ما هي دوافع مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن للتسوية في حرب غزة؟ وما الذي تعنيه؟ وهل تنجح؟ وإذا تمّ تطبيقها فمن الفائز ومن الخاسر؟
أسئلة تبدو بسيطة في طرحها، شديدة التعقيد في فحواها، شديدة الصعوبة في إيجاد إجابات صحيحة لها. المبادرة أميركية، أي تأتي من إدارة أميركية هي في الواقع مأزومة في ملفّاتها الداخلية والخارجية.
مأزومة في الصين وتايوان وإيران. والجرح النازف في أوكرانيا، وروسيا، وفي العلاقة مع إسرائيل والوساطة في لبنان وتوجيه ضربات في اليمن وتأمين البحر الأحمر، وفي محاولة إقناع الرياض بإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل. كلّ هذه الملفّات تواجه تحدّيات ومصاعب.
تأتي المبادرة من رجل مأزوم يعاني صحّياً من تقدّم العمر، وصعوبات في التركيز الذهني، وهو أوّل رئيس يعاني من تدنّي نسبة الرضاء الشعبي عنه بعد رئاسته الأولى.
يحاصر بايدن مجلس نوّاب جمهوري ومجلس شيوخ لا يملك فيه أغلبية مربحة دستورية من ناحية التصويت، ويعاني من تقدّم منافسه المشاكس دونالد ترامب عليه في استطلاعات الرأي على الرغم من تعرّضه لمحاكمات جنائية.
يعاني بايدن من تغيّر نوعي غير مسبوق في موقف الرأي العامّ من قضية كانت محسومة دائماً وأبداً وتاريخياً، وهي مسألة الدعم الأميركي لإسرائيل.
إضافة إلى استقالات في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، واحتجاجات حادّة للطلاب في الجامعات وتظاهرات شعبية في أكبر المدن الأميركية.
أزمة الضّرائب الأميركيّة
تبرز الآن مسألة داخلية خارجية، وهي مسألة دفع الضرائب الأميركية، إذ يتساءل الأميركي بشكل صريح لماذا أدفع للأوكراني ما مجموعه 120 مليار دولار منذ بدء الحرب وأدفع لإسرائيل ما مجموعه 40 مليار دولار (دعم ومساعدات وتسليح) من أجل حروب عبثية لا مصلحة لي فيها في الوقت الذي يتعيّن فيه عليّ زيادة أسعار السلع الأساسية والمحروقات والخدمات؟؟
نظرية المحاسبة السياسية من دافع الضرائب الأميركي لإدارته الحاكمة هي مسألة جوهرية في النظام السياسي الأميركي.
سيف الانتخابات على رقبة بايدن
جاءت مبادرة الرئيس الأميركي في هذه الظروف الموضوعية والمناخ السياسي وفي هذا التوقيت الذي يبتعد 160 يوماً عن تاريخ حسم معركة الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني وإعلانها رسمياً بعدها بأسبوع.
ببساطة، وكما يقولون في واشنطن، شعر فريق حملة بايدن الرئاسية باقتراب سيف الوقت من الرقاب وبشدّة أزمة التراجع السياسي لشعبية الرئيس في معظم الملفّات، وظهر ذلك واضحاً في استطلاعات الرأي الأوّلية في ستّ ولايات رئيسية مؤثّرة.
كلّما جاء ذكر استطلاعات الرأي العامّ يفقد الرئيس بايدن أعصابه ويتشكّك في مصداقية أو نوعية عيّنة المستطلَعين.
تؤكّد استطلاعات الرأي أنّ 6 ولايات هي التي ستحدّد مستقبل الرئاسة المقبلة، وهي: أريزونا وجورجيا وميشيغان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن. وأثبت هذا الاستطلاع أنّ خمساً من هذه الولايات المتأرجحة ستصبّ في مصلحة ترامب.
يدرك بايدن مدى التأثير السلبي لقرارات السياسة الخارجية المؤيّدة لأوكرانيا وإسرائيل. ويأتي الاستطلاع الأكثر سلبية على إدارة بايدن ذلك الخاصّ برأي جمهور الحزب الديمقراطي في سياسة بايدن تجاه إسرائيل منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن.
تقول النتائج إنّ 57% من العيّنة تؤمن بأنّ إسرائيل تقوم بالفعل بإبادة جماعية في حرب غزة ضدّ الشعب الفلسطيني، و26% من العيّنة لا تدرك هل هي إبادة أم لا، و15% تؤمن بأنّ إسرائيل تمارس حقّ الدفاع الشرعي.
من هنا فإنّ مبادرة بايدن هي ورقة إنقاذ لشعبيّته ولإسرائيل من نفسها ومن حماقة الائتلاف الحاكم.
الذي يقرأ جيّداً وبعمق مبادرة بايدن وتعقيبه المصاحب لها سوف يكتشف 3 أمور ظاهرة:
– أوّلاً: يقدّم نفسَه رجلاً يريد حلّاً نهائياً لأطول صراع دموي مشتعل دخلت فيه إسرائيل، وبرّر ذلك مستعرضاً كلّ أشكال الدعم المعنوية والسياسية والماليّة والعسكرية لإسرائيل.
– ثانياً: تضمن هذه المبادرة نوعاً من الخروج الآمن والمشرّف للعملية الإسرائيلية.
– ثالثاً: تعطيه المبادرة قدر الإمكان صورة متوازنة في إيقاف نزيف الدم والعمل من أجل السلام والقدرة على الدعم الإنساني والتدخّل لإنقاذ الفلسطينيين المدنيين من آثار كارثة إنسانية محقّقة.
تبقى نتائج المعادلة الخطرة في هذا الملفّ: يخاف نتنياهو أن ينفرط عقد الائتلاف الحالي إذا قبِل المبادرة، ويخاف بايدن أن يدفع شخصياً ثمنها في معركة الانتخابات إذا رفضها نتنياهو.
تلك هي المسألة.