في العام 2009، تم نشر مقالة، عن “مزالق إثارة الإعجاب وطلب الاعتراف” نقد فيها الكاتب طريقة التعاطي والتفكير والمنهج المعتمد عربياً وفلسطينياً بالتعاطي مع المسألة الفلسطينية، قضية ونضال وحقوق، بالاعتماد على نقاط عدة أبرزها: “أن دوافع طلب الاعتراف وإثارة الإعجاب ورغبة الإنسان في أن يكون محبوبا على طبيعته، قد تتحول إلى مؤشر لعصاب خطير، وقد تعبِّر عن عقد نقص حادة إذا تجاوزت العادي و”الطبيعي” وأصبحت نزعة استحواذية مفرطة”.
نهج السياسة العربية
وهذا القول ينطبق على مآل نهج السياسة العربية ومبادرتها للسلام منذ العام 2002 في قمة بيروت، وإلى اليوم الذي صوت فيه الكنيست الصهيوني بعدم الاعتراف بدولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال، والخطوة الصهيونية في الكنيست، كان يجب أن تكون فلسطينية وعربية بالمقام الأول لسحب الاعتراف بإسرائيل لصحة ثبوت الوقائع والسياسات الصهيونية على الأرض القاضية من ابتلاع وهضم الأرض والحقوق الفلسطينية كتعبير عن الرفض الفعلي لكل مطالب الاعتراف العربي وتجويف الرغبة بالتطبيع مع المؤسسة الصهيونية، فتصويت الكنيست الإسرائيلي برفض قيام دولة فلسطينية على الأرض، ناجم بالدرجة الأولى لما أشار اليه الكاتب قبل عقدٍ ونصف، لشعور المؤسسة الصهيونية أن النظام الرسمي العربي “يحاول إثارة إعجاب صانع القرار الأمريكي أو الأوروبي فينتهي إلى جلب احتقاره له.
وهو يفعل ذلك بطرق تستثير فيه شعورا قويا بالسخرية: إما لأن طالبي الإعجاب يحاولون الظهور بمظهر الأرستقراطي الراقي الإنكليزي أو لأنهم يدعون الأصالة مظهرا”
وبهذا المنطق المنطبق على سياسات عربية من القضية الفلسطينية التي تجعل من الطرف الآخر “المؤسسة الصهيونية ” يسخر ويستعلي على كل مطالب الاعتراف بها والتطبيع معها لافتقاد منطقها من أدوات مواجهة العدوان والتصدي لسياسات السطو على الأرض، واتساع عمليات القتل والتهجير بما يجعل الاعتراف أو التطبيع مع المؤسسة الصهيونية إقراراً بالأمر الواقع الذي لا يمكن مواجهته والتصدي له وتغييره بمواقف الرفض والإدانة والشجب والتمني بالتراجع عنها.
تبني وسائل التصدي للسياسات الإسرائيلية، عربياً وفلسطينيا ودولياً، بمعزوفة الحرص على السلام في المنطقة، وعلى تكرار مقولة دعم “حل الدولتين” وأن خلق سياسات الأمر الواقع على الأرض لن تجلب سلاماً في المنطقة، لم تؤثر هذه الوسائل على تغيير واقع الشعب الفلسطيني، ولا بتغيير المزاج السياسي الصهيوني الخاضع لشروط أكثر عنصرية وفاشية من ذي قبل للأسباب نفسها التي يشعر من خلالها صانع القرار الصهيوني أن مشروع سيطرته الكاملة على الأرض بعمليات الضم والاستيطان والتهويد وخطط التهجير والعدوان الواسع لن تتأثر بالوسائل المتبعة معه طيلة عقود حقبة أوسلو مع الاعتراف المتبادل الذي انسحبت منه المؤسسة الصهيونية وركلت بقوتها الاستعمارية كل المعاهدات والقوانين الدولية باقتراف جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة وتطبيق نظام الفصل العنصري (الأبارتهيد) على بقية الأراضي المحتلة.
لولا الاطمئنان الذي تشعر به إسرائيل من جانب الإدارة الأمريكية ومن سياسات عربية وفلسطينية، والمدفوع بخطوات دعمٍ وإسناد فعلي لسياسات عدوانها وتبرير ذرائعه، لما وجد الفلسطينيون أنفسهم مدفوعين بجملة عوامل تفرض عليهم أولاً التصدي والمواجهة المستمرة لعدوهم وحيدين دون إسناد حقيقي، واستشعار الفلسطينيين بعدم جدية الاعتراف الإسرائيلي بحقوقهم التاريخية والأصيلة بأرضهم وتاريخهم، كان قبل تصويت الكنيست الأخير، فالعقود الأخيرة من حياتهم على أرضهم فرضت عليهم الكف عن اجترار الأوهام الصهيونية والممارسات العدوانية ضدهم تشكل الأساس الذي يحمل القلق المستمر من الولع الفلسطيني والعربي والغربي المستمر في مهام دس عسل السلام في سم العدوان الذي يبدد كل شيء.
ردود الفعل العربية
ردود الفعل الفلسطينية والعربية على قرار الكنيست بعدم الاعتراف بدولة فلسطينية، من الصعب القول إنها مواقف تصب في إسناد معركة الشعب الفلسطيني، لأن دقة القرار الصهيوني وتأثيره وتطوره على الأرض يقضي العمل على قتل مشروع الدولة الفلسطينية، ولأنه مقابل الانقلاب على كل حقبة أوسلو إسرائيلياً، ما زالت قيادة السلطة الفلسطينية عاجزة عن تقدير وضعها ووضع قضيتها أمام الاستحقاقات الكبرى التي تواجهها بعقلية تجاوزت الطبيعي والسليم بتعليق الآمال على ذات العقلية التي تقتل الفلسطيني وتستوطن أرضه وتهود تاريخه وتتعاطى باستعلائية ودونية معها، وبالاستناد لحسابات السياسة القاسية والمجردة ارتباطاً بمعرفة الواقع بعيداً عن الحسابات العاطفية على أهميتها ومن منظار مصلحة الشعب الفلسطيني المستقبلية ، هل سيكون للقيادة الفلسطينية وبقية القيادات العربية مطالبة برلماناتها بعدم الاعتراف ” بإسرائيل” وسحب المبادرة العربية من التداول، مع عدم مشروعية المقارنة بما أقدم عليه المشرع الصهيوني مع ما يجب أن يكون أصيلاً من مواقف وسياسات لا تعترف بالاحتلال وتتحالف معه، وتعترف بفلسطين على أرضها وحدودها التاريخية كما تدعم وتساند شعبها في معركة استعادتها، لكن جبروت القبضة الصهيونية مستمر باختبار أعناق أنظمة عربية وسلطة فلسطينية تقايض بين حقوق شعبها والاعتراف بوجودها.