الحدث الاقتصادي - ناديا قطب
تتوالى الأزمات على الشعب الفلسطيني خاصة تلك التي يتباهى بها الاحتلال الإسرائيلي والمتمثلة بكمية الدمار الذي يغطي قطاع غزة ومدن الضفة الغربية وانتهاج سياسة التجويع، حتى باتت هناك خطورة لاعتياد المشهد الدامي والمدمر وكذلك اعتياد استغلال الاحتلال الإسرائيلي لاحتياجات الفلسطينيين من المياه والكهرباء لفرض سياسات أحادية تُبدّي المشروع الاستيطاني على حقوق المواطنين الفلسطينيين.
ومنذ نشأة الاحتلال؛ شكّلت الاحتياجات الفلسطينية للخدمات الأساسية، أداةً بارزة لابتزاز كرامة الفلسطينيين في كافة مناحي حياتهم.
وتضاف هذه الأداة إلى الآلة الرئيسية المستخدمة في إخضاع الرأي الفلسطيني؛ صافي الإقراض، أو ما يعرف بأموال المقاصّة، حيث تختلط الديون بالحقوق بيدِ الاحتلال، ليقوم بتمييع المستحقات المالية للفلسطينيين وفرض شروطٍ لصرفها، ضارباً بعرض الحائط وهم السيادة على الأموال المحليّة.
التوجهات العالمية
تتزامن الظروف التي يعيشها الفلسطينيون مع تغييرات كبيرة يشهدها العالم، بعد تسارعٍ غير مسبوق في تطوّر التقنيات خلال العقدين الأخيرين، وتطورت أساليب توفير الخدمات الأساسية من المياه والكهرباء مع تطور التقنيات المستخدمة لإنتاجها وتوزيعها.
وتعدّ الكهرباء من أهمّ أشكال الطاقة لتطوير الصناعة والاقتصاد، وهي المورد الرئيسي اللازم لتوفير المياه المحلّاة أو الجوفية.
ومع تحوّل عدّة تطبيقات للاعتماد على الطاقة الكهربائية وازدياد الطلب العالمي عليها، تشكلّ الطاقة مورداً استراتيجياً سعت فيها عديدٌ من الحكومات لتأمين استقلالها وضمان مستوى معيشة أفضل ومستدام، وفي الأخص مع تطور سبل توفيرها دون اللجوء إلى الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري.
خطر استراتيجي على الوجود
إن الاقتصاد الفلسطيني يستورد كل ما يتيحه الاحتلال من طاقة، بكافّة أشكالها، الأمر الذي يشكل خطراً استراتيجياً على استمراره أصلاً دون الاحتلال، ويضع كافة العاملين فيه عرضة للابتزاز باستخدام الخدمات الأساسية للعيش الكريم.
وفي وقت سابق، أصدر الاحتلال قراراتٍ واضحة في مطلع الحرب بوقف إمدادات الطاقة (الكهربائية والوقود الأحفوري) والمياه؛ لقطع سبل الحياة الكريمة للمواطنين في قطاع غزة، ولا يزال يستخدم هذه الوسيلة للضغط على التجمعات السكنية في كافة تصنيفات الأراضي في الضفة الغربية رغبة في تهجير أهاليها واستيطان أرضها.
لقد كشفت هذه الحرب حدّة المأزق الاستراتيجي التي يعيشه الفلسطينيون؛ فمنذ مطلع الشهر الجاري، وصلت ديون الكهرباء على الحكومة الفلسطينية إلى أكثر من 2 مليار شيقل[1]، رغم وجود فجوة حادّة بين الطلب على الكهرباء والقدرة الكهربائية المتاحة للفلسطينيين، مما يعني أن اقتصادنا مدين للاحتلال بمبالغ هائلة مقابل خدماتٍ لم تلبِ احتياجاته الحقيقية، ويعيش الفلسطينيون في هذا المأزق الاستراتيجي، وكمّاشة المقاصة تلوح في الأفق في نهاية كلّ شهر، نراقب في مخالبها احتمال تلقي أجزاء من رواتب الموظفين بعد مرور أشهر على استحقاقها.
يوجد حلّ
تدعونا هذه الشواهد إلى المبادرة للتفكير في حلولٍ للتحديات الوجودية التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني، فأصبحت الطاقة المتجددة أكثر جدوى وفعالية، حتى وصلت الطاقة الشمسية – التي تتمتع فلسطين بالوفير منها – إلى كونها أزهد مصدر لتوليد الكهرباء في تاريخ البشرية.
كما أن استخدام الطاقة المتجددة يعفي أي اقتصاد من أعباء المواد الخام اللازمة للإنتاج؛ فامتلاك محطة توليد بالغاز الطبيعي مثلاً يحتاج تأمين كميات ثابتة من الغاز لضمان استمرار إنتاج المحطة، كما يتطلب حجماً هائلاً من البنى التحتية لتوزيع ونقل المواد الخام أولاً، وناتج الكهرباء ثانياً.
وفي هذا الوقت، يثابر الاحتلال على زيادة حصة الطاقة المتجددة من التوليد المحلي، حتّى في الضفة الغربية لتغطية احتياجات المستوطنات، حيث ينتج الآن أكثر من 10% من احتياجاته الفعلية من الطاقة المتجددة، يليها الغاز الطبيعي والفحم.
ولقد سعت الحكومات الأخيرة للاحتلال إلى اعتماد عدّة قوانين لفرض التحوّل نحو الطاقة المتجددة كان آخرها إجبار كافة المنشآت التجارية الجديدة على تركيب نظام توليد بالطاقة الشمسية كجزءٍ من شروط الترخيص[2]، في إطار سياسةٍ معلنة لتحقيق أكثر من 3.5 جيجاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2040 رغم وجود مصادر توليد أخرى.
الوقت من طاقة
لقد بادر القطاع الخاص بكافة اختصاصاته للحكومة الفلسطينية بإحداث تغيير جذري في النهج والسياسات المتبّعة في إطار الطاقة المتجددة لتمكين الاستثمار فيه والسماح للمستهلكين بتلبية احتياجاتهم من الطاقة الشمسية، لكنّ ثمرة الجهود لم تقطف بعد، ولا تزال الفرصة لإحداث تغيير جذري في مجريات هذا القطاع قائمة بل وملحّة تحت لهيب الحرب ورصاص المتطرفين الذين يسعون لطرد الشعب من أرضه.
آن للاقتصاد الفلسطيني النهوض من التأخر المقصود الذي وُضع فيه من قِبل الاحتلال، ولاتخاذ قرارٍ استراتيجي لوقف نزيف الأموال العامّة ووضع حلٍ دائم للخدمات الأساسية لتوفير العيش الكريم، ويتوجب على كل الأطراف في المجتمع، دون تأخير، فهم المعادلة التالية:
طاقة متجددة = كهرباء + مياه = حياة كريمة دون تهديد
______________________________________________________________________
[1] https://www.maannews.net/news/2122792.html