للمرة الرابعة يقف مدلل الكونغرس بنيامين نتنياهو خطيباً في القاعة الرئيسية ومن على المنبر الأعلى.
ونظراً ليقين الـ "Congressman" بأن المدلل يعاني في إسرائيل من الفشل في حسم حربٍ جرّ أمريكا وراءه فيها معصوبة العينين، لمدة تسعة أشهر مفتوحة على الزمن، ويعاني كذلك من فقدانه صفة الملك واستبدالها بصفة أكثر واقعية هي الرجل الإشكالي الذي تطالب غالبية الجمهور بإقصائه وحتى محاكمته.
نتنياهو والحالة هذه بأمس الحاجة للحصول على تعويض من "الكنيست الأمريكي"، أكثر سخاءً من الكنيست الإسرائيلي، لهذا ضاعفت الأيباك جهدها لترتيب زيارة توحي بالقوة وتطور النفوذ، وضاعفت إنفاقها لشراء التصفيق وقوفاً لعلها تغطي على المقاعد الفارغة، التي خلت لأول مرة وربما تكون لآخر مرة يقف فيها المدلل على منصة الخطابة.
وُصفَ خطاب نتنياهو في إسرائيل على أنه كان فارغاً باهتاً، لم يقل شيئاً مما يفترض أن يُقال، وهذا الوصف تطابق مع ما قيل من قبل العديد من الساسة الأمريكيين وفي مقدمتهم السيناتور ساندرز الذي استبق الخطاب بمقاطعة مدوية، وبوصفٍ لنتنياهو على أنه مجرم حرب، لا يجوز الاستماع له.
وكذلك ما قالته السيدة بيلوسي، رئيسة الكونغرس السابقة، التي اعتبرت الخطاب الباهت إهداراً لمناسبة عظيمة كالوقوف أمام الكونغرس.
عضو الكونغرس رشيدة طليب رفعت يافطة صغيرة الحجم إلا أنها غطت على التصفيق المدفوع الأجر، وشاهدها العالم كله، يافطة من كلمتين "مجرم حرب".
كلمتان عظيمتا الدلالة والبلاغة والصدقية، والأهم من ذلك أنها غير مدفوعة الأجر، وصدقيتها في أنها مدفوعة الثمن، من أجساد أطفال فلسطين وآبائهم وأمهاتهم.
ما ظهر داخل الكونغرس من اختراق للتصفيق المدفوع الأجر بالمقاعد الفارغة، ظهر ما هو أكثر بلاغة منه خارج المبنى التاريخي، حيث ارتفعت أعلام فلسطين فوق أعلى الساريات في العاصمة واشنطن، وكانت قبل الحرب المنظمة التي شنت على الجامعات وعلى الشباب الأمريكي، قد غطت سماء المدن الأمريكية في مشهد يذكر بنهايات حرب فيتنام في القرن الماضي.
ارتفاع علم فلسطين فوق الساريات العاليات وفي سماء التظاهرات العفوية الحاشدة، له مدلولٌ واحدٌ وعميق، لا يقوى الأيباك وملايينه على حجبه أو تزويره، فهو... علم المستقبل.
الذين صفقوا وقوفاً للكلام الفارغ الذي كان يهذي به نتنياهو، صفقوا لإهانة بلدهم حين قال إنه هو من يحمي أمريكا وليس العكس.
وكذلك صفقوا ببلاهة مؤيدين اتهام نتنياهو لأفضل جامعاتهم وشبابهم ومؤسساتهم الإنسانية، على أنهم جميعاً مجرد طابور خامس مدفوع الأجر.
الذين صفقوا وقوفاً وأعينهم مثبتة على حقيبة رشاوى الأيباك، قبلوا اتهام نتنياهو لشرائح واسعة من الشعب الأمريكي على أنهم مجرد معادين للسامية، مع أن المصفقين يعرفون جيداً أن الذين تظاهروا ضد نتنياهو إنما تظاهروا لإفراطه في قتل أطفال غزة وآبائهم وأمهاتهم، ولا يهتمون بالسامية واللاسامية.
كان مشهد الكونغرس مخجلاً لصورة أمريكا، وإيقاع مؤسساتها وشعبها وما تبقى من تقاليدها الأخلاقية.
لقد صفق من يقدمون أنفسهم على أنهم الممثلون المنتخبون لجملة تكفي لإنزاله عن المنصة، لو كان لديهم بعضٌ من المنطق، حين قال.. أعطونا سلاحاً أكثر كي لا نتأخر في أداء مهام حرب الإبادة.
نتنياهو بعد جولة التسول على أركان الإدارة الحالية وأركان الإدارة المحتملة، سيذهب في إجازة شخصية يطفئ فيها شمعة عيد ميلاد عائلية، ذلك بعد أن أصدر أوامره لجيشه كي يطفئ حياة مئات الأطفال الجدد في غزة.
أخيرا... رغم الديكورات باهظة الكلفة التي وضعت لإظهار زيارة نتنياهو على أنها حقنة إنعاش فعّالة لحالته المعتلة إلا أن الذي حدث بالضبط أن النتيجة بدت عكسية تماماً.