الجمعة  18 تشرين الأول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

زهرة المدائن| بقلم: د. سامر العاصي

2024-06-06 07:22:25 AM
زهرة المدائن| بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

تلقيت منذ فترة، رسالة من الصديق الأستاذ "زهير الدبعي"، وفيها يدعو لمناقشة موضوع (النشيد الوطني الفلسطيني)، مع مراعاة سبعة (7) محاور أو نقاط في اختيار النشيد الجديد. ويعترف الكثيرون منا، بأن فتح باب النقاش حول هذا الموضوع هي جرأة بحد ذاتها، وهو ما تميز به صديقنا "أبا إسلام". والحقيقة أنني ولسنوات طوال كنت أتساءل عن سبب تغيير نشيدنا الوطني (موطني) الذي كتب كلماته الشاعر إبراهيم طوقان ولحنه الموسيقار اللبناني "محمد فليفل". يذكر أن "موطني"، ظل منذ العام 1930 النشيد الوطني "غير الرسمي" للفلسطينيين وذلك حتى العام 1972، عندما اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية نشيد "فدائي" للشاعر الفلسطيني "سعيد المزين" وتلحين الموسيقار المصري "علي إسماعيل". وفي خطوة تضامنية قام الموسيقار اليوناني العالمي "ثيو ذو راكيس" عام 1981 بإعادة توزيع "موطني".
ومع ذلك، ظل السؤال في ذهني وذهن الكثيرين، هو:-
- هل أصبح الفدائي أكبر من الوطن؟
وفي النهاية فهمت سبب التغيير...... وإن جاء متأخرا.

وكم سررت، عندما تلقف العراق الشقيق (موطني)، وجعله نشيدا وطنياً لبلاد الرافدين، وهو ما يعكس وحدة وتطلعات شعوبنا العربية. ولن أخفيك القول يا صديقي "أبا إسلام"، بل واستسمحك عذرا بأنني توقفت عن تكملة رسالتك عندما رأيتك تضع كلمات "زهرة المدائن" التي كتبها الأخوان رحباني وغنتها السيدة "فيروز"، وسط هذا النقاش الجاد. ذلك أن "فيروز" غنت لفلسطين أجمل الأغاني (يافا، سلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة، أنا لا أنساك فلسطين، القدس العتيقة، جسر العودة، زهرة المدائن) دون ان تذكر اسم أي رئيس او حاكم عربي في أغانيها، مما جعل اغانيها الوطنية هي الأطول عمرآ والأصدق تعبيرآ بين جميع الأغاني الوطنية العربية! وجعلها الأكثر احترامآ ومصداقية بين كل الفنانات والفنانين العرب.
والحقيقة أن عشق السيدة فيروز لفلسطين وعشق الفلسطينيين للسيدة فيروز يمتد منذ عشرات السنين، فقد زارت القدس مرتين. الزيارة الأولى كانت في شهر أيلول 1963، بدعوة من الإذاعة الأردنية. أما الزيارة "الأهم" فكانت مع بداية الأيام الأولى من عام 1964 عندما قام البابا "بولس السادس"، بزيارة الأراضي الفلسطينية المقدسة، لأداء مناسك الحج. وكانت تلك هي أول زيارة لبابا الفاتيكان خارج روما منذ عام 1812، وأول لقاء يجمع  بين بابا الكنيسة الكاثوليكية وبطريارك "الروم الارثودوكس" منذ العام 1439، كما أنها كانت الرحلة الأولى، التي يسافر فيها بابا الفاتيكان بالطائرة.

وفي القدس، وفي "طريق الآلام"، التي سيمر منها البابا ومن خلفه عشرات الآلآف من الحجاج المسيحيين، وقفت "فيروز" وفرقتها الغنائية بين الرهبان، وهي ترتل «أنا الأم الحزينة»، بعد أن تم توزيع مكبرات الصوت داخل حارات وأسوار المدينة العتيقة. وصار الصوت يأتي من كل الجهات وكأن أحجار القدس هي التي تغني. وهكذا ظل قداسته يسير وهو يستمع إلى تراتيل الصوت الملائكي.

وفي اليوم التالي وقفت فيروز فى ساحة باب العمود، وسط حشود جماهيرية غفيرة من أبناء القدس وعموم المدن الفلسطينية وهي ترتل الأغاني الدينية باللغتين العربية والسريانية بحضور وكالات الأنباء العالمية.
وتأثرت فيروز كثيرا بما سمعته من مآسي وآثار نكبة 1948، حتى أن سيدة مقدسية وأثناء حديثها العفوي مع فيروز في البلدة القديمة، لم تجد أمامها إلا "مزهرية" بسيطة، تهديها لصاحبة الصوت الملائكي، ولتخلدها فيروز بعدها، بكلمتين في أغنيتها الوطنية "شوارع القدس العتيقة"، حين قالت:- (أعطوني مزهرية ..قالوا لي هاي دي هدية..).
ومع ذلك، تظل كلمات أغنية "زهرة المدائن" التي دقت ولا زالت تدق عقولنا وقلوبنا كأصوات المآذن وأجراس الكنائس، في قمة الأغنية الوطنية العربية، فهي تروي بكلمات بسيطة وبلحن رائع، وصوت ملائكي يرتعش له القلب والوجدان، قصة شعب اغتصبت أرضه وقدسه وقدس العرب، وصمم أن يقاوم حتى يعيد الأرض لأصحابها ويعيد البهاء للكنائس وللجوامع، والتي تقول فيها:-

لأجلك يا مدينة الصلاة اصلي
لاجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن
يا قدس يا مدينة الصلاة أصلي
عيوننا إليك ترحل كل يوم
تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة
و تمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الإسراء يا درب من مروا إلى السماء
الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان
يبكيان لأجل من تشردوا
لأجل أطفال بلا منازل
لأجل من دافع وأستشهد في المداخل
و أستشهد السلام في وطن السلام
و سقط العدل على المداخل
حين هوت مدينة القدس
تراجع الحب وفي قلوب الدنيا أستوطنت الحرب

الغضب الساطع آتٍ وأنا كلي ايمان
الغضب الساطع آتٍ سأمر على الأحزان
من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
و كوجه الله الغامر آتٍ آتٍ

لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي
سأدق على الأبواب وسأفتحها الأبواب
و ستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية
و ستمحو يا نهر الأردن أثار القدم الهمجية
الغضب الساطع آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
و سيهزم وجه القوة
البيت لنا والقدس لنا
و بأيدينا سنعيد بهاء القدس
بايدينا للقدس سلام
للقدس سلام آتٍ ات

ومع مرور نصف قرن، إلا أن كلمات ولحن هذه الأغنية، لا زالا يحملان الرهبة بمعانيها التي تعكس التسامح والتلاحم الإسلامي المسيحي. وفيها الإصرار بعدم الخنوع للمحتل وتصميم على المقاومة وفيها الأمل والتأكيد بمستقبل حر في وطن حر.
 ومع تغيير الظروف التي شهدتها وما زالت تشهدها الساحة الفلسطينية، فقد حان الوقت للتفكير بنشيد وطني جديد، تحفر كلماته قلوبنا وعقولنا:-
•    ليجعل الأطفال في رياضهم الصغيرة يرددون لحن النشيد
•    وليجعل ألأولاد والبنات يحفظون كلمات النشيد
•    وليحث الشباب والشابات التفكير بمعاني وسمو تلك الكلمات
•    وليحقق بعدها الرجال معاني النشيد الجديد
متمنيا أن يكون جزء من هذه الكلمات، نشيدا وطنيا لفلسطين لعل وعسى أن تظل الأجيال من بعدنا تتذكر، من هي "زهرة المدائن".