الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

نيران حزب الله تلتهم غذاء المستوطنين... خسائر فادحة للمزارعين ومربي الماشية

2024-06-08 05:37:36 AM
نيران حزب الله تلتهم غذاء المستوطنين... خسائر فادحة للمزارعين ومربي الماشية
تعبيرية

الحدث الاقتصادي 

تكبد قطاع الزراعة وتربية الماشية الإسرائيلي في المناطق الشمالية من فلسطين المحتلة على الحدود مع لبنان خسائر هائلة خلال الأيام الماضية مع تصاعد الاشتباكات مع حزب الله اللبناني، الذي تسببت ضرباته في التهام النيران مساحات زراعية واسعة، ما دعا مزارعين إسرائيليين إلى التأكيد على أن الأضرار ستستمر في ظل ارتفاع كلف الإنتاج، حيث سيضطرون إلى شراء الأعلاف لإطعام الماشية بعد احتراق مساحات شاسعة من المراعي، ما سيرفع حتماً أسعار اللحوم في الأسواق.

وتضم مناطق الشمال 30 ألف رأس من الماشية، وفق منظمة مربي الماشية  لدى الاحتلال، فضلاً عن عشرات آلاف الدونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع)، من المراعي والبساتين ومزارع تربية النحل، حيث طاولت الأضرار الكثير منها في الأيام الأخيرة، إضافة للمنازل والبنية التحتية، فيما يشكو مزارعون من أن التعويضات الحكومية لا تشمل الكثير من أنشطتهم. وقال الرئيس التنفيذي للمنظمة يوناتان هيرشفيلد، في تصريحات لموقع واينت العبري، إن مزارعي الشمال يواجهون حرائق متواصلة وأضراراً بعشرات ملايين الشواكل، موضحاً أن "آلاف الدونمات من المراعي احترقت".

وأشار هيرشفيلد إلى أن الحرائق امتدت إلى منطقة الجليل الأعلى (شمالي فلسطين المحتلة)، وهضبة الجولان المحتلة في سورية، مضيفاً أنه "جرى يوم الاثنين الماضي فقط حرق ما يقرب من سبعة آلاف دونم من المراعي في الجليل الأعلى، وما زلنا لا نعرف كم منها في الجولان"، وقال إن هذه المراعي بالغة الأهمية لأنشطة تربية الماشية، مبيناً أنه "إذا لم يكن هناك عشب فسيتعين علينا إعطاء الماشية طعاماً باهظ الثمن.. هناك أيضاً نظام بيئي متضرر بشدة وتم حرق العديد من الحيوانات، بما في ذلك الماشية، ولا تزال النيران مشتعلة في بعض الأماكن في الجولان.. العام المقبل سيكون كارثة على صعيد اللحوم الطازجة المحلية".

ويعتمد مربو الماشية لدى الاحتلال على 1.5 مليون دونم من المناطق المفتوحة، وفق هيرشفيلد، مؤكداً أنه إذا لم تكن هناك قطعان في الشمال فستتزايد خسائر الاحتلال على صعيد قطاع الأغذية، بينما لا يحصل المزارعون على إجابات من الجهات الحكومية بشأن تعويضهم عن الخسائر التي تكبدوها. كما التهمت الحرائق عشرات مزارع النحل وسط توقعات بامتداد الخسائر لفترات طويلة، حيث كانت المراعي والأحراج والبساتين التي تعرضت مساحات واسعة منها للاحتراق مصدراً للرحيق كغذاء للنحل.

وقال صاحب منحل في الجليل الأعلى، يدعى تاليم جليلي، إن "الحرائق تزايدت في الأيام الأخيرة نتيجة نيران حزب الله.. منظر المناطق المحروقة يمزق قلوبنا". وأضاف الرئيس التنفيذي لمجلس العسل أوفي رايش أن "المراعي المحروقة، وفقدان خلايا النحل، تشكل إصابة قاتلة على الجانب البيئي والزراعي، وما زلنا لا نعرف التقدير النهائي للأضرار التي لم يتم اكتشافها بعد.. في كل مرة يتم فيها حرق خلايا النحل والمناطق الزراعية والمراعي، يتم أيضاً تدمير إنتاج الأغذية النباتية، ويجب على الحكومة الإسرائيلية أن تضع الصناعة الزراعية وتعويض جميع النحالين والمزارعين على رأس قائمة الأولويات في طريق إعادة بناء البلاد".

وجاءت ضربات حزب الله لتفاقم أوضاع قطاع الزراعة في إسرائيل الذي كان يعاني أساساً من نقص الأيدي العاملة، ما تسبب في عدم القدرة على حصاد العديد من المحاصيل ومنها أخيراً البطيخ. يُزرَع حوالى 140 ألف طن من البطيخ سنوياً في إسرائيل على مساحة نحو 23 ألف دونم، وفق تقرير منفصل لموقع واينت. وقال رئيس فرع الخضار في مجلس النباتات مئير يعفارة إن العمال الأجانب رحلوا بسبب الحرب، والفلاحون في وضع حرج، وأحاول إيجاد الحلول مع وزارة الزراعة لكن لا أحد يجيبني.

دخلت الزراعة لدى الاحتلال منذ اندلاع الحرب على غزة قبل ثمانية أشهر في أكبر أزمة في القوى العاملة، ويرجع ذلك إلى منع العمال الفلسطينيين من العمل وعمليات الاستدعاء الواسعة لجنود الاحتياط التي شملت أكثر من 300 ألف إسرائيلي للانضمام إلى الحرب، وفرار آلاف العمال الأجانب الذين طلبوا العودة إلى بلدانهم الأصلية.

وبحسب وزارة الزراعة لدى الاحتلال، كانت المزارع في الشمال، التي أُخليت نسبة كبيرة منها، تنتج 40% من الفاكهة شبه الاستوائية لدى الاحتلال، و70% من البيض. أما الآن فقد صارت هذه المناطق، وحتى في الجنوب قرب قطاع غزة، مناطق لاحتشاد الجيش، ولم يعد هناك مكان للمزارعين.

في غضون ذلك، بدأ الاحتلال في استيراد المزيد من الخضروات بمقدار يفوق بكثير ما اعتادت عليه سابقاً. ومع ذلك، فإن الأمن الغذائي الإسرائيلي لا يزال يواجه خطراً حقيقياً، ليس بسبب الكلفة المرتفعة للاستيراد فقط، وإنما أيضاً بسبب تعرض سفن البضائع المارة في البحر الأحمر لهجمات متكررة من قبل الحوثيين في اليمن، فضلاً عن قرار تركيا في مطلع مايو/ أيار الماضي مقاطعة الاحتلال تجارياً.

وسبق أن أشارت وزارة الزراعة الأميركية، في تقرير صدر عام 2022، إلى أن إسرائيل تعتمد بشكل شبه حصري على الاستيراد لتوفير استهلاكها من السكر والزيوت النباتية والبذور الزيتية والأعلاف والحبوب والمواد الخام الأخرى لصناعة الأغذية، وتعتمد أيضاً صناعة اللحوم على واردات اللحوم والحيوانات الحية.

وفي ظل الأضرار التي تخلفها الحرب المستمرة والتي تدنو من شهرها التاسع، انكمش اقتصاد الاحتلال بنسبة 1.4% على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الجاري. ويأتي هذا الانكماش للربع الثاني على التوالي، إذ جاء بعد انكماش آخر أشد وطأة بنسبة 21.7% في الربع الأخير من 2023. وكان اقتصاد دولة الاحتلال قد نما 2% في كامل 2023، مقارنة مع 6.8% في 2022، ونمو بنسبة 8.6% في 2021، وانكماش بنسبة 1.9% في عام كورونا 2020.

وارتفع الإنفاق العام بنسبة 7.1% في الأشهر الثلاثة الأولى من 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بعد صعود غير مسبوق بنسبة 86% في الربع الأخير من العام الماضي بفعل الإنفاق على الحرب، وفق بيانات صادرة حديثاً عن مكتب الإحصاء الحكومي، فيما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1% على أساس سنوي في الربع الأول من هذا العام.

وحتى لو توقفت الحرب فإن الأضرار الاقتصادية ستظل تلاحق الاحتلال سنوات، وفق مؤسسات مالية دولية وخبراء اقتصاد. فإصرار الاحتلال على ألا تؤخذ على حين غِرّة مرة أخرى، أدى إلى زيادة هائلة في الإنفاق العسكري، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

الحرب في غزة هي الأعلى كلفة في تاريخ الاحتلال ، وقد أشارت تقديرات بنك إسرائيل المركزي إلى أن إجمالي كلفة الحرب سيبلغ 250 مليار شيكل (67.4 مليار دولار)، حتى 2025. وكان الإنفاق العسكري قبل الحرب عند أدنى مستوياته على الإطلاق، إذ بلغ 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن التوقعات تشير إلى أنه سيرتفع إلى مثليه هذا العام ليبلغ 9%، وفقاً لما نقلت بلومبيرغ عن الأستاذ المتقاعد في كلية الاقتصاد في جامعة تل أبيب مانويل ترايتنبرغ. بالمقارنة، تبلغ نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة 3.4%، وفي ألمانيا 1.5%، وفقاً لبيانات جمعها معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

قال المدير العام السابق لوزارة المالية دايفيد برودت إن الاحتلال كان لديه مخزون كبير من احتياطيات العملة الأجنبية وديون حكومية منخفضة حين دخلت الحرب الحالية، وكانت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 62%، بينما تشير التوقعات الآن إلى ارتفاعها إلى 67%. لكن بعض الخبراء يحذرون من خطر يواجه فترة النمو المتواصلة في الاحتلال، التي استمرت أكثر من عقدين دون عرقلة إلا من جائحة كورونا.

والضغوط الحالية على الميزانية بسبب الحرب تبرز أيضا انقسامات "المجتمع الإسرائيلي"، حيث تساهم الشريحة العليا، التي تمثل خُمس السكان، بنسبة 60% من إجمالي الإيرادات من الضرائب المباشرة التي تعمل الحكومة على زيادتها لتوفير موارد مالية لتمويل الصراع. كما أن تلك الشريحة تمثل أساس قوات الاحتياط في الجيش، ما جعل الكثير من الأنشطة الاقتصادية تعاني من نقص الأيدي العاملة، على رأسها قطاع التقنية الحيوي، كما خسرت شركات في "تل أبيب" ومحيطها بعض أفضل زبائنها.