السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الاستخبارات الأمريكية: معركة الحوثيين في البحر الأحمر ستستمر ولو توقفت الحرب في غزة

2024-06-20 05:11:13 PM
الاستخبارات الأمريكية: معركة الحوثيين في البحر الأحمر ستستمر ولو توقفت الحرب في غزة

بقلم: تسفي برئيل

سفينة النقل اليونانية “توتور” غرقت أمس في أعماق البحر الأحمر، بالضبط بعد أسبوع من إصابتها بقارب متفجر بدون ركاب أرسله الحوثيون من اليمن. هذه هي السفينة الثانية التي يغرقها المتمردون المدعومون من إيران، ويبدو أنهم لا ينوون التوقف. في أيار، بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح في قطاع غزة، أعلن زعيمهم عبد المالك الحوثي بأن رجاله “يستعدون الآن للمرحلة الخامسة والسادسة من الحرب. لدينا خيارات استراتيجية كثيرة ومهمة ستؤثر على العدو. ليس لدينا خطوط حمراء، ولا اعتبارات سياسية تجعلنا نغير موقفنا”. حتى إن الحوثي دعا زعماء دول عربية لإرسال سلاحهم “الذي صدئ في المخازن”، حسب تعبيره، لاستخدامه لصالح المعركة في غزة.

من غير الواضح ما الذي يخطط له الحوثيون للأيام القادمة، أو كيف يقسمون مراحل الحرب، التي ألحقت خسائر اقتصادية باهظة حول العالم بسبب تحويل مسار النقل من البحر الأحمر وقناة السويس، ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار التأمين في فرع الملاحة البحرية. ولكن خلافاً للتقديرات التي أصبحت افتراضات أساسية القائلة إن حزب الله سيلقي سلاحه عند التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فإن للحوثيين اعتبارات خاصة بهم. فهم بدأوا الهجمات في البحر الأحمر في 19 تشرين الأول وبكونهم جزءاً من نسيج “وحدة الساحات”، فإنهم القوة الوحيدة التي تمثل دولة والتي تعمل ضد الأهداف الإسرائيلية والغربية. جهات استخبارية أمريكية تقدر أنه لا تأكيد بأنهم سيوقفون نشاطاتهم في حالة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

رئيسة المخابرات الوطنية في الولايات المتحدة افريل هاينس، سئلت عن رأيها في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الشهر الماضي حول تقديرها بشأن إلى متى سيستمر تهديد الحوثيين. فقدمت هاينس، وهي التي شغلت في السابق منصب رئيسة الـ سي.آي.ايه، إجابة غامضة وامتنعت عن الربط بين نشاطات الحوثيين والحرب في غزة. وحسب رأيها، فإن ساحة البحر الأحمر تخدم مصالح سياسية لزعيم الحوثيين الذين يطمح إلى تعزيز مكانته في المنطقة والعالم، من خلال الاستناد إلى قدرة الإنتاج المحلية للصواريخ والمسيرات وأنواع سلاح أخرى. “لا نعتقد أن الأمر سيتغير في الفترة القريبة”، قالت هاينس. “هذا لا يعني أن الهجمات الأمريكية وهجمات التحالف الذي يعمل في البحر الأحمر لا تؤثر، ولكنها لم تكن كافية لوقف الحوثيين حتى الآن”.

هذه حرب استنزاف تستند إلى استراتيجية وضعتها الولايات المتحدة في بداية الحرب بهدف منع الهجمات والمس بقدرات الحوثيين، مع تجنب شن حرب شاملة ضدهم. هذا التنظيم سيطر على عاصمة اليمن صنعاء في 2014، والآن يسيطر بالفعل على حوالي نصف أراضي الدولة. هذه الاستراتيجية تستند، ضمن أمور أخرى، إلى الخوف من إشعال ساحات أخرى، بالأساس استئناف إطلاق الصواريخ على السعودية. منذ نيسان 2022 يتم تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين السعودية والحوثيين. ومثلما في لبنان، فإن الولايات المتحدة تخشى من تطورات ستجرها إلى تورط عميق أكثر في الشرق الأوسط، حتى مواجهة مباشرة مع إيران.

في حين أن حزب الله ينسق بشكل وثيق مع طهران، والمليشيات الشيعية في العراق تخضع لتوجيهاتها بشكل كبير، فإنه يصعب تقدير لأي درجة ستتأثر نشاطات الحوثيين إذا أمرتهم إيران بوقف إطلاق النار. شبيهاً بالتنظيم الشيعي في لبنان، يستخدم الحوثيون الحرب لتعزيز مكانتهم الداخلية في اليمن. فهم يفرضون بواسطتها التجنيد على أبناء القبائل “من أجل الوطن”، ويفرضون الضرائب والرسوم لتمويل “الحرب الوطنية”، وبالأساس حكمهم، حتى إنهم يستغلون حالة الطوارئ التي أعلنوها لتحييد الخصوم السياسيين. يتم إرسال معارضيهم إلى السجن ويتم تحطيم المكانة السياسية لرؤساء القبائل الخصمة بواسطة إعادة توزيع مناطق السيطرة التقليدية التي تخلق تجمعات سكانية جديدة تحتضن أغلبية لمؤيدي الحوثيين.

إعداد خارطة طريق

إلى جانب تعزيز السيطرة في المحافظات التي هي تحت سيطرة الحوثيين، فإنهم يستعدون لإجراء مفاوضات مع حكومة اليمن الرسمية. لم يحدد بعد موعد بداية المحادثات، ولكن تم الاتفاق في كانون الأول على خارطة الطريق في إطار الاتصالات برعاية الأمم المتحدة والولايات المتحدة والسعودية. حسب هذه الوثيقة، فإن الرياض ستمول دفع رواتب الموظفين الذين يعملون في المحافظات التي هي تحت سيطرة الحوثيين، الذين لم يتسلموا الرواتب منذ 2016. وتم الاتفاق أيضاً على أن الحوثيين سيتمكنون من تصدر النفط وسيتم رفع بعض قيود الحصار على الميناء في مدينة الحديدة التي يسيطرون عليها. واستمراراً لهذه البنود، قد يجلس الحوثيون والحكومة في اليمن لإجراء مفاوضات حول تشكيل حكومة مشتركة، ثم إجراء الانتخابات لتشكيل حكومة دائمة.

لكن تم تجميد تطبيق خارطة الطريق عند انضمام الحوثيين للحرب متعددة الساحات في غزة، وهي الخطوة التي أضرت بتصدير النفط من الأماكن التي هي تحت سيطرة الحكومة الرسمية في اليمن. في الوقت نفسه، وجدت الولايات المتحدة نفسها في معضلة أمام الحوثيين مع قرار الرئيس الأمريكي في كانون الثاني اعتبارهم “كيان إرهاب عالمياً له تصنيف خاص”. وهو تعريف لا يعيدهم إلى قائمة منظمات الإرهاب العالمية في واشنطن، التي كانوا فيها حتى شباط 2021. في السنة نفسها، قرر الرئيس الأمريكي رفعهم من القائمة للدفع قدماً بعملية السلام في اليمن. التعريف الحالي يمنح إدارته مرونة أكبر في فرض العقوبات على الحوثيين ويوفر هامش أوسع للتفاوض معهم.

في الشهر الماضي، نشر أن الولايات المتحدة شجعت السعودية على “إخراج خارطة الطريق من التجميد”، رغم استمرار هجمات الحوثيين. وهي خطوة قد تمكن واشنطن من إنهاء تورط الحوثيين في الحرب، والتركيز على إقامة تحالف دفاع إقليمي مع السعودية، وحتى تشكل تحالف إقليمي ضد إيران. ولكنها عملية اصطدمت بمقاومة حكومة اليمين التي تخشى من أن تؤدي أي مصالحة مع الحوثيين إلى تآكل عميق في مكانتها، وأيضاً من جانب “المجلس الانتقالي الجنوبي الذي هو جسم سياسي تم تشكيله في 2017 برئاسة عيدروس الزبيدي الذي يسعى لإعادة تأسيس دولة جنوب اليمن.

منظومة الضغوط والمصالح هذه يستغلها زعيم الحوثيين الذي يعتبر استمرار الحرب في البحر الأحمر وفي زيادة حدتها رافعة استراتيجية حيوية، قد تجلب له تنازلات سياسية من حكومة اليمن والولايات المتحدة والسعودية، وفي الوقت نفسه حمايته من هجوم شامل على المناطق التي هي تحت سيطرته من قبل قوات التحالف برئاسة واشنطن. بناء على ذلك، حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فإن البحر الأحمر قد يظل ساحة حرب مشتعلة. وبقي أن نرى هل ومتى ستقرر الولايات المتحدة تنفيذ “إعادة نظر” في سياستها تجاه الحوثيين. هذا في الوقت الذي ما زالت تلتزم فيه بالأخذ في الحسبان سيناريو ستضطر فيه إلى التدخل في الحرب لبنان، وربما حتى أبعد منه.