الحدث الاقتصادي
أثار توقيع الأردن وتحالف شركات سنغافورية اتفاقية لإنشاء محطة برية للغاز المسال بميناء العقبة جنوب البلاد، جملة من التساؤلات لدى الاقتصاديين والسياسيين على حد سواء؛ خاصة في مسألة التوقيت.
بعض المراقبين يرون أن الأردن يهدف إلى تأمين نفسه بمجال الطاقة وتنويع خيارات التزوّد من جهة، وأنه يسعي لتجنب أي ضغوط قد تفرضها إسرائيل التي ترتبط مع عمان باتفاقية غاز، جراء مواقف الأخيرة من الحرب على غزة، من جهة أخرى.
في العام 2016 وقعت شركة الكهرباء الأردنية (حكومية) وشركة نوبل إنيرجي (المشغلة لحقل ليفاثيان للغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل)، اتفاقية تنص على تزويد المملكة بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز، على مدار 15 عاما، اعتبار من يناير/كانون الثاني 2020.
وحسب شركة الكهرباء الأردنية، حينها، فإن الاتفاقية توفر حوالي 300 مليون دولار بشرائها الغاز الإسرائيلي مقارنة بشرائه من الأسواق العالمية.
وفي 21 أغسطس/ آب الجاري أعلن تحالف يضم شركة أتلانتيك جلف آند باسيفيك (إيه.جي آند بي) السنغافورية فوزها بعقد لإنشاء محطة برية للغاز الطبيعي المسال في الأردن، بقدرة تغويز 720 مليون قدم مكعب قياسي يوميا.
وذكرت الشركة أنه سيتم الانتهاء من المحطة وتشغيلها وتسليمها في غضون 22 شهرا على أن يبدأ التشغيل بحلول الربع الثاني من 2026.
حسين الصفدي، الرئيس التنفيذي لشركة تطوير العقبة (حكومية)، قال في حديثه للأناضول "إن إنشاء وحدة تغويز شاطئية، إضافة إلى أعمال التطوير على ميناء الغاز الطبيعي الحالي، مشروع استراتيجي يمثل نقلة نوعية في منظومة الموانئ بالعقبة وتطويرها وتحديثها وفق أعلى المعايير العالمية الناظمة لهذا القطاع".
وأوضح أن "كلفة المشروع تبلغ 125 مليون دولار، وتم تمويل جزء منه من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية (لم يحددها)، ومدة تنفيذه هي 22 شهرا".
كما بين أن "مشروع تطوير ميناء الشيخ صباح للغاز الطبيعي يهدف إلى الإبقاء على خيار استيراد الغاز الطبيعي المسال، والمستخدم لأغراض توليد الطاقة الكهربائية وتزويد الصناعات كخيار استراتيجي في حالات انقطاع أي من مصادر التزويد الحالية مع تحقيق وفر مالي على تكاليف إنتاج الطاقة الكهربائية".
وفي العام 2015، قامت شركة تطوير العقبة بإنشاء ميناء الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح للغاز الطبيعي المسال.
وتضمن الميناء كافة التسهيلات اللازمة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، إضافة إلى استئجار وحدة تخزين وتغويز عائمة؛ لتخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى الحالة الغازية لمواجهة انقطاعه خلال تلك الفترة، إضافة لضمان وجود خيار بديل لمواجهة أي حالات انقطاع أو عدم كفاية تزويد.
الخبير الأردني بمجال الطاقة مبارك الطهراوي، قال للأناضول: "أعتقد أن المشروع تأخر، وهو مشروع هام جداً للأردن بالنسبة لأمن التزود بالطاقة، وأنا ممن طالبوا به منذ فترة طويلة قبل توقيع اتفاقية الغاز مع إسرائيل (2016)".
وتابع: "أمن التزود بالطاقة يعني بأن يكون لك إمكانية شراء الغاز من السوق العالمية؛ لأنه بالعادة اتفاقيات تزويد الغاز بشكله الغازي تكون لسنوات طويلة، وبعقود أحيانا لا تكون لصالح أحد الطرفين".
واستدرك: "عندما يكون لديك محطة غاز مسال، سيكون لك القدرة على الشراء من السوق المفتوح، ويكون لك مجال للحركة، ونحن بالعقبة ممر طبيعي لكل بواخر الغاز العالمية، ولدينا الإمكانية للتزود من كل مكان".
"الغرابة أننا ملتزمون تعاقديا مع إسرائيل بالتزود بـ250 إلى 300 مليون قدم مكعبة يوميا، وندفع ثمنها.. حصلنا عليها وإن لم نحصل".
وأشار: "حقل الريشة (شمال شرق) وصلنا إلى حدود 60 مليون قدم مكعب يوميا وسنصل إلى أكثر من 100 مليون قريبا جداً، بعد بدء عمل الشركة الكويتية في الحقل جنبا إلى جنب مع شركة البترول الوطنية".
وتساءل الطهراوي: "لماذا الآن هذه المحطة في ظل عدم الزيادة في الطلب على الغاز.. إلا إذا كان هناك تخوف من انقطاع غاز إسرائيل".
ولم يستبعد الطهراوي أنه "قد يكون قد تم تهديد الأردن من إسرائيل بقطع الغاز، علما بأن ضغوط كبيرة مورست على المملكة".
وأردف: "حاليا نحن نعتمد على الغاز بشكل كامل من الاتفاقية مع إسرائيل، وإنتاجنا محليا لا نستغل منه أكثر من ثلثه، ومعظم الآبار المنتجة مغلقة لعدم وجود آلية لاستخدامه".
وأفاد بأن "المحطة المزمع إنشاؤها هي عبارة عن خزانات يخزن داخلها الغاز بشكل سائل، ثم يتم تحويله من الحالة السائلة إلى الغازية".
أما عن مصادر تزويد تلك المحطة، قال الطهراوي: "تستطيع الحصول على الغاز من الجزائر أو من قطر".
وأكد على أنه "لن يكون الأردن بعد إنشاء هذه المحطة وإتمامها منحصرا في مصدر محدد لطاقة، وإنما يستطيع الذهاب لأكثر من مصدر، فلا يستطيع أحد بعد ذلك أن يتحكم بواردات الغاز الطبيعي".
عيسى الشلبي، رئيس الإعلام والدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال (حكومية)، اعتبر في حديثه للأناضول، من وجهة نظر سياسية، أن "لهجة التصعيد الرسمية غير المسبوقة بالأردن تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تشير إلى أن كل الخيارات متاحة للتعامل مع تداعياتها".
وأردف أن "التلويح بإمكانية إلغاء اتفاقية وادي عربة للسلام بين البلدين (1994)، قد يضع الأردن في وضع حرج يمكن أن يدفع إسرائيل للرد بوقف ضخ الغاز، فضلاً عن وقف تزويده بكميات إضافية من المياه سنوياً".
واستدرك: "من هنا، فإن الإعلان عن إنشاء محطة غاز بري في موانئ العقبة من شأنه التخفيف من الضغوط الإسرائيلية على الأردن، وأنه يستطيع تأمين البدائل في حال انقطاع الغاز الإسرائيلي عنه".
واعتبر الأكاديمي أن الأردن "تدفع دائمًا ثمنا باهظًا نتيجة مواقفها السياسية ضد العدوان الإسرائيلي على فلسطين، لا سيما في قطاع غزة، وضد الانحياز الأمريكي والدولي المستمر والدائم للكيان، والذي يتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية".