الثلاثاء  17 أيلول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حتى لا تكون الخطط القطاعية والاستراتيجية مجرد (طخـ … تيت)

التحديات التي أفرزتها حرب الإبادة جعلت ما تم البناء عليه من البرامج والخطط التنموية في تطوير الاستراتيجيات للأعوام 2024-2029 غير منطقي

2024-09-02 01:27:02 PM

حتى لا تكون الخطط القطاعية والاستراتيجية مجرد (طخـ … تيت)

 

  • رئيس الوزراء: استكمال إعداد خطة شاملة تتكون من عدة عناصر وأحرزنا تقدما كبيرا في إعداد الإطار العام لإعمار القطاع والضفة وإطلاق برنامج اقتصادي كبير
  • م. السويطي: عدم وجود ربط حقيقي ما بين أهداف الخطط الاستراتيجية والبرامج التنفيذية مع الموازنة يعني أن الأهداف السابقة غير واقعية
  • د. أبو عيشة: ما يميز إعداد التخطيط الوطني المكاني الشامل الحالي عن سابقاته أنه تم برؤية وعقول فلسطينية خالصة وتمويل ذاتي
  • الخالدي: الحرب غيرت مشهد التخطيط كله وعندنا مرحلة سنتين حتى نستوعب الصدمة وأوصي بعدم اعتماده الآن

 

الحدث – إبراهيم أبو كامش:

أجمع خبراء تخطيط وباحثون على أن ما تم البناء عليه من البرامج الحكومية والخطوط التنموية العريضة في تطوير الاستراتيجيات للأعوام 2024-2029 أصبح غير منطقي في ظل التحديات غير المسبوقة التي أفرزتها حرب الإبادة التي ما زالت ترتكب من قبل قوات الاحتلال بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، وفي ظل الحاجة إلى خطة تنمية وطنية شاملة من ناحية الأهداف والجغرافيا (الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة واحدة) خاصة مع الخطر الوجودي الذي أصبح يهدد الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية أكثر من أي وقت مضى.

وفي وقت لاحق أعلن رئيس الوزراء د. محمد مصطفى في جلسة مجلس الوزراء (21) إحراز تقدم كبير في إعداد الإطار العام لإعمار القطاع والضفة وإطلاق برنامج اقتصادي كبير، حيث قال: "أحرزنا تقدما كبيرا في العمل على إعداد الإطار العام لخطة إعمار غزة والضفة، وإطلاق برنامج كبير للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع المؤسسات الدولية الشريكة وفي مقدمتها البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما يجري حاليا إعداد الخطط التفصيلية للقطاعات المختلفة".

واستعرض د. مصطفى، دور الحكومة من خلال استكمال إعداد خطة شاملة تتكون من عدة عناصر أهمها: إعادة دمج وتوحيد المؤسسات الوطنية لضمان أكبر قدر ممكن من التنسيق والعمل المشترك بين مؤسسات الدولة بما فيها هيئات الحكم المحلي والوزارات وأجهزة الشرطة ومختلف المؤسسات. وتوسيع عمليات الإغاثة العاجلة والإنعاش المبكر بشكل كبير بما في ذلك استعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والخدمات الصحية وخدمات الكهرباء والصرف الصحي، والتعليم وإزالة الأنقاض، وتوفير المأوى المؤقت، وفي ذات الأهمية دعم سُبل العيش والإنعاش والتمكين الاقتصادي. وإعداد برنامج شامل لإعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي.

عدم واقعية الخطط من ناحية مواءمتها للموارد المالية المتاحة

ولكن خبراء التخطيط والباحثين الذين استجابوا مؤخرا لدعوة معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) وشاركوا مؤخرا في لقاء طاولته المستديرة بعنوان: (إشكاليات الخطط الوطنية والتخطيط الفلسطيني في ظل الحرب على قطاع غزة)، أكدوا أنه على الرغم من الأزمات المالية التي تواجهها الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، إلا أن عملية التخطيط الاستراتيجي بقيت تتبنى المنهج العلمي وفق أفضل ممارسات بناء الخطط الاستراتيجية، بغض النظر عن مدى توفر موازنات من الحكومة لتنفيذها.

لهذا يرى هؤلاء الباحثون والخبراء، تكرارا كبيرا في الأهداف والمشاريع والبرامج عبر الخطط الاستراتيجية لنفس القطاع خلال فترات زمنية متلاحقة، حيث إن ما لم يتم تنفيذه من أهداف ومشاريع خلال دورة التخطيط 2017 – 2021 تم إعادة تبنيه في المراجعة النصفية 2023-2021، والعديد منها تم التأكيد عليه في دورة التخطيط 2024 -2029 أيضا، كما أن العديد من الخطط تتبنى أهدافا استراتيجية طموحة تستجيب لتوجهات الحكومة نحو المواضيع المستجدة على المستوى الدولي، مثل التوجه العالمي نحو اقتصاديات المعرفة والرقمنة والاقتصاد الأخضر.

وفي حين تبدو هذه الممارسات في ظاهرها سليمة ومستجيبة للتحولات العالمية (كما يقولون)، إلا أنه من المنطقي أن تترتب عليها التزامات مالية وفنية كبيرة، والتي في أغلب الأحيان لا تستطيع الموازنة العامة توفيرها، أو توفير الكوادر الفنية اللازمة في القطاع العام، حيث تتبنى الحكومة منذ سنوات سياسة متشددة ومتحفظة في عملية التوظيف.

تحديد أهداف واقعية ومشتركة

ويجمع خبراء التخطيط والباحثون، على أنه يجب في هذه المرحلة وضع خطة تنموية وطنية شاملة تدمج جميع مناطق فلسطين (قطاع غزة الضفة الغربية والقدس الشرقية) كوحدة واحدة، رغم اختلاف الظروف والسياقات في كل منها، مع تحديد أهداف واقعية ومشتركة تأخذ بعين الاعتبار التحديات الحالية والخطر الوجودي الذي يواجهه الفلسطينيون، ولا يغفلون ضرورة تعزيز التنسيق بين مختلف المؤسسات العامة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والجهات المانحة العربية والدولية، مؤكدين على أن ما أفرزته الحرب من تحديات اقتصادية واجتماعية لا يمكن للحكومة الفلسطينية مواجهته وحدها والتصدي لها بالإمكانات المتاحة، حتى لو تم تحويل 100% من أموال المقاصة.

أما على مستوى الوزارات، فشدد الجميع على ضرورة إعادة صياغة أهدافها الاستراتيجية وبرامجها ضمن خطة التنمية الوطنية الشاملة، وأن يتم بناء أهداف استراتيجية واقعية يجمع كل منها بين 3-4 من الوزارات والاستراتيجيات القطاعية مثلا هدف تخطيطي واحد للوزارات الاقتصادية (الاقتصاد الوطني، التجارة، الصناعة، الزراعة، والسياحة) وهدف واحد لكل من (التنمية الاجتماعية، العمل، وتمكين المرأة) وهدف واحد للبنية التحتية (النقل، الطاقة والاتصالات.. الخ)، مؤكدين على أن من شأن إعادة هيكلة المخطط التنموي الوطني وتبسيطه الحد من التكرار، وحشد الموارد والكفاءة التنفيذية في أحوال حربية صعبة، بحيث تهدف في الدرجة الأولى إلى الحد من التدهور الحاصل في كافة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والأكثر أهمية، والحفاظ على حياة المواطنين، وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم، من ثم وبشكل موازٍ وتكاملي، يمكن خلق برامج لإعادة الإعمار في قطاع غزة بما يستجيب للقضايا الاستراتيجية التي أفرزتها الحرب.

الاعتماد المفرط وغير المدروس على الدعم الدولي وأموال المانحين

ولا يختلف الباحثون وخبراء التخطيط، على أن الانخفاض الكبير اللاحق في المساعدات الدولية، أظهر مدى عجز الحكومة عن تنفيذ الخطط والبرامج المختلفة، وليس سرا أن الإيرادات العامة خلال الأعوام الأخيرة تم توجيهها بشكل شبه كامل إلى تمويل النفقات التشغيلية، خاصة دفع رواتب موظفي القطاع العام، والتي أصبحت حتى لا تغطي فاتورة الرواتب.

لذلك فإنهم يؤكدون على أن الحكومات لم ترصد موازنات لتمويل النفقات التطويرية، خاصة المشاريع التي تضمنتها الخطط القطاعية وعبر القطاعية، وتم الاعتماد في تنفيذ جزء من تلك المشاريع على تمويل المانحين في حال توفره، بل إن جزءا من المشاريع الممولة تلبي متطلبات الممولين، ولم تكن جزءا من المشاريع التي تضمنتها الخطط الاستراتيجية.

إشكاليات الخطط الوطنية والتخطيط الفلسطيني في ظل الحرب على غزة

وفي هذا السياق يؤكد الباحث في معهد (ماس) د. رابح مرار، على أن ما الحرب الحالية أفرزت تأثيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة في كل من قطاع غزة والضفة الغربية في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب.

ويقول: "هناك إشكالية كبيرة قائمة حول مدى قدرة الخطط الاستراتيجية الوطنية التي تم إعدادها وفق سيناريوهات وسقف سياسي ما قبل 7 أكتوبر (خاصة تلك للأعوام  2024-2029) للاستجابة للواقع الحالي الذي تحول في كل أشكاله وباتت "التنمية" بعيدة المنال في ظرف اقتصادي سياسي يتسم بالكفاف والتصدي للاحتلال".

ويتابع: "تم بناء هذه الخطط على واقع اقتصادي واجتماعي مختلف، وبالتالي من الضروري إعادة النظر ليس فقط في مضمون الخطط الاستراتيجية ومدى استجابتها للتغيرات الدراماتيكية الأخيرة، بل في شكل وهيكلية وآليات التخطيط الاستراتيجي في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أفرزتها الحرب، وحجم الدمار الهائل في البنية التحتية والانتشار الكبير للبطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي، والذي يتزامن مع أزمة مالية حكومية غير مسبوقة".

التحديات المرتبطة بالتخطيط الاستراتيجي وتنفيذ الخطط الاستراتيجية العامة 

ويرى الباحث مرار، إن هناك تطورا ملحوظا في عملية التخطيط الاستراتيجي الحكومي سواء على المستوى الكلي أو القطاعي، فالخطط الاستراتيجية في السنوات الأخيرة تتميز بجودة عالية سواء من ناحية التشاركية والتشاور في عملية التخطيط، شمولية عملية التخطيط ومدى إرتباط الخطط القطاعية وعبر القطاعية بالخطط التنموية الحكومية وأهداف التنمية المستدامة أو بناء أهداف استراتيجية وسياسات تعالج الفجوات وتلبي التطلعات المستقبلية للحكومة ومؤسساتها.

كما ويؤكد مرار، على أن هناك إجماعا من قبل عديد الخبراء والمراقبين على أن المؤسسات الحكومية المختلفة تمتلك خططا استراتيجية على درجة عالية من الجودة تراعي أبرز ممارسات التخطيط الاستراتيجي السليمة وتحاكي الخطط الاستراتيجية العربية والعالمية.

وعلى الرغم من ذلك، يقول د. مرار مستدركا: "إلا أن الواقع يظهر أن عملية تنفيذ الخطط الاستراتيجية تتسم بالبطء الشديد ولا يتم الاعتماد عليها بشكل كبير في توجهات عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية ولا تخضع لمراقبة وتقييم منهجي، فمن خلال مراجعة سريعة لبعض الخطط القطاعية وعبر القطاعية خلال العقد الأخير، نلاحظ أن هناك تكرارا للأهداف والسياسات لنفس الخطة القطاعية في مراحل زمنية مختلفة، أي أنه يتم ترحيل الهدف الاستراتيجي أو السياسة من خطة إلى أخرى، مع تغيير بسيط في بعض المسميات، وهذا يعود إلى مجموعة من المحددات والعقبات التي تقف حائلا أمام تنفيذ هذه الخطط والتزام أصحاب العلاقة بما جاء بها من أهداف وسياسات".

الاحتلال وما يخلقه من أزمات وتحديات

ولا يختلف اثنان على التأثير السلبي المباشر لكافة ممارسات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة على التنمية والنمو الاقتصادي في فلسطين، وبالتالي على الإيرادات العامة المترتبة على ذلك، كما خلق الاحتلال حالة من عدم اليقين من خلال الحروب المتتالية التي تستهدف قطاع غزة، وما يرافقها من تدمير ممنهج للبنية التحتية والموارد الاقتصادية في الضفة الغربية، والتي تؤدي إلى تقويض دور الجهات الحكومية الفلسطينية وتدمير ما تم عمله من إنجازات في الخطط التنموية والاستراتيجية السابقة.

كما ساهمت الإجراءات الإسرائيلية بحق المالية العامة الفلسطينية خاصة في السنوات الخمس الأخيرة في تقويض قدرة الحكومة الفلسطينية على تنفيذ خططها التنموية وأهدافها التي التزمت بها ضمن الخطط الاستراتيجية القطاعية وغير القطاعية، فقد مارس الاحتلال حصارا ماليا على الحكومة الفلسطينية تحت ذرائع مختلفة، كما يقوم بعمليات قرصنة متتالية لأموال المقاصة، كل ذلك حد بشكل كبير من قدرة الحكومة الفلسطينية على توفير الميزانيات الضرورية لتطوير البنية التحتية الخدمية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

تحديات على المستوى الإداري والمؤسسي

ويؤكد الباحث مرار، أن سعي الحكومة الفلسطينية لتوظيف التخطيط الاستراتيجي من أجل تحقيق رؤيتها الاقتصادية والسياسية وبناء مؤسسات الدولة المستقبلية والارتقاء بالخدمات الأساسية كما ونوعا، يواجه تحديات وفجوات ذاتية عديدة، والتي لا يمكن معالجتها جميعا في نفس الوقت.

فعلى المستوى الإداري، يرى مرار أن هناك خللا في منظومة الإدارة العامة والخدمة المدنية وفي هيكلة الأعمال الحكومية.

وعلى المستوى المالي؛ هناك أوجه الضعف في نظام الإيرادات والإنفاق الحكومي، وفي نظام التحويلات الطبية والتأمين الصحي، وفي معالجة صافي الإقراض وفي إدارة قطاعي المياه والكهرباء. وعلى المستوى الاقتصادي: توجد بيئة أعمال طاردة تنقصها التكاملية وبناء الشراكة مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.

وعلى المستوى الاجتماعي: هنالك غياب الضمان الاجتماعي، وضعف شبكة الأمان الاجتماعي للفقراء والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة، وفجوات في قطاع التعليم العام والعالي بما يشمل التعليم المهني والتقني، ضعف في بيئة الريادة والإبداع، انتشار الانطباعات السلبية بين المواطنين حول القضايا المجتمعية بما فيها الفساد. وعلى المستوى المكاني: أدت تجزئة الحكومة والدولة الفلسطينية إلى تفاوت في الوصول إلى الفرص والخدمات تبعا للمكان الذي يعيش فيه الفرد في فلسطين.

ويستنتج الباحث مرار، بأنه وعلى الرغم من تأكيد الحكومة على ضرورة الشراكة والتعاون الوثيق في صياغة الخطط الاستراتيجية، خاصة مع تبني منهجية التخطيط القطاعي وغير القطاعي خلال دورات التخطيط السابقة، إلا أنها تفتقد للتنسيق والشراكة خلال مراحل التنفيذ حتى داخل الوزارة الواحدة في بعض الأحيان، يعكس ذلك خللا بنيويا في بنية المؤسسات العامة بسبب حالة التشرذم التي خلقها الاحتلال وأيضا تدهور الواقع المؤسسي والحوكمة في القطاع العام خلال السنوات الأخيرة، انعكس ذلك بكل تأكيد على ضعف واقع المتابعة والتقييم لدى الجهات المسؤولة عن تنفيذ الخطط الاستراتيجية القطاعية وعبر القطاعية.

ويعيد د. مرار، التأكيد على وجوب إعادة النظر في دورة التخطيط الاستراتيجي للأعوام 2024-2029، وقال: "في ظل الحرب على غزة مع بداية الحرب ما بعد السابع من أكتوبر 2023، كانت غالبية الوزارات الحكومية قد انتهت أو شارفت على الانتهاء من تطوير خططها الاستراتيجية للأعوام 2024-2029، لكن جميع هذه الخطط وإن أخذت بعين الاعتبار تحليلا دقيقا للواقع الحالي، واحتوت على قدر من المرونة للاستجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الحالية والمستقبلية، لم تأخذ بعين الاعتبار ما أفرزته الحرب التدميرية التي لم تقتصر على قطاع غزة، بل شملت أيضا الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس.

وتابع: "هناك قضايا استراتيجية ملحة أفرزتها الحرب التدميرية على قطاع غزة والضفة الغربية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ففي المجال الاقتصادي تتعلق القضية الاستراتيجية الأولى التي يجب التعاطي معها بالارتفاع الحاد في نسب البطالة والحاجة إلى خلق فرص عمل على ضوء انتشار البطالة على نطاق واسع، والتي وصلت إلى أكثر من 30% في الربع الرابع من العام 2023 ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من 35% في الضفة الغربية مع نهاية العام الحالي".

ويضيف: "من التحديات الاستراتيجية أيضا، التدهور الكبير في أنشطة الأعمال في القطاع الخاص والتي شملت مختلف الأنشطة الاقتصادية وبشكل خاص المنشآت متناهية الصغر والصغيرة، فقد خسرت الأنشطة الاقتصادية في الضفة الغربية حوالي 37% في الإنتاج، أي ما يعادل 515 مليون دولار في شهر واحد فقط، تأثرت الأنشطة الاقتصادية بشكل كبير نتيجة تدمير البنية التحتية خاصة في شمال الضفة والقيود المفروضة على الحركة وانتشار الحواجز ونقاط التفتيش وإغلاق المعابر وتعطل سلاسل التوريد للمواد الخام والواردات السلعية، واعتداءات المستوطنين التي تؤثر على الوصول إلى المدخلات والأسواق، والتأخير في الشحنات وزيادة التكاليف. أما الحظر المفروض على الفلسطينيين العاملين في "إسرائيل" أدى فقط إلى تراجع الطلب الكلي والذي انعكس بشكل كبير على أنشطة التجارة".

وقال: "تتمثل القضية الاستراتيجية الثالثة في الارتفاع الكبير في مستويات التضخم وانخفاض قدرة المواطنين على الوصول إلى الخدمات الأساسية، وأدى العدوان الشامل على قطاع غزة والضفة الغربية  إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين ارتفاعا حادا نسبته 5,87% خلال العام 2023 مقارنة مع العام 2022، بواقع 10,53% في قطاع غزة وبنسبة 4,77% في الضفة الغربية".

أما في الجانب الاجتماعي، يقول د.مرار: "أدت الحرب إلى إنتشار واسع لمستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي بشكل كبير جدا في قطاع غزة، وبشكل غير مسبوق في الضفة الغربية، هذا بالإضافة إلى انكشاف عدد كبير ومتزايد من الأسر في الضفة الغربية التي كانت تحسب على الطبقة المتوسطة واقترابها من دائرة الفقر، ناهيك عن التدهور الكبير في مؤشرات الصحة والتعليم".

تحديث الخطط الاستراتيجية لاختلاف الواقع

وتعقيبا عليه يؤكد م. مؤيد سويطي - مسؤول التخطيط الاستراتيجي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، أن الصعوبات التي كانت تواجههم في عملية التخطيط، هي وجود الاحتلال "لكن أبرز المشاكل التي كانت تعاني منها خططنا الاستراتيجية التي يتم إعدادها في الوزارات ومراكز المسؤولية الحكومية، هي عدم وجود ربط حقيقي ما بين الأهداف الموجودة داخل الخطط الاستراتيجية، وبالتالي البرامج التنفيذية مع الموازنة، وطالما هذه غير متوفرة فهذا يعني أن أهدافنا السابقة غير واقعية".

ويتابع: "والقضية الأخرى ضعف التواصل بين أصحاب القرار ذوي العلاقة في هذا القطاع، وهذا كان واضحا حتى في الخطط التي كانت تعد على المستوى القطاعي في الحكومة، وانتقال الحكومة من التخطيط على المستوى القطاعي إلى التخطيط الوزاري كان أحد أهدافه هو الربط في الموازنة لأن التعارض بين المؤسسات على مستوى القطاع يضعف الخطة، وبالتالي فإن أهدافها غير قابلة للتنفيذ".

وعن ماذا يعملون عليه حاليا في وزارة التخطيط، قال السويطي: "يجب أن نعمل على تحديث للخطط الاستراتيجية لأن الواقع الذي نتعامل معه حاليا أصبح مختلفا، فكثير من الأشياء فرضت على أرض الواقع نتيجة الحرب على قطاع غزة.

ويرى السويطي، أن الإطار العام لإعادة تحديث هذه الاستراتيجية هو برنامج  يتكون من عنصرين أساسيين الأول والأهم هو إعادة إعمار قطاع غزة وهو مكون أساسي في برنامج الحكومة، وحاليا يتم عمل الإطار العام لعملية إعادة التخطيط بمراحله المختلفة الأساسية والثانوية فيها. والمكون الثاني بالغ الأهمية هو عملية الإصلاح على مستوى كافة المؤسسات والقطاعات، وهذا مؤشر وعبارة عن خطة وليست فقط استهداف معين، وعملية الإصلاح بمنطقها هي عملية مستمرة.

ويقول السويطي: "إن ما نحتاجه في البداية هو إعادة توحيد طرفي الوطن بين المحافظات الشمالية والجنوبية على كافة المستويات وخاصة مستوى المؤسسات، وغير هذا نحن نتحدث عن فجوة حقيقية في أن  نحقق الأهداف التي نتحدث عنها".

ويشدد م. السويطي بقوله: "وإن أولى الأشياء التي تسبب عملية التواصل والتوافق ما بين المؤسسات والإدارات العامة ضمان عملية مشاركة جميع الأطراف في التخطيط بطريقة سليمة، والنتيجة خطط وإنتاج أقوى، وبالتالي الأصل مشاركة الجميع ومكونات المجتمع في تنفيذها، ومن هنا يجب أن يكون هناك تكاتفا لتحقيق أي هدف من الأهداف التي تضعها الخطة.

ويتابع: "نعمل في رؤية وزارة التخطيط على خلق بيئة وأدوات تساعد المؤسسات ذات العلاقة في القطاع الواحد في عملية التواصل ما بينها، بالإضافة إلى عملية الربط ما بين الموازنة والخطط والتي نعمل عليها ضمن 3 عناصر أساسية، الأول: هي التخطيط الاستراتيجي، والثاني: العلاقات الدولية والثالث: هو الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، وسنركز في الفترة القادمة أكثر على الخطط التنفيذية السنوية ووضع الموازنة بناء عليها، وهي عبارة عن مجموعة مشاريع كثيرة ولها استهدافات مالية عالية جدا، كما نركز على أن يتم إعداد المؤسسات للعمل على مخرج المخطط الفني وهو عبارة عن استحقاقات إصلاحية من قوانين وتعاريف معينة وتغيير في هيكليات لنتمكن من تنفيذ هذا الهدف على أن يكون واقعيا بالإضافة إلى توزيع المسؤوليات بشكل دقيق".

التخطيط الوطني المكاني الشامل أساس تخطيطي واقعي

في حين قال د.سمير أبو عيشة - أستاذ الهندسة المدنية في جامعة النجاح الوطنية: "إن الخطط التي تم إعدادها من البداية هي عبارة عن مكونات، وهذه المكونات بعضها يحقق النجاح والبعض الآخر لم يحقق لأسباب موضوعية أو ربما لأسباب ذاتية، وفي كل الأحوال فإن التخطيط الوطني المكاني الشامل يجب أن يكون هو الأساس". 

 ويعتبر د. أبو عيشة، التخطيط الوطني المكاني الشامل أساسا تخطيطيا واقعيا مكانيا، وقال: "ربطنا سابقا في هذا المخطط كل أوجه التنمية والتطور في المكان والحيز سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس أو في قطاع غزة مع الممر الرابط بينهما".

وأشار إلى أنه تم تقديم هذا المخطط مؤخرا لمجلس الوزراء وعرض على مجموعة واسعة من الاتحادات والنقابات والهيئات المختلفة ومراكز الأبحاث وقطاع المنظمات الأهلية والغرف التجارية واتحاد الصناعات والهيئات المحلية، وقال: "كان هذا الجهد الذي استمر 50 شهرا برؤية فلسطينية خالصة وهذا ما يميزه عن كل الخطط السابقة والتي كانت تعد على المستوى المكاني علما بأن هناك خططا أعدت بمعزل بشكل مطلق عن الفلسطينيين أو بمشاركة خجولة.

وأوضح: "أعدت الخطة برؤية وأيد وعقول فلسطينية خالصة وبتمويل فلسطيني، بمشاركة 25 خبيرا فلسطينيا من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والداخل الفلسطيني المحتل 48، وأخذنا بالاعتبار رؤية الحكومة الفلسطينية في وثيقة مكتوبة منها تضمنت رؤيتها السياسية والاستراتيجية والتنموية وتم عكس مناقشتها بما تم التوافق عليه في هذا المخطط".

الضغط على الحكومة لإقرار المخطط الآن وليس غدا

ولكن د. أبو عيشة سرعان ما استدركه القول: "إن ما يميز هذا المخطط أنه واقعي ويأخذ بالاعتبار وضعنا الراهن مع أنه لم نستقل بعد من براثن الاحتلال، لذا كان تصورنا أنه خلال 7 سنوات 2030 هي المرحلة الأولى للبدء بتنفيذ المخطط وتم تقييد الوضع بكلمة إلى حين زوال الاحتلال، إذ أن التخطيط شكل وربما التنفيذ أحد التحديات الكبرى الجيوسياسية".

ويختلف د. أبو عيشة مع الآخرين حول عملية تنفيذ المخطط، وقال: "يجب أن نعتمد مخططنا الوطني الفلسطيني الآن وأن نقدم على إجراءات تنفيذه على الأرض مع الأخذ بالاعتبار التغيرات الناجمة عن حرب الإبادة الحالية في غزة، لكن يجب أولا أن ننطلق من نقطة إقرار المخطط الآن وليس غدا والذي سيكون قابلا للتعديل وليس بعد انتهاء الحرب، مع ضمان مرونة للتحديث والتطوير فيما يتعلق بغزة والبيئة وقضايا مختلفة جدا، لكن علينا جميعا الضغط باتجاه اعتماده بالقراءتين الثانية والثالثة من قبل رئاسة الوزراء ووزارة الحكم المحلي في أقرب وقت.

إعادة صياغة أهداف الوزارات واستراتيجياتها

أما رجا الخالدي- مدير عام (ماس)، يقول: الحرب غيرت مشهد التخطيط كله وعندنا مرحلة سنتين حتى نستوعب الصدمة، وفي كل الأحوال من الضروري إعادة صياغة أهداف الوزارات واستراتيجياتها ضمن خطة التنمية الوطنية الشاملة، وأن يتم بناء أهداف استراتيجية واقعية، لا نريد اقتراح أسلوب تخطيط جديد، لكن بالعكس نريد تخطيطا يجمع كل منها بين 3 -4 وزارات والاستراتيجيات القطاعية المماثلة، وعليه يمكن الخروج بستة أهداف استراتيجية للسنتين القادمتين تساعد على التنمية".    

ويوصي الخالدي، بأن لا يتم اعتماد المخطط في هذه اللحظة، ولكن يمكن اعتماده كإطار نسعى إليه.