الأحد  15 أيلول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

راقصون على إيقاع غزة| بقلم: نبيل عمرو

2024-09-01 09:58:35 AM
راقصون على إيقاع غزة| بقلم: نبيل عمرو
نبيل عمرو

منذ أكتوبر 2023، انطلقت وإلى أجلٍ غير مسمى واحدة من أكبر وأطول الحروب العربية الإسرائيلية، من حيث تأثيرها الإقليمي والكوني، وخسائرها الفادحة في مركزها وعلى أطرافها.

هي حربٌ بين أحد أقوى الجيوش في العالم وأحدثها تسليحاً، وأمتنها تحالفاً مع أمريكا وحلف الناتو، وبين حركة حماس، ومن معها من المقاتلين المقاومين في غزة.

بالمقاييس العسكرية هي حربٌ تخوضها غزة المقاتلون والناس باللحم الحي، دون مددٍ يذكر، إلا من بعض طعامٍ ودواءٍ وماء، لا يحظى به كل الغزيين، ودون دعم تسليحي من أي جهة، يعوّض ولو جزئياً عن ما فقده المقاومون في معركتهم طويلة الأمد فوق الأرض وتحتها.

خزائن المال الأمريكي ومستودعات السلاح والذخائر مفتوحة على مصاريعها، ليغرف منها الإسرائيليون كيفما يشاؤون وقدر ما يشاؤون، وأساطيل أمريكا وطائراتها وقنابلها المسماة بالذكية، تقف على أهبة الاستعداد والعمل، بينما غزة والمقاومون فيها يلوذون بما تبقى لديهم من سلاح صنعوه بأيديهم، وما نجا من أنفاقهم، وها هم يقاتلون في الشهر العاشر كما لو أنهم في الشهر الأول.

غزة مغلقة من كل الجهات، براً وبحراً وجواً، وهي تعرف أكثر من غيرها أين يكمن الخطر الحقيقي عليها، ولأن في فمها ماء، ولا تستطيع أن تقول ما ينبغي أن يقال، فهذا الماء الذي يملأ الفم ويمنع الكلام، هو الأشد أذىً على أهل غزة، والأفدح فتكاً بأرواحهم قبل أجسادهم، إنه الخذلان.

غزة أشبه بهرم يقف على رأسه، يتسلقه كثيرون تحت مسميات عديدة، ويلقون بحمولة عجزهم الثقيل عليه، فما لا يستطيع المتطفلون فعله، فغزة يجب أن تستطيع!، هكذا تقول أدبيات الجبهات، وتغطيات الإذاعات والشاشات، فما دامت غزة تقدم كل يوم مئات الضحايا، فالأمة التي تعيش حياتها كالمعتاد ما تزال بخير، والمنطقة التي لا تعرف الانتصارات من قبل، ذاهبة إلى النصر الذي يجب أن توفره غزة، أمّا الجمهور الذي يُعَّدُ بالمليارات، فليس لديه سوى التصفيق للبطولة وذرف الدموع على تكاليفها.

غزة تركها العالم لجيش إسرائيل، وأسلحته وذخائره الأمريكية، أمّا ما حولها من أقرب حدٍ إلى أبعد حد، فلكل منهم إيقاعه الخاص الذي يرقص عليه، وأجندته المتآلفة مع مصالحه، تملي عليه انتظار نصر غزة وكأنها غنيمة موضوعة خلف الباب.

إجماعٌ واحدٌ ووحيد يبلوره كل من هم خارج غزة، من ساحات الممانعة إلى ساحات المرونة، إلى ساحات الأصدقاء والأعداء على حد سواء. مختصره المفيد يقول.. على غزة أن تأتينا بالنصر أمّا همنا جميعاً فهو أن لا تندلع حربٌ واسعةٌ تخل بأنماط حياتنا ولذة عجزنا.

طبول الحرب الحقيقية تقرع في غزة منذ عشرة أشهر، أمّا ما حولها فمجرد رقص على إيقاعها يشارك فيه الجميع كلٌ حسب طريقته وما ينفعه.

هذه حكاية غزة مع كل المتطفلين عليها، والنافخين في نارها، كي تحقق لهم ما عجزوا عن تحقيقه منذ زمن بعيد وإلى زمن أبعد.