العربية، لأنه يترتب عليه إنجاز سياسي وبالتالي العودة إلى المربع الأول الذي كانوا قد قرروا فيه تفريغ طوفان الأقصى من مضمونه السياسي والمقاومة قررت أن الطوفان لديه قرار سياسي، وهذه الفجوة هي بحد ذاتها كل الموضوع على عكس ما يتم الحديث به في الإعلام أن كل شيء تم وبقيت التفاصيل دون توضيح ماهيتها، ووقف إطلاق النار هو جوهر المشهد ولا يمكن أن تقدم المقاومة الجنود والأسرى على طبق من فضة وتنتحر سياسيا مقابل فقط أن لا تغضب قطر أو مصر أو غير ذلك، وفي حقيقة الأمر فإن الأمور معقدة ولا يمكن أمامنا إلا أن نرى إما وقفا كاملا لإطلاق النار وبالتالي تلبية شروط المقاومة الفلسطينية وفاتورة الدم التي دفعت وإما أن تبقى المرحلة مرحلة تصعيد، وباعتقادي أننا ذاهبون لتصعيد.
وعن دور الوسطاء (مصر وقطر)، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق، أن التدخل العربي دائما ضعيف في الوقت السابق والحالي، مقارنة وبالقياس لما قام به الدور العربي في صفقة وفاء الأحرار (شاليط) التي أبرمت بوساطة مصرية وأعيد اعتقال الأسرى المفرج عنهم ضمن الصفقة، وحين تم سؤال الوسيط المصري وجهاز المخابرات حول انتهاك الاتفاق أجابت مصر بأن ما باليد حيلة بالخصوص، والهدن الأخيرة الإنسانية التي كانت بوساطات مصرية وقطرية انتهكت 25 مرة وقتل فيها فلسطينيون وأصيب العشرات وأعداد شاحنات المساعدات الإنسانية لم تكن كافية وأبلغت قطر ومصر بذلك دون أن تتمكن الدولتان من تحريك أي شيء في هذا المشهد.
وقال القيق، إن هذه الرؤية بشأن الوساطة العربية تأتي من ما طرحته المقاومة بأنه يجب أن يكون هناك وسيط وازن كتركيا العضو في حلف الناتو، وروسيا على سبيل المثال، والأمور بغير ذلك ستبقينا في الوساطة العربية والأمريكيون والإسرائيليون رأوا أنهم بالفعل ضعيفون ومن خلالهم يتم الضغط على المقاومة، ولا زالت النظرية الإسرائيلية والأمريكية أنه يجب تفريغ الطوفان من مضمونه وبالتالي يجب الانتقال من الوساطة العربية إلى الدولية وهو ما سيعزز انتصار المقاومة والتخلص من الرعاية الأمريكية والإسرائيلية للمقترحات.
وعن ما حققه الفلسطينيون في الأشهر السبعة الماضية، أشار القيق إلى أن "هذه مواجهة مفتوحة والشعب الفلسطيني بحد ذاته مجرد وجوده على أرضه هو انتصار والذي يضع الأهداف ولا يحققها هو من سينهزم، وفي الحرب الحالية الإسرائيليون وضعوا الأهداف ولم يحققوا منها شيئا وحتى الآن هم المهزومون، وحاولوا الضغط من خلال الوسطاء وارتكاب مجازر إبادة جماعية ووقف إدخال المساعدات والترغيب والترهيب، وأحد المقترحات كانت تتمثل باستلام حماس الضفة وغزة مقابل تفكيك الجناح العسكري والاعتراف بإسرائيل، وهو ما طرح على حماس في عام 2006، وحماس رفضته في حينه، وفي النهاية حماس هي حركة مقاومة".
وأضاف القيق، أن الإسرائيليون والأمريكيون رتبوا مشهد الضفة الغربية المحتلة لأن تقوده فتح والسلطة وأن تسيطر عليه حالة من التخدير، ومشهد غزة أن تقوده حماس وأن يتم تخديره كذلك، وما طرأ أن حماس كانت تجهز لمقاومة عسكرية مسلحة وأنفاق وعمليات وهذا ما غير موازين وحسابات الجميع، وطول أمد الحرب كشف مواقف وغير مواقف دول وأثار القضية على الساحة الدولية ودول قطعت العلاقات مع الاحتلال ودول اعترفت بفلسطين، وكل هذا في ظل 6 جبهات حاولت إسكات صواريخ غزة، وهذا يعني أن الإسرائيلي خسر والمقاومة شرسة لا زالت تواصل نشاطها العسكري كما اليوم الأول من الحرب.
ويرى القيق أن الفلسطينيين ذاهبون لتسجيل نقاط إضافية لصالح المقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني على حساب ما بنته إسرائيل على مدار 75 عاما من السردية والصورة الوهمية والجيش الذي لا يقهر والتكنولوجيا المتطورة الأمنية ومن الردع والاقتصاد والأمن، وهو ذاته ما تجلب من خلاله اليهود من حول العالم إلى فلسطين، وفي الحقيقة فإن الردع اختفى وتهشم جيدا وذهب الاقتصاد واندثر بشكل كبير زلا يزال يبحث المستوطن عن الأمن دون أصوات صافرات الإنذار.
وعن وحدة الساحات، قال القيق، إنه قبل السابع من أكتوبر كان هناك قرار إسرائيلي أمريكي بعقد قمم أمنية لتفتيت الساحات ووحدتها وعزلها، واليوم نحن نتحدث عن وحدة الساحات بشكل مميز ونحن نتحدث عن وحدة الساحات العسكرية والشعبية والجماهيرية والسياسية والدبلوماسية، فتركيا مثلا قطعت العلاقات مع الاحتلال وجنوب أفريقيا كذلك، والرد الإيراني العسكري الذي كسر حاجز الردع بين الدول، والجامعات الأمريكية التي فتحت الطريق أمام جامعات العالم واليمن ولبنان، والعراق، ونحن الآن نحن أمام وحدة المشهد الدولي الذي تكرر فقط في فيتنام وتكرر في إزالة النظام العنصري في جنوب أفريقيا.
وعن ساحة الضفة الغربية المحتلة، أوضح القيق، أننا "أمام معضلتين الأولى التنسيق الأمني ولا زالت حركة فتح لم تتخذ قرارا بوضع فيتو عرفاتي على هذا المشهد المقيت الذي يدمر ثروة الحركة التنظيمية والوطنية وهذا ما يثير التساؤل في كثير من الأروقة وبين العناصر الفتحاوية، حول ماذا نحن وأين نحن من المشهد القائم حاليا، وهذا يجب الإجابة عليه في الأيام القادمة، والفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية كذلك قصرت كثيرا في إلحاق هذه الساحة بكل الساحات باستثناء بعض المناطق في الشمال كطولكرم وجنين وطوباس، ويجب سؤال كافة الفصائل وقياداتها وفتح تحقيق مع مكاتب الفصائل في الضفة الغربية عن التقصير ليس فقط بخصوص السابع من أكتوبر بل في بناء الفلسطيني تنظيميا وتربويا ووطنيا منذ 16 عاما، وهناك تقصير كبير تجني ثماره الفصائل الفلسطينية اليوم.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي ورئيس مركز القدس للدراسات السياسية، أحمد رفيق عوض، إننا بعيدون جدا عن الوصول لاتفاق وقف إطلاق نار وإبرام صفقة تبادل في الوقت الراهن، لأن الاحتلال الإسرائيلي عمليا أفشل المفاوضات وأهان الوسطاء واستمر بالحرب لأن الحرب تعتبر هروبا للأمام واستثمار كبير بالنسبة للاحتلال، ولأن الحرب كذلك تعني عدم وجود مفاوضات وتسويات وعدم الاعتراف بحماس وعدم الذهاب لانتخابات إسرائيلية ومحاكمات وكذلك الاستمرار فيها يعطي الاحتلال الإسرائيلي هامشا كبيرا من حيث الوقت حيث يحاول الاحتلال أن يحقق أهدافا معلنة وأخرى غير معلنة، ولهذا السبب أفشلت حكومة الاحتلال المفاوضات واقتحمت مدينة رفح الحدودية وكثفت من عملياتها العسكرية في مناطق شمال ووسط قطاع غزة باحثة عن ذرائع وهمية لاستمرار هذه الحرب.
وأضاف عوض في لقاء خاص لـ "صحيفة الحدث"، أن كثيرون يرون إلى جانب الإسرائيليين، أن استمرار الحرب واقتحام مدينة رفح التي تعجّ بالنازحين خاصة هو حرب سياسية من أجل تبرير بقاء حكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه، "وإسرائيل تريد بشكل فعلي استمرار هذه الحرب بحجة عدم تحقق الأهداف المعلنة من الحرب وهي القضاء على حركة حماس والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها، وعودة حماس إلى المناطق التي أعلن جيش الاحتلال "تطهيرها" بالمعنى العسكري بالإضافة إلى أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تريد هذه المرة محاولة إقناع جمهورها بأن كل ما جرى على مدار الأشهر الماضي مبرر، بمعنى أن فكرة الضغط العسكري هي الوسيلة للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وهذه ذريعة تحتاج إلى وقت لتقديمها بشكل جيد مرة أخرى للجمهور الإسرائيلي حتى تتمكن من قيادته".
وأشار مدير مركز القدس للدراسات السياسية، إلى أن الجمهور الإسرائيلي في غالبه جمهور يميني متطرف، يريد الحرب ويرغب باستمرارها ويرغب باقتلاع وتدمير الفلسطينيين، وهذا تبرير كبير لاستمرار الحرب بالنسبة للإسرائيليين".
وحول إعلان حركة حماس عن موافقتها على مقترح الوسيطين المصري والقطري والرفض الإسرائيلي للمقترح، يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، أن الاحتلال الإسرائيلي أفشل المفاوضات وأهان الوسطاء وقدم نموذجا أسوأ ما يمكن في العلاقات الدولية، ولو لم يكن الاحتلال هو الاحتلال للاقى عزلا دوليا حقيقيا، ولكن الاحتلال الإسرائيلي مدعوما من قبل أقوى دولة في العالم، وأفشلت المفاوضات مقابل خيار استمرار الحرب، وهذا استثمار كبير وهروب للأمام وشراء للوقت ومحاولة لتحقيق "أهدافه المتعددة"، فهي تريد تدمير القطاع بالكامل.
وبحسب عوض، فإن حماس قبلت بمقترح الوسطاء بسبب الضغوط الكبيرة الداخلية والخارجية، خاصة وأن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وصل إلى درجة مستحيلة غير طبيعية على الإطلاق من الحصار والجوع والمرض والفقر والنزوح والدمار، بالإضافة إلى ضغوط كبيرة سياسيا واقتصاديا تعرضت لها الحركة من قبل الوسطاء، بالإضافة إلى أن حماس عندما وافقت على المقترح عمليا هي حققت ما تريد في هذا الاتفاق من وقف إطلاق النار والمساعدات وإعادة إعمار قطاع غزة وفتح أفق سياسي، وهذا ما تريد حماس تثبيته، على عكس الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يريد أن يفاوض أو أن يعطي حماس أي قيمة أو مركز، وإنما تريد اتفاقا عملياتي مؤقت لا يفتح لأي أفق سياسي، بالمقابل حماس تريد أن تفتح أفقا سياسيا لتبقى لها اليد العليا في المستقبل في قطاع غزة.
وقال الباحث والكاتب السياسي، إن دولة قطر تتعرض لضغوط كبيرة فيما يتعلق بالمفاوضات خاصة وأنها تستضيف مكتبا رسميا لحركة حماس لديها وكبار سياسييها، وسمح لها على أن تكون على علاقة جيدة بحركة حماس وكان لها دور كبير في بلورة اتفاقات غير رسمية سابقا، وأعطيت هذا الهامش من أجل أن تكون جزء من الصورة، فمصالح أمريكا وإسرائيل وقطر وفقا لعوض، تتقاطع هنا، والضغط على قطر بأن تقوم بأدوار متعددة وتضغط على حركة حماس وإذا لم تفعل ذلك فإن هوامشها تضيق وتتقلص ولهذا السبب طلب من قطر سابقا أن تقوم بأدوار قاسية قد لا ترغب بها قطر، ولهذا السبب رأت قطر أن الهوامش تضيق وأن السقف ينخفض كثيرا، وأعربت سابقا عن انزعاجها وهددت بالانسحاب من الوساطة، بسبب التهديدات الإسرائيلية التي طالتها، وكان عليها أن تختار من بين خيارات لا ينظر لها على أنها جيدة.