يريدونها في غرفة الإنعاش دون انتعاش لكنهم لن يسمحوا بانهيارها
الحكومة الفلسطينية بين تفاؤل رئيس وزرائها وتشاؤم موظفيها ومخاوف مواطنيها
أموال المقاصة لو تحررت بالكامل لا يمكنها تغطية المتأخرات التي نشأت بعد السابع من أكتوبر
متأخرات رواتب الموظفين تقدر بنحو 6 مليارات شيقل وأكثر منها مستحقات للقطاع الخاص
الدين العام للسلطة يقدر بنحو 11 مليار دولار أي نحو 40 مليار شيقل
الحدث – إبراهيم أبو كامش
بعد مرور 90 يوما على تسلم الحكومة الفلسطينية الـ 19 مهامها، يطمئن رئيس وزرائها د. محمد مصطفى موظفي الحكومة وعموم أبناء الشعب الفلسطيني في كلمته الافتتاحية لجلسة مجلس الوزراء بتاريخ 25 حزيران/يونيو بقوله: "الوضع المالي سيشهد تحسنا في الأشهر المقبلة... ونعمل على عدة مسارات من أجل توفير الموارد المالية اللازمة ببذل جهود متواصلة مع مجموعة من الدول العربية الشقيقة ومجموعة من دول أوروبا وكذلك الاتحاد الأوروبي ومؤسسات التمويل الدولية لحشد الدعم المالي للخزينة العامة في هذه المرحلة الحرجة، ووجدنا تجاوبا مبشرا".
ويتابع د. مصطفى: "نستمر في العمل مع عدد من الأطراف الصديقة من أجل تأمين الإفراج عن أموالنا المحجوزة من قبل الجانب الإسرائيلي، ورغم ثقتنا أن الوضع المالي سيشهد تحسنا في الأشهر المقبلة، لكننا لا نزال نعمل أيضا حتى يصل -على الأقل- جزء من هذه الأموال خلال الأسبوعين القادمين حتى نؤدي ما علينا من التزامات".
كما وتأتي أقوال رئيس الوزراء الفلسطيني المطمئنة في ظل تزايد الحديث عن حالة الانهيار المالي للسلطة الفلسطينية وإفشال الحكومة بتنفيذ مهامها والعمل على تقويضها وبالنتيجة تهديد استمرارية مؤسساتها وتوقف خدماتها، وفي هذا السياق وبعد 90 يوما من تشكيلها، هل حكومة د. مصطفى فشلت في مهامها أم أفشلت أم أنه من السابق لأوانه الحكم بفشلها؟ وما هي آفاق مستقبلها في ظل اشتداد أزمتها المالية واستمرار مصادرة أموال المقاصة كلها؟
وإذا كانت أقوال رئيس الوزراء قد حظيت باهتمام عموم المواطنين، إلا أن هذا الاهتمام سرعان ما تبدد وسيطرت على مشاعرهم مخاوف مقايضة الأرض مقابل المال بمعنى تسلم جزء من أموال المقاصة مقابل اعتراف بعض الدول بمستوطنات أقيمت على أراض فلسطينية في الضفة الغربية (وفقا لما تم تداوله عبر عديد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دون أن تكون هناك تصريحات رسمية مؤكدة أو نافية لما يتم تداوله من أي جهة كانت ذات علاقة بما فيها الحكومة الفلسطينية).
وإذا صحت الأنباء المتحدثة عن النية بتسليم جزء من أموال المقاصة مقابل اعتراف دولي ببعض المستوطنات، فهذا يعني مقايضة أموال فلسطينية بأراض فلسطينية، لصالح دولة الاحتلال وبما يخدم سياسة وتوجهات وزير ماليتها سموتريتش، ويبقي السلطة الفلسطينية في غرفة الإنعاش دون انتعاش لكنهم يمنعون انهيارها، والمصيبة الكبرى إن قبلت الحكومة الفلسطينية بهذه المقايضة ووافقت عليها.
وتؤكد "مصادر" حل مشكلة احتجاز أموال المقاصة، وكشفت أنه سيتم تحويل ما يعادل 3 مليار و600 مليون شيقل، وإيداع ما تبقى لدى دولة غير النرويج ما يعادل 2 مليار و400 مليون شيقل، و485 مليون موجودة سابقاً لدى النرويج وهي حصة غزة.
وبينما يرفض الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم، في حديثه لـ "الحدث" استخدام مصطلح "إنهيار السلطة" لما له من دلالات اجتماعية واقتصادية وسياسية ومؤسساتية، فإنه يرى أن المصطلح الأفضل لتوصيف الحالة هو "شلل وتعثر يتعمق مع الزمن"، موضحا أن انهيار السلطة يعني أن تصبح غير فاعلة على الإطلاق أو تخرج عن الخدمة، ما يدلل على فراغ في إدارة الشأن العام، لكن المجتمع الدولي يعبر عن حرصه على وجودها واستمرارها في تأدية التزاماتها.
يقول د. عبد الكريم: "لا أحبذ استخدام كلمة انهيار لأنها تعني اختفاء المظاهر السلطوية ولربما حل المؤسسات أو اختفائها وغيابها عن الفعل في إدارة الشأن العام الفلسطيني والانهيار يعني فراغا وحالة من الصعب التكهن بنتائجها، لذلك أحبذ استخدام الشلل شبه التام في أعمال السلطة الفلسطينية وفي قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وهذه الحالة تعيشها لكنها تطورت مع مرور الوقت منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فمتى ستصل إلى أن تعلن بأنها غير قادرة على الوفاء بأي من التزاماتها، هذا مرهون بالتطورات السياسية والأمنية في الأيام أو الشهرين القادمين".
وحول أقوال رئيس الوزراء المتفائلة، قال عبد الكريم: لربما لمس رئيس الوزراء في جولاته خارج البلاد تفهما دوليا للأزمة المالية للسلطة، وبنى تفاؤله على وعود أوروبية وعربية بتقديم مساعدات والضغط على "إسرائيل" لثنيها عن فرض عقوبات على السلطة.
وعلى افتراض أنه تم وقف العدوان على غزة، وبدأت التوجهات لحلحلة هذا الملف وتطور بتدخل دولي إلى البحث في تسوية الصراع مع الاحتلال وفتح أفق سياسي جدي؛ يرى عبد الكريم، أن الحياة عندها ستعود للسلطة من جديد، لأن المجتمع الدولي يصبح حريصا على تمكينها أكثر لإدارة الشأن الفلسطيني وتمليكها أسباب القوة والمنعة لأنها الشريك السياسي في أي تسوية قادمة. وبالتالي ربما نلحظ بعدها تدفقا للمساعدات الدولية من جديد، ولربما ليس بنفس الحجم ولكن على الأقل سيكون هناك حرص على بقاء ووجود السلطة وقدرتها على الإيفاء بالتزاماتها.
وقال مستدركا: "أما إذا تفاقمت الأمور واستمر العدوان والمجتمع الدولي بقي حذرا مترددا في تقديم المساعدات المالية لدعم موازنة السلطة وبقي السلوك الإسرائيلي عدوانيا تجاه الفلسطينيين ومنهم السلطة من خلال عقوبات اقتصادية سواء حجز المقاصة وغيرها، عندها يمكن التوقع بأن الأمور قد تتطور باتجاه انهيار السلطة، لذلك من الصعب التكهن بما سيجري خلال الشهرين القادمين".
ويستبعد عبد الكريم، أن تتمكن السلطة من الوفاء بالتزاماتها المالية كاملة ويشرح ذلك بالأرقام، مبينا أن مستحقات آخر 8 شهور سواء مستحقات الموظفين أو القطاع الخاص وصلت حدودا عالية جدا، "وحتى لو افترضنا تحرير أموال المقاصة والمستحقات المالية وهي حوالي 6 مليارات شيقل (1.6 مليار دولار) تقريبا فإنها لا تفي بكافة المستحقات على السلطة".
ويشير إلى أن متأخرات رواتب الموظفين تقدر بنحو 6 مليارات شيقل (1.6 مليار دولار)، وأكثر منها مستحقات للقطاع الخاص، موضحا أن "الدين العام للسلطة يقدر بنحو 11 مليار دولار، بما فيها القروض المصرفية، أي نحو 40 مليار شيقل". وبالتالي، فإنه يقدر بأن أموال المقاصة لو تحررت بالكامل لا يمكنها تغطية المتأخرات التي نشأت بعد السابع من أكتوبر، "وعليه أتوقع حلحلة الأزمة المالية، وليس حلها، في حالتين: وجود مساعدات سخية من الدول، وتحرير أموال المقاصة".
واستدرك: "هذا قد يعيدنا لما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث لم تكن تفي السلطة بكل التزاماتها، وكانت تدفع 85% من الرواتب، مع دفع جزء من باقي مستحقات القطاعات الأخرى". منوها إلى أن عجز موازنة السلطة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول وقبل 2023 كان يصل إلى مليار دولار سنويا، جزء منه تتم تغطيته من مساعدات دولية والآخر يبقى دينا.
ويجدد د. عبد الكريم تأكيده بأن الحقيقة الماثلة اليوم أن السلطة تعاني من أزمة مالية خانقة وهي أزمة سيولة، ولذلك يقول: "علينا الانتظار ولا أرجح أن تنهار السلطة وإنما أن تبقى قائمة قادرة على الحد الأدنى من الفعل وأظن أنها تشتري وقتا الآن".
ويرى عبد الكريم أن الأزمة الاقتصادية في مناطق السلطة مركبة، منها حرمان الاقتصاد الفلسطيني من سيولة شهرية كانت تقدر بـ 1.4 مليار شيقل، وحرمانه من سيولة كانت تضخ على شكل إنفاق حكومي أيضا يعادل هذا الرقم إن لم يكن أكثر. ومنها تعطل الانسياب الطبيعي للسلع والأفراد والتنقل بين المحافظات والحواجز العسكرية التي تعيق النشاط الاقتصادي، والتضييق على الفعل الاقتصادي الفلسطيني في مناطق زراعية واسعة تسمى مناطق (ج) وانخفاض مستوى المساعدات، هذه كلها تزامنت مع بعض لتجليات الأزمة.
ويؤكد أن هذه الأوضاع كلها انعكست على صعوبة الحياة الاقتصادية على جزء كبير من الناس وإن أخذنا مؤشرين فقط وهي معدلات البطالة والتي تضاعفت ربما 3 مرات عن مستواها ما قبل 7 أكتوبر في الضفة الغربية، ناهيك عن الوضع المأساوي في غزة وصعب استخدام مقاييس تقليدية اقتصادية في غزة، كما انعكست البطالة على الفقر التي زادت حيث دخلت وانزلقت أسرة من بين كل 3 أسر في الضفة الغربية إلى خط الفقر، إما نتيجة لانقطاع مصادر الدخل من العمل أو نتيجة لارتفاع الأسعار أو لعدم تقاضي الموظفين العموميين رواتبهم كاملة والتي كانت بالحد الأدنى تكفي لتجاوز حالة الفقر.
ويتفق الباحث الاقتصادي مؤيد عفانة مع د. عبد الكريم، في تشخيص الواقع الاقتصادي والمالي لحكومة د. محمد مصطفى، وقال: "الحكومة لم تفشل وإنما جاءت على واقع اقتصادي ومالي صعب، وتسلمت مهامها وهي تعلم وتدرك ذلك، وتبعا للبيانات الرسمية والمعتمدة المتاحة بين أيدينا فإن السلطة الوطنية تمر بأكثر وقت حرج لها منذ تأسيسها سنة 94، وهذا يعني أنها تتعرض إلى إشكالية مالية كبيرة إن بقيت ستؤدي إلى انهيار مالي، وبالتالي فإن المقاصة التي تشكل 68% من الإيرادات حجبت كلها، وتبقى فقط 32% من الإيرادات، وتبعا لانكماش الدورة الاقتصادية فإن هذه النسبة انخفضت لحوالي 30%، وبالتالي ما تملكه السلطة من إيرادات هو فقط حوالي 30%.
كما أن الدعم الخارجي محدود جدا وله مساربه الخاصة، فدعمت فرنسا مثلا بـ 10 مليون دولار، وبريطانيا تريد أن تقدم 10 مليون جنيه إسترليني، والمقاصة لوحدها 250 مليون دولار شهريا والمقاصة ككل تصل إلى حوالي 3 مليار دولار في السنة.
ويتساءل عفانة، فما قيمة الدعم الفرنسي أمام ذلك، وبالتالي كل ما يتم تقديمه هو شيء بسيط جدا، بمعنى وبلغة الاقتصاد والأرقام، السلطة في مرحلة إن لم تكن هناك دفعات إغاثية وإفراج عن أموال المقاصة ستصل إلى حالة انهيار مالي، والقضية مسألة وقت، فلا يمكن أن تعيش السلطة على إيرادات محلية نسبتها 25%، لا يمكن أن تبقى السلطة ضمن هذا الواقع لذلك فإن السلطة في وضع حرج جدا وبحاجة فورا إما إلى دفعات إغاثية أو استرداد أموال المقاصة.
وبتقدير عفانة، فإن الحكومة بحاجة إلى جهد أكبر من أجل إثارة الجانب المالي إن كان على مستوى التحكيم الدولي أو على مستوى حملة دولية وتحالفات تجاه أموالنا، وليس من الصحيح أن نقع أسرى خوف تهديدات سموتريتش في 30/6، فالمقاصة تشكل العمود الفقري ولن يكون هناك أي دعم والاتحاد الأوروبي سبق وأعلن أنه لا يستطيع أن يسد مكان المقاصة في الدعم والأمر نفسه ينطبق على الدول العربية، الأمر الذي يستوجب ضرورة التحرك الآن على الحلبة الدولية وفي كل مجال باتجاه التحكيم فيما يتعلق بإيرادات المقاصة، مضيفا: "لا نريد مساعدة أو منة من أحد ولكن نريد فقط تحرير أموالنا".
ويتوقع عفانة، عدم إنفاذ تهديدات "سموتريتش"، وقال: "من خلال تتبعنا لتصريحاته، فإنه ينثر مجموعة قضايا كبرى من أجل أن يحقق قضايا أخرى، وكان قد طرح قضية قطع التعامل البنكي من خلال عدم تجديد رسالة الضمانات في 30 حزيران/ يونيو، وفي نفس الوقت سطى على كل إيرادات المقاصة بنسبة 100% ويكون بذلك قد نجح في حرف الأنظار عن قضية إيرادات المقاصة التي استولى عليها بشكل كامل، واستطاع أن يستصدر قرارا مبدئيا من خلال لجنة الخارجية والأمن بتحويل جزء منها لمستوطنات غلاف غزة". كما حقق سموتريتش مكسبا سياسيا ببناء 4 مستوطنات كانت بؤرا استيطانية، في حين أننا ركزنا اهتمامنا على استهدافه أموال المقاصة وإلغاء رسالة الضمانات للتعاملات البنكية، وعليه فإن خطته تقتضي بنثر مجموعة أفكار الهدف منها حرف الأنظار عن مكاسب ضخمة يقوم بتحقيقها.
وشدد عفانة، على ضرورية جاهزية الفلسطينيين للسيناريو الآخر فهل إذا نفذ "سموترتش" تهديده بإلغاء رسالة الضمانات البنكية سنكون نحن بخير؟ طبعا سنتضرر ولكن سيتضرر أيضا الاقتصاد الإسرائيلي، فنحن نتعامل مع 200 بنك مراسل عالمي بمعنى أن علاقاتنا التجارية ستبقى قائمة، ولكن العلاقات البينية مع "إسرائيل" وتحديدا مع البنكين (هابوعاليم ودسكونت) ستتأثر، ولكن يمكن الالتفاف عليها من خلال البنوك المراسلة العالمية.
وقال: "هناك ضرر ولكن يمكن التحايل عليه بحكم وجود البنوك المراسلة وهذا قد يخفف من وطأة أثر هذا التعامل، ولن تكون هناك مشكلة فيما يتعلق بالحوالات، وستتركز المشكلة في الشيكات الإسرائيلية وفائض الشيقل النقدي الذي تبلغ قيمته حوالي 6 مليار شيقل التي أحدثت أزمة في كيف يمكن تصريفها مع البنوك الإسرائيلية، مؤكدا أنه لا أثر لتكدسه على المواطن، ولكن البنوك لا تستفيد من تكدسها لأنه لا استثمار فيها، إضافة إلى تحملها تكلفة تخزينها وتأمينها وحراستها، كما يؤثر ذلك على الدورة المالية بسبب تجميد هذه المبالغ الطائلة، لذا تعمل سلطة النقد على التحول الرقمي".
لكن الخبير الاقتصادي د. عادل سمارة، يستبعد أن تسمح أمريكا لـ "سموترتش" بتنفيذ تهديداته، وقال: "ليس صحيحا أن مثل هذه التهديدات لن تؤثر على المعاملات المصرفية والبنكية حتى لو كانت هناك تعاملات مباشرة مع بنوك أجنبية خارجية، لأن التعامل الرئيسي مع بنك (لئومي) الذي يضخ ويسحب الشواقل والمعاملات مع البنوك الأخرى قد يكون جزئيا وفي النهاية بإمكان الكيان الإسرائيلي أن يلغي أي تحويلات بكل بساطة، وأخشى أن تقدم البنوك المحلية على تهريب أموالها إلى الخارج أو إلى بنوك وافدة".
ويعتقد د.سمارة، أن "سموترتيش" لو نفذ تهديده بوقف التعاملات المصرفية وتفعيل الضم عمليا وكأنه يقوم بتقويض السلطة، وبالتالي حتى الآن أمريكا والغرب ليسوا معنيين بتقويض السلطة وأستبعد أن يحصل هذا".
في حين يرى د. سمارة، أن مسألة أول 90 أو 100 يوم من بدء تسلم الحكومة لمهامها من إبداعات الغرب والتي تحدد لتبين بوادر نجاح السلطة أو الحكومة، ولكن هذا ينطبق في الدول المستقرة التي فيها اقتصاد واضح وإحصائيات واضحة وليست مضللة، وبالتالي فان مبدأ 90 يوما "لا ينطبق علينا لأننا لسنا دولة مستقلة وتحت حصار وفي ظل ارتكاب حرب إبادة في قطاع غزة والضفة الغربية التي لا يقل ما يجري فيها عما يحدث في غزة، فلا يمكن مقارنة الحالة الطارئة مع الحالات المتوازنة والمستقرة التي فيها إنتاج وغيره".
ويقول سمارة: "حتى لو فرضنا أننا في وضع ما قبل طوفان الأقصى، فهل لدينا مصادر إنتاج يمكن العمل عليها وتطويرها حتى لو لم تكن مفعلة بطاقتها الكاملة، فنحن نعيش على عدة أنواع من الريع المالي الآتي من الدول التي تدعم السلطة الفلسطينية منها ريع الأنظمة النفطية وريع المنظمات الأهلية وريع الدول النفطية في المؤسسات التي تعمل ضد القضية الفلسطينية.
ويقول سمارة: "مجرد تضارب هذه الريوع لا يمكن أن يعطينا فرصة لإقامة اقتصاد سهل، بالإمكان أن نبني عليه سياسة أو وحدة وبنية أو خطة اقتصادية واحدة، فكل جهة تتعاطى بحسب توجه الريع، لذلك ليس من السهل على رئيس الوزراء د. محمد مصطفى إلا أن يتعايش مع الأزمة، إضافة إلى الانطباع السائد لدى الكثير من دول العالم بما فيهم الممولين بوجود مظاهر الفساد لدى السلطة، فإن لم يوجد هناك قرار سياسي لن يكون هناك قرار اقتصادي".
أما عن مستقبل السلطة الفلسطينية في ظل الانهياز المالي أو اشتداد أزمتها المالية، قال د. سمارة: "إن قرار ذلك في يد نتنياهو الذي قراره في يد الدولة العميقة "الولايات المتحدة الأمريكية"، فنتنياهو الابن الشرعي للدولة العميقة الأمريكية، والتوقع الآخر إما أن يتم إعطاء السلطة كامل الحقوق أو أن تقوم بحل نفسها، وهذا ما لا يمكن للسلطة الإقدام عليه، وأنا لست مع حل السلطة بعد أن أصبحت لها بنية واعتاش الكثير من الناس منها".
وأضاف سمارة: الوضع الشاذ اقتصاديا، لا يكون له حل طبيعي أو عادي، الذي يسهل الحل هو توفر بنية إنتاجية ونظام ضريبي جيد ودفع الضريبة بشكل جيد ممكن أن يحسن من الوضع الاقتصادي من خلال تفعيل مواقع الإنتاج وعقلنة عملية الجباية الضريبية وهذه ليست موجودة.
وحول برنامج الحكومة التقشفي علق سمارة بقوله: "عادة البرنامج التقشفي يكون المقصود منه ضبط عملية فلتان أو فوضى الإنفاق من أجل أن يتم تحصيل كمية معينة من رأس المال لتوظف في مواقع الإنتاج الفعلية، فلو كانت سياسة الحكومة التقشفية نجحت لكنا لمسنا عملية التطور في مواقع الإنتاج، ولو كانت هناك خطة تقشف حقيقية لأقدمت الحكومة على الإعلان عن إنجازاتها في خطتها التقشفية، وإن لم تضبط الموازنة العامة كما يجب، يمكن أن ترفع شعار التقشف، والتقشف في حال عدم توفر مواقع إنتاج لتنشيطها يجب ضبط المصادر أو المواقع التي عمليا عندها فائض غير شرعي وتضع يدك عليه وتتحكم فيه".
وبتقدير سمارة، لا يوجد حل للأزمة المالية الاقتصادية التي تتعرض لها الحكومة طالما وجدت هذه الضغوطات وبنية إنتاجية ذاتية غير موجودة، وبالتالي الحل سيكون تدريجيا ومدته طويلة والمعاناة ستكون كبيرة ومن خلال الإمكانيات الحالية فإن الحل غير متوفر، لكن الحل الجزئي الممكن هو أن تستمر المصادر الممولة وتتعاطف معنا قدر الإمكان بالتنقيط في الحلق ولا يوجد أحد يمكنه تقديم حل حقيقي.
أما المستشار السابق في وزارة المالية د. نبهان عثمان، فإنه يقول: "إن الظروف الموجودة ستفشل حكومة د. محمد مصطفى، فهو نزل إلى حقل ألغام، والأوضاع التي تركتها الحكومات السابقة حتى الآن هي التي ستفشله إن لم يأخذ إجراءات تقشفية حقيقية، فهو لا يتحمل مسؤولية الأوضاع التي نعيشها، لكنه نزل على حقل ألغام، فإن لم يتخذ د. محمد مصطفى سياسات تقشفية حقيقية وليست شكلية وإجراءات صارمة سيفشل.
وطالب د. عثمان بمعالجة الأوضاع بجدية عبر تشكيل لجنة وطنية عليا أو مجلس تخطيط أعلى من شخصيات وفعاليات معروفة بالكفاءة والقدرة والإخلاص تعطى صلاحيات دراسة الأوضاع المالية والاقتصادية ووضع السياسات والإجراءات الملزمة لكل مؤسسات السلطة.