الخميس  12 أيلول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الفلسطينيون يواجهون أيد خفية تعمل على تقويض استقلالهم من خلال أنظمة المساعدات الخارجية

2024-08-04 03:27:33 PM
الفلسطينيون يواجهون أيد خفية تعمل على تقويض استقلالهم من خلال أنظمة المساعدات الخارجية
أرشيفية

ترتبط جميعها بأجندات ومصالح سياسية دولية بدًلاً من تركيزها على احتياجاتهم الإنسانية

مطلوب هياكل حكم فلسطينية شفافة وخاضعة للمساءلة توحي بالثقة للشعب والشركاء الدوليين

استعادة الملكية.. طريق فلسطين إلى السيادة في إدارة توزيع المساعدات والحوكمة بفعالية

 

الحدث – إبراهيم أبو كامش

يواجه الفلسطينيون أيد خفية تعمل على تقويض استقلالهم الذاتي من خلال أنظمة المساعدات التي تسيطر عليها جهات خارجية، فهم لا يواجهون منذ عقود طويلة الاحتلال والحرب فحسب، وإنما كان الشعب الفلسطيني موضوعا لسردية كتبها آخرون. فالمساعدات الإنسانية، التي تهدف إلى التخفيف من معاناته، كثيًراً ما ُتُستخدم كأداة لتأثيرات واشتراطات سياسية خارجية بدًلاً من كونها أداة دعم حقيقية. وكثيرا ما تجاهلت المساعدات الخارجية، أصوات الفلسطينيين، وهمشت خبراتهم، وطغت على معرفتهم باحتياجاتهم الخاصة والحلول الممكنة لما يواجههم.

ويؤكد مراقبون وباحثون، فشل المساعدات في تحدي السياسات الإسرائيلية والدولية التي أدت إلى إدامة الظروف وجعلت المساعدات الإنسانية ضرورية لتأمين الاحتياجات الأساسية لحوالي 80 % من الفلسطينيين في قطاع غزة، وهذا يؤدي دون قصد إلى استمرار الوضع الراهن والحفاظ عليه. بأن الإدارة الدولية للمساعدات المقدمة إلى قطاع غزة كانت مقيدة بالقيود البيروقراطية واللوجستية والسياسية التي تربط جميع المساعدات بالأجندات والمصالح السياسية الدولية بدًلاً من التركيز على الاحتياجات الإنسانية أو السياسية أو التنموية الفعلية للفلسطينيين.   

عجز المجتمع الدولي عن حماية حقوق الفلسطينيين الإنسانية الأساسية

ويرى ممثلو المؤسسات والوكالات الإنسانية المحلية والدولية، بأن هذا هو الوقت المناسب لتستعيد فلسطين ملكيتها لتوزيع المساعدات وإدارتها وللتخلص من تبعيتها. واعتماد مبادئ باريس بشأن فعالية المعونة لتأطير وتوجيه عمليات إدارة المساعدات الوطنية والجهات المانحة في المستقبل، إلى جانب الدروس المستفادة من التجربة الغنية للتعاون الإنمائي الدولي مع فلسطين، بنجاحاته وإخفاقاته.

وأظهرت الكارثة الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية التي ما زالت ترتكب بحق الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول بحسب المتحدثين في لقاء الطاولة المستديرة الذي عقده معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس" بعنوان: حوكمة المساعدات المقدمة لفلسطين بعد الحرب على غزة، كيف أن الشعب الفلسطيني يدفع ثمنًاً باهظًاً لعجز المجتمع الدولي عن حماية حقوقه الإنسانية الأساسية، وكشفت التحيزات المنهجية التي تقوض شرعية المجتمع الدولي باعتباره الحامي لهذه الحقوق.

ويرى المتحدثون، أن هياكل الحكم الفلسطينية القائمة، بشكلها الحالي، ليست لديها القدرة التعبوية الوطنية الجماهيرية التي تمكنها من الوفاء بوعد دولة فلسطينية ذات سيادة محررة من الاحتلال الإسرائيلي والقيود الدولية التي تقيد تنميتها الاقتصادية. ولا يحملون المجتمع الدولي المسؤولية عن الانقسام الفلسطيني، فهو ينتظر التعامل مع محاور فلسطيني واحد. وفي حين تم تصميم السلطة الفلسطينية لتعمل كوسيلة مؤقتة وصولا للاستقلال، بينما تبدو المصالحة السياسية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس مستحيلة، وقليلون سيعارضون أن وجود حكم فلسطيني موحد في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة شرط ضروري لاستعادة ملكية الفلسطينيين للمساعدات.

وأجمع المراقبون والباحثون على ضرورة حشد الطاقات لإزالة وإنهاء العدوان والتوصل لحل سياسي، وضرورة التفكير بأهمية وضع الخطط اللازمة لإعادة الإعمار، وضرورة أن تكون هناك وحدة سياسية فلسطينية لتوحيد كافة الجهود الرامية بما يخدم قطاع غزة، مع ضرورة وجود دور فعال للفلسطينيين في تنسيق وإدارة عمليات الإغاثة الإنسانية، وضرورة تشكيل جسم دولي متعدد الأطراف كطرف ثالث للمساندة في عمليات الإغاثة.

استعادة ملكية المساعدات هي خطوة على طريق السيادة

وشددت الباحثة نورا الزقم - المدير المؤسس في "دارنا للبحوث"، على الدعوة لحق السيادة الفلسطينية، وحثت على ألا تكون المساعدات أداة لإدامة التبعية، بل وسيلة لتمكين الشعب من إعادة بناء أمته وفًقا لمصالحه واشتراطاته. وقالت: "بالنسبة لفلسطين، فإن استعادة ملكية المساعدات هي خطوة على طريق السيادة. فهي إعلان بأن مستقبل فلسطين لن يمليه عليها الآخرون، بل سترسمه تطلعاتها المشروعة. وهو تأكيد على أنه رغم سنوات النضال الطويلة، فإن روح الشعب الفلسطيني لا تنكسر وعزيمته لا تتزعزع".
 وطالبت الزقم، سكرتاريا تنسيق المساعدات المحلية (LACS) بالعمل على تعزيز فعالية أنشطتها من خلال دعم أساليب التخطيط المتكاملة التي تجمع بين الجهود الإنسانية والتنموية. "وينبغي عليها أن تعمل على إيجاد سبل لتحقيق اللامركزية في عمليات صنع القرار بحيث تعكس توزيع المعونات الحقائق على أرض الواقع وتكون أكثر استجابة للاحتياجات العاجلة. ويمكن لمجموعات العمل القطاعية تعظيم تأثيرها ودعم الملكية الفلسطينية من خلال تعزيز التعاون ما بين القطاعات لمواجهة التحديات المتشابكة وتعزيز اتساق مجالات التدخل المختلفة مع بعضها".

ودعت الباحثة الزقم، الفلسطينيين إلى الاضطلاع بدور المهندس، يخططون لتعافي بلادهم وتنميتها، "وهذا التحول ليس مجرد مطلب للإدماج، إنها دعوة لتحقيق العدالة وثبات وإصرار على المبادئ المعترف بها دوليا لتقديم المساعدات بشكل فعال ومسؤول، فالأمر يتعلق بإدراك أن أولئك الذين يتحملون المصاعب، يمكنهم فهمها ومعالجتها أفضل من غيرهم، كما يتعلق بضمان ألا تستخدم المساعدات وسيلة لفرض الأولويات الخارجية، بل كآلية تعمل على تمكين الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم إلى السلام والاستقرار والازدهار في الحقيقة".

الانتقال من عقلية السيطرة إلى الشراكة

تقول الزقم: "إن ملكية الفلسطينيين لإدارة المساعدات تعني قيادة الحوار حول الإدارة الفعالة لها، وأن أي مبادرات للمساعدات يجب أن يتم تصميمها وتنفيذها من قبل أولئك الذين يفهمون المشهد المحلي، والذين يمكنهم رؤية ما هو أبعد من الإغاثة الفورية إلى القدرة على الصمود على المدى الطويل، والذين لديهم التزام بتمكين مجتمعاتهم، ذلك يعني أن تصميم المساعدات وتنسيقها لا يتم في مكاتب وغرف اجتماعات بعيدة، بل يقودها من يعيشها في الميدان من الناحية العملية، فإن استعادة الملكية تنطوي على تطوير مؤسسات محلية قوية قادرة على إدارة وتوزيع المساعدات بفعالية. كما يتطلب ذلك هياكل حكم شفافة وخاضعة للمساءلة توحي بالثقة للشعب الفلسطيني والشركاء الدوليين. ويجب على المجتمع الدولي أن يدعم هذا التحول اعترافا منه بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وأن ينتقل من عقلية السيطرة إلى عقلية الشراكة، ومن توجيه جهود المساعدات إلى تيسيرها. ويتطلب هذا التحول القبول والالتزام بالحفاظ على كرامة الشعب الفلسطيني ومصالحه.

وتمهيدا للانتقال إلى نظام لإدارة المساعدات يملكه ويديره الفلسطينيون، شددت الزقم على وجوب استعداد مجتمع المانحين لجعل الفلسطينيين واحتياجاتهم محور عملية تقديم المساعدات على امتدادها. وقالت "إن الجهات المانحة التي تتشبث بأفكار عفا عليها الزمن وتستمر في تقديم المساعدات كأن ”العمل كالمعتاد“ تحد من قدرة المساعدات على تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للفلسطينيين. كما يفترض بالمجتمع الدولي أن يكون على استعداد للاعتراف بالتحديات الهيكلية التي تواجه المساعدات والتنمية الفلسطينية والتصدي لها. وأن يتم اتخاذ تدابير المساءلة للاستفادة من القانون الإنساني الدولي والأعراف الدولية عندما تمنع إسرائيل مرور المساعدات أو تدمر البنية التحتية المدنية. ويجب تشكيل لجنة منفصلة تختص بتوثيق تكلفة الاحتلال، تمهيدا للمطالبة بتعويضات مدروسة في المستقبل".

كما قالت: "يتوجب على المجتمع الدولي أيضًاً أن يكون مستعدا لدعم المنتديات والمنظمات القائمة والعمل معها بما يتجاوز المساهمة الشكلية. ويمكن للجنة الاتصال المخصصة  AHLC، بل ويتوجب عليها، أن تتخذ خطوات حاسمة لضمان مشاركة أكبر للمجتمع المدني الفلسطيني والسلطات المحلية في اجتماعاتها، ومواءمة استراتيجيات المساعدات مع الاحتياجات والأولويات المحلية. ويجب أن تركز اللجنة على تقديم الدعم للجهات المستهدفة لتعزيز المؤسسات الفلسطينية حتى تتمكن من إدارة وتنفيذ مشاريع المساعدات بشكل مستقل".

حجم مهول للأزمة الإنسانية وعمقها ونطاقها

وترى الزقم، أن الحجم المهول للأزمة الإنسانية وعمقها ونطاقها، والواقع المأساوي الناشئ حديثا في قطاع غزة، لم يثقل كاهل السكان هناك فحسب، بل أدى أيضا إلى تدفق تدخلات جديدة ومساعدات من قبل مجموعة من البلدان في المنطقة والعالم عبر معبر رفح حتى شهر أيار 2024، وبشكل متقطع عبر المعابر الإسرائيلية إلى القطاع. كانت هذه العمليات سيئة التنسيق وكثيًراً ما تتعثر بسبب الديناميات اللوجستية. في حين تم احتجاز وإتلاف كميات كبيرة من المساعدات منذ إغلاق معبر رفح (مع وجود قرابة 2000 شاحنة في أيار 2024 محملة بالبضائع على الجانب المصري من المعبر)، فإن تركيبة المساعدات التي تصل فعليًا إلى قطاع غزة تعكس إدارة غير مترابطة وعشوائية للمساعدات، فهي لا تلبي بالضرورة الاحتياجات الأساسية الفورية أو متطلبات الأمن الغذائي. إذ لا يمكن أن تكون ألواح البروتين بديًلًا عن التغذية البشرية المتوازنة.

قطاع غزة مكان غير صالح للحياة

في أعقاب هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر2023، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة تعد الأكثر دموية في تاريخ الأراضي الفلسطينية منذ العام 1948، والتي لم تحقق أهدافها العسكرية المعلنة برغم مرور أكثر من تسعة أشهر على بدء القتال في جميع أنحاء القطاع.

وبناء عليه ترى إيناس عبد الرازق - المديرة التنفيذية للهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامة، أن حرب الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي جعلت قطاع غزة مكانا غير صالح للحياة، من خلال الاستهداف العشوائي للمدنيين الفلسطينيين بما في ذلك النساء والأطفال والصحفيين والأطباء والممرضات ومقدمي المساعدات الإنسانية، والتدمير الشامل للبنية التحتية المادية والاقتصادية والإنسانية الحيوية في قطاع غزة.

وبسبب هذا العدوان العسكري المستمر، حلت الأولويات الملحة المتمثلة في حماية ومساعدة سكان قطاع غزة محل أولويات كانت سائدة على مدى سنوات عديدة، وخلقت مجموعة جديدة كاملة من المهام الإنسانية التي ستكون هناك حاجة إليها طالما استمرت الحرب وبعد توقفها لفترة طويلة. في الوقت نفسه، فرضت الضغوط السياسية ضرورة إعادة تنظيم الأدوار بين مختلف الوكالات (سواء داخل منظومة الأمم المتحدة أو بينها وبين الجهات الفاعلة غير الحكومية القائمة أو الجديدة).

أزمة إنسانية متعددة الأبعاد

تقول عبد الرازق: "نشأت عن هذه الحرب أزمة إنسانية متعددة الأبعاد لم تعرف فلسطين مثلها من قبل، والتي تعمل أطر تنسيق العمل الإنساني المتواجدة في البلاد تحت ضغوط شديدة لمعالجتها بشكل متسق ومتناغم أو بما يتماشى مع المبادئ المعتمدة لتقديم المساعدات بفاعلية. فقد ولدت أساليب العمل في الأزمات المطولة مجموعة من التحديات التنسيقية والسياساتية والقانونية والأخلاقية للهيئات الدولية ومقدمي المساعدات من المنظمات غير الحكومية، الذين يحاولون الاستجابة للضرورات الإنسانية مع تجنب التلاعب السياسي أو التواطؤ مع أي إجراءات تتجاهل القانون الدولي (مثل التهجير والترحيل القسري للتجمعات السكانية)".

وتتابع عبد الرازق: "منذ المراحل الأولى للحرب، أدركت هيئات العمل الإنساني الخطوط الحمراء التي تحكم عملياتها، كون ذلك يشكل جزءاً من التخطيط لحالات الطوارئ في خطط الاستجابة الإنسانية. كما أعربت بعض المنظمات غير الحكومية عن قلقها بشأن خطر أن ُيُنظر إلى دورها في تقديم المساعدات في ظل هذه الظروف على أنه تواطؤ مع جرائم الحرب".

ومع ذلك، تضيف عبد الرازق: "فقد أكدت هذه الوكالات باستمرار على ضرورة دعم العمل الإنساني القائم على المبادئ للتغلب على هذه التحديات المعقدة في الواقع، فإن سجلها الحافل في مجال الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وتنسيق المواقف، ورسائل المناصرة قد ساعد في الحفاظ على تركيز الهيئات الدولية على أولويات مماثلة".

التضحية بالاحتياجات الإنسانية لصالح المصالح والتحالفات السياسية الدولية

وتنتقد عبد الرازق استجابة المجتمع الدولي للأزمة الإنسانية في قطاع غزة، "والتي تجسد حتى الآن مثالا حيا لكيف يتم التضحية بالاحتياجات الإنسانية لصالح المصالح والتحالفات السياسية الدولية". مؤكدة إن المؤسسة السياسية العالمية غير قادرة وغير راغبة في التوصل إلى حل سياسي أو إجبار "إسرائيل" على الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، "وقد واصلت في الواقع دعم أفعال "إسرائيل" من خلال الدعم العسكري المباشر والاستمرار باتفاقيات التجارة والتعاون المبرمة سابقا. في الوقت نفسه، يتعين على مجتمع المانحين الدولي الاستمرار بدعم مجموعة من الأنشطة الإنسانية وأن ينفق أموال المساعدات المخصصة لقطاع غزة، وهو ما لا يمكن إنجازه إلا بالتنسيق مع "إسرائيل".

تقول عبد الرازق: "هناك إبادة لشعبنا في غزة وعلينا أن نفكر في الحلول بما يتناسب مع الواقع الذي تنتشر فيه المجاعة بشكل كبير بحسب إقرار الأمم المتحدة ذلك أن "إسرائيل" مصممة على الإبادة الجماعية وانتشار المجاعة في كافة أنحاء قطاع غزة، وفي ظل استمرار "إسرائيل" ومن يحالفها عدوانهم الوحشي على شعبنا، فإن ذلك يخلق تحديات جمة ما يستوجب بناء نظام يتعلق بحوكمة المساعدات.

وشددت عبد الرازق على أهمية وجود قانون يتعلق بالإبادة الجماعية والتجويع خلال الحرب، معتقدة  أن المسؤولية هائلة تقع على دور الجهات الدولية ووضع الآليات لتغيير هذا الوضع "وإلا سنواجه الكوارث المتعلقة بالهيئات الدولية وبدون ذلك لن يتم تغيير شيء".

النظام الإنساني في الأمم المتحدة تحت اختبار الإبادة في غزة 

وبينت عبد الرازق، أن أنظمة الأمم المتحدة فشلت بالنسبة للفلسطينيين، فالأمم المتحدة لديها المسؤولية ويجب أن تنظر في مهمتها دون إبطاء. وتعتقد وجود غضب فلسطيني الآن على مؤسسات الأمم المتحدة، كما تعتقد أن النظام الإنساني في الأمم المتحدة تضعه الإبادة الجماعية في غزة تحت الاختبار إذا ما كان قادرا على البقاء كما هو أو أن يتم تغييره أو تحويله بشكل كامل، لذا يتوجب على الأمم المتحدة والمؤسسات والوكالات المختلفة الموجودة أن تتعامل بجدية وأن لا يتركوا الناس في غزة يعانون من المجاعة فعليهم العمل وإيجاد الحلول.

 أما فيما يتعلق بالمؤسسات الفلسطينية، لن تكون هناك مؤسسات فلسطينية ما لم ينتهي الاحتلال، ويجب على المنظمات غير الحكومية في غزة والضفة أن تقوم بمساندة السلطة الفلسطينية والعمل فيما يصب بمصلحة الشعب في غزة، ويجب أن تكون هناك آلية حوكمة تشمل كافة الجهات.

رفض إملاءات المانحين وقيادة إدارة المساعدات محليا

يقول عمر غريب - مسؤول السياسات والحملات في منظمة "أوكسفام": "يجب أن نتعلم من الفشل الذي حصل في العام 2014 في إدارة المساعدات، ويجب أن نكون جاهزين في وضع الخطط، وأن لا نسمح بفرض الإملاءات من المانحين وأن نكون في قيادة هذه المحادثات وجعل هذه العملية محلية وأن ندعم بهذا الاتجاه، ويجب أن تكون هناك حيادية سياسية بحيث لا تكون هناك أي أجندات سياسية فالحاجة كبيرة جداً، وللفلسطينيين حقوق إنسانية يجب على المنظمات أن تؤكد عليها"، داعيا إلى ضرورة التواصل مع الشركاء المحليين وبناء حملات المناصرة.

وقال: "بسبب عدم توفر مقومات الحياة والتحديات التي فرضها العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها وانعدام الخدمات مما أدى إلى تبعثر عمل المجموعات غير الحكومية وساهم في انتشار المجاعة وفي الواقع الناس يموتون، الأمر الذي يتطلب الكثير من الجهود والنقاشات والتعلم من أخطائنا".

التزام دولي بالأجندات السياسية التي صاغتها حكومة "إسرائيل" وحلفاؤها

وأشار غريب إلى أن الدعم المقدم لقطاع غزة من معظم الجهات المانحة يخضع لعملية مطولة للغاية من التدقيق والتمحيص والتقليص، تتمخض عنها عادة سلسلة من المشاريع التي سبق وتمت الموافقة عليها والتي قد تعكس أو لا تعكس الاحتياجات الحالية بدقة، والأهم من ذلك، أن هذه السياسة تسلط الضوء على الالتزام الدولي بصورة موسعة بالأجندات السياسية التي صاغتها حكومة "إسرائيل" وحلفاؤها على حساب توفير المساعدات لسكان قطاع غزة بما يستجيب لاحتياجاتهم.

وفي جميع الأحوال، يقول غريب: "فإن جميع المساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة تخضع للسيطرة الإسرائيلية، إذ تتحكم وحدة/مكتب تنسيق أنشطة الحكومة في المناطق COGAT وجيش الاحتلال بأنواع وكميات المساعدات التي تدخل قطاع غزة وحركة العاملين في القطاع الإنساني في غزة، كما ُتُخضع الوحدة جميع المساعدات لعملية فحص تجبرية مكلفة تستهلك الوقت، تتطلب تفريغ وفحص وإعادة تعبئة شحنات المساعدات، مما يؤدي إلى إهدار المواد الغذائية، وتأخير نقل الإمدادات الطبية الحيوية، والرفض الصريح للمساعدات لأسباب جائرة في كثير من الأحيان".

واوضح بأن الوحدة تعتمد قائمة بالمواد المحظور استيرادها وإدخالها إلى القطاع، تمنع دخول أي مواد ثنائية الاستخدام أو قد تستخدم لأغراض عسكرية، وهي سياسة وصفها العاملون في القطاع الإنساني بالاستبدادية والمليئة بالتناقضات في كثير من الأحيان.

وقال: "أدى كل هذا إلى رفض إدخال شحنات كاملة من المساعدات الإنسانية لأسباب سخيفة للغاية. ففي أحيان يتم رفض إدخال الشحنات لاحتوائها على أكياس نوم لونها أخضر لاعتباره لونًاً عسكريًا،ً أو ألعابًاً يتم تعبئتها في علب خشبية بدًلاً من الورقية، أو تمرًاً لاحتوائه على نوى، أو أقلام أنسولين دون سبب محدد".

فظائع ترتكب ووحشية غير مسبوقة نشاهدها

 في حين شدد د. ليكس تاكنبرج - المستشار الأول للقضية الفلسطينية في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، على أهمية الأمر، "وضرورة المشاركة من قبل الجميع، فهناك فظائع يتم ارتكابها ووحشية غير مسبوقة نشاهدها، وهناك ضرورة للضغط باتجاه إدخال المساعدات، خاصة أن أكثر من ثلثي الفلسطينيين في غزة هم أصلا من النازحين، وإطار "أوسلو" لم يعد ملائما في هذه الحرب التي وصلت إلى الإبادة الجماعية وفظائع يتم ارتكابها".

 وأضاف: "هناك هجوم غير مسبوق ومستمر على وكالة "الأونروا" التي تقدم العديد من الخدمات، مبينا أن هناك فلسطينيين من قطاع غزة لديهم خبرة طويلة خاصة في مجال البنية التحتية، وأن هناك مسائل على الأمم المتحدة أن تشارك بها للتخطيط لليوم التالي للحرب خاصة فيما يتعلق بجهود الإغاثة".

 وقال: "نعمل مع "الأونروا" ومجموعات أخرى فلسطينية ودولية في البنية التحتية وهذا يشجع الفلسطينيين على القيادة من خلال خبرتهم المحلية، في الوقت الذي تتعرض فيه مقار الأمم المتحدة ووكالاتها ومكاتب الأونروا وموظفوها ممن يقدمون أنظمة الخدمات الصحية والتعليمية والمجتمعية والمالية لهجمات إسرائيلية غير مسبوقة، إضافة إلى هجوم "إسرائيل" بشكل دراماتيكي على الأمم المتحدة وأدى إلى المزيد من الدمار وأثر كثيرا على التنسيق والمساعدات".

إدارة جهود الإغاثة في مرمى النيران

ويقول د. تاكنبرج: "في حين أن كل هذه الصعوبات تواجه إدارة جهود الإغاثة في مرمى النيران، إلا أن الاحتياجات الإنسانية في اليوم التالي لوقف إطلاق النار لن تكون أقل جسامة. بالإضافة إلى إعادة إعمار وتأهيل البنية التحتية الحيوية، وإزالة الأنقاض والتخلص من الذخائر المتفجرة، وسيحتاج قطاع غزة إلى دعم واسع النطاق في القطاعات الإغاثية كافة. حيث سيحتاج جميع سكان القطاع إلى المعونات الغذائية، وخاصة، لمعالجة المستويات المرتفعة من سوء التغذية لدى الأطفال، والوصول الفوري إلى المياه النظيفة، وأنظمة الصرف الصحي الأساسية لحين إعادة تأهيل البنية التحتية. وسوف يحتاج نحو 1.7 مليون (والعدد في تزايد) من النازحين من سكان غزة الذين فقدوا منازلهم إلى خيارات لمسكن مؤقت توفر الحماية في فصول الصيف الحارة والشتاء البارد".

وأضاف: "قامت الأمم المتحدة منذ بداية الحرب بجمع وصرف مساعدات لغزة بما يقارب 2.5 مليار دولار، وتناشد المانحين بمبلغ إضافي مماثل لإبقاء التدفقات بالحد الأدنى. وقد تم تخصيص هذا التمويل لتغطية الاحتياجات الماسة، بما في ذلك حوالي 930 مليون دولار للغذاء والتغذية، و400 مليون دولار للصحة والدواء، و700 مليون دولار للمأوى والصرف الصحي حتى نهاية العام".

وتابع: كما سيحتاج عشرات الآلاف من الجرحى من الرجال والنساء والأطفال إلى مرافق طبية ميدانية ومقدمي رعاية طبية متخصصين. من المحتمل للغاية أن يحتاج أولئك الذين أصيبوا بإصابات خطيرة تركتهم معاقين مدى الحياة لدعم لمدى الحياة. وسوف تتطلب معالجة الصدمات الجامعية وضع برامج متخصصة لتمكين الأشخاص من البدء في رحلة التعافي. ولا يمكن أن تبدأ عملية إعادة الإعمار بشكل صحيح إلا عند استيفاء هذه الأساسيات الإنسانية الرئيسية، وهي مهام سيستغرق إنجازها عدة أشهر على الأقل بعد وقف الحرب.

أاشار د.تاكنبرج، إلى أنه ستكون هناك حاجة إلى حلول مؤقتة لتعليم 625 ألف طفل/ة في سن الدراسة في القطاع الذين فقدوا تقريبا جميع المرافق المدرسية، ومن المتوقع أن يظلوا خارج المدرسة لمدة عام آخر على الأقل، بالإضافة إلى العام الدراسي 2023-2024. بطريقة ما، ستحتاج جامعات قطاع غزة إلى حلول مبتكرة حتى يتمكن أكثر من 90 ألف طالب/ة من العودة للاندماج في مسارات التعليم العالي وعدم خسارة استثماراتهم السابقة في مستقبلهم بالكامل. وأخيرا، سوف تكون هناك حاجة إلى برامج مثل النقد مقابل العمل، والدخل الأساسي الشامل وغير ذلك من أشكال الدعم المالي لحماية السكان من الفقر المدقع، وتمكين الأسر والمجتمعات من استيعاب الصدمات والتمهيد للتعافي. كل هذا يسبق التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار الذي لا يمكن أن يأتي إلا بعد الإغاثة.

الإبادة مستمرة والمساعدات لا تعوض الخسائر البشرية

وتتفق د. سماح أبو عون - وزيرة التنمية الاجتماعية، مع الآخرين حول انعدام صلاحية الحياة البشرية في قطاع غزة "هذا العدوان أوصل قطاع غزة إلى مرحلة لا تصلح بها الحياة البشرية، في حين أن ما يصله من مساعدات هو القليل، ولكن نعمل على زيادتها ونحرص على توزيعها بعدالة، وهذا يتطلب ضغطا عالميا لزيادة حجم المساعدات، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه الحوكمة بالأساس فلسطينية (قطاع خاص، منظمات مجتمع مدني، حكومة)، مع ضرورة التأكيد على أهمية المجتمع المدني العامل في قطاع غزة بهدف الوصول إلى العدالة، مع الأخذ بالاعتبار أنه مهما زادت المساعدات وتنوعت فإنها لا يمكن أن تعوض الخسائر البشرية بضمنها الإعاقات المستدامة، وبما أننا نتحدث عن حوكمة المساعدات علينا أن ندرك أنه لو كل مساعدات الدنيا وصلت غزة فإنها لن تعوض أي طفل عن خسارة أمه أو والده أو عائلته الممتدة أو خسارة يده أو رجله وأصبح من الأشخاص ذوي الإعاقة".

تقول أبو عون: "وزارة التنمية الاجتماعية هي المسؤولة عن الحماية الاجتماعية وهي التي تقدم خدمات للفئات المهمشة من أسر فقيرة ونساء معنفات، الأيتام، الأشخاص ذوي الإعاقة، المسنين وكافة الفئات غير القادرة على حماية نفسها في الوضع الطبيعي فكيف هو الحال في الحرب". لافتة إلى أن دور الوزارة يتركز في تقديم الخدمات الاجتماعية وليس له علاقة بأي بعد سياسي، فهو عمل إنساني بحت له علاقة بمسؤولياتها أمام هذه الفئات المهمشة والتي تعد نسبة مرتفعة من المجتمع".

تسجيل 300 ألف أسرة مهمشة في قطاع غزة

وتطرقت أبو عون إلى أهم ما تقدمه الوزارة من التحويلات النقدية وغير النقدية وقالت: "بالنسبة للتحويلات النقدية في قطاع غزة عندنا ما قبل الحرب حوالي 80 ألف عائلة تستفيد منها عن طريق نظام السجل الاجتماعي الوطني ونستخدم نفس النظام في الحرب لتسجيل العائلات في القطاع، بالاعتماد على رقم بطاقة الهوية الشخصية، واستطعنا تسجيل 300 ألف أسرة مهمشة في قطاع غزة كانت متوسطة الحال وأصبحت مهمشة، ومن بينها تم تسجيل 120 ألف أسرة جديدة في نظام السجل الاجتماعي الوطني غير تلك الأسر الموجودة بالأصل وعددها 80 ألف أسرة".

وأكدت الوزيرة أبو عون وجود هوة كبيرة بين تقديم الخدمات وحجم الاحتياجات فما يصل غزة هو قطرة صغيرة في محيط ونحاول ونعمل على أن يستفيد الجميع من هذه القطرة بعدالة وهذا شيء صعب جدا تحقيقه بالأوضاع الطبيعية فما بالكم بوضع الحرب. وحتى نستطيع تحقيق العدالة فنحن بحاجة إلى زيادة المساعدات فغزة بحاجة إلى إدخال مئات أضعاف ما يدخل اليوم ويجب أن يكون بتظافر جميع الجهود المحلية والدولية".

وتضيف أبو عون: "نسعى إلى تنسيق المساعدات فنحن أمام واقع له علاقة باحتياجات الناس غذائية وغير غذائية واحتياجات المسكن، وما يحدث في غزة أنه يدخل طحين كثير في مناطق معينة ولا يدخل في مناطق أخرى، وتدخل معلبات في مناطق ولا تدخل في أخرى وهذا له علاقة بندرة المساعدات، وبالتالي كل ذلك له علاقة بالحوكمة التي يجب أن تكون نتيجتها العدالة في التوزيع" .

 كيفية دعم ملكية الفلسطينيين وإدارتهم للمساعدات في قطاع غزة

أما رجا الخالدي- مدير عام معهد (ماس) فقال: "نحاول البحث في الكيفية التي يمكن للمانحين الدوليين دعم ملكية الفلسطينيين وإدارتهم للمساعدات في قطاع غزة بشكل أفضل، وكيف يمكن للمجتمع الدولي الاستعانة بالقانون الدولي الإنساني للتصدي للعقبات التي تفرضها "إسرائيل" على إيصال المساعدات والتدابير التي يمكن اعتمادها لتعزيز قدرة المؤسسات الفلسطينية على إدارة المساعدات بشكل أكثر فعالية في قطاع غزة منوها إلى أنه لا يمكن التغلب على موضوع كبير كهذا بحلول فنية".

  إعادة تنظيم المساعدات لمواجهة التحديات الطارئة

وحول حوكمة المساعدات المقدمة لفلسطين بعد الحرب على غزة: قال الخالدي تم التركيز على تعطل المساعدات الإنسانية في ظل الحرب وإعادة تنظيمها، على الرغم من تفاقم الوضع الإنساني في غزة بشكل كبير بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 والعدوان العسكري الإسرائيلي الذي تلى ذلك، مما أدى إلى ضرورة إعادة تنظيم المساعدات الإنسانية لمواجهة التحديات الطارئة.

وحول التحديات الإنسانية الجديدة في قطاع غزة؛ فإنها تتمثل بحسب الخالدي بالحصار الكامل الذي فرضته "إسرائيل" على غزة بعد الأحداث الأخيرة وتسبب في انقطاع الكهرباء والغذاء والوقود، مما يستدعي توفير حلول عاجلة لتقديم المساعدات. وإعادة تنظيم أصحاب العلاقة والرأي العام العالمي، كما أدت الأحداث الأخيرة إلى تغييرات كبيرة في أدوار ومسؤوليات الوكالات الإنسانية، مما يتطلب إعادة تقييم الأدوار بين الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية لضمان فعالية تقديم المساعدات، مشددا على أن هناك حاجة ملحة لاستعادة فلسطين لسيادتها في إدارة وتوزيع المساعدات، مما يتطلب تعزيز التنسيق بين الجهات الفلسطينية والدولية لتحقيق أهداف التنمية والسيادة .