الحدث الاقتصادي
يتصاعد جنون الارتياب عالمياً حيال سلاسل التوريد، بعد تفجير الاحتلال الإسرائيلي أجهزة النداء الآلي المحمولة "البيجر" في لبنان، ما يؤرخ لمرحلة تجارية جديدة بين الدول، عنوانها حظر السلع ونقل الإنتاج إلى مناطق أقرب إلى الأوطان، إذ تخطو أميركا والصين سريعاً نحو إجراءات لحظر متبادل لسلع حيوية تعتمد على البرمجيات المتقدمة خوفاً من تحولها إلى قنابل موقوتة، وسط توقعات بانتقال عدوى الحظر إلى بقاع أخرى، ما قد يقوض انسياب السلع ويضع نهاية لحرية التجارة.
وأثارت تفجيرات لبنان شكوكاً كبيرة بشأن الثغرات الخطيرة في سلسلة التوريد العالمية، التي باتت معقدة بشكل مذهل، لدرجة أنها ربما تتعدى نطاق سلطات الحكومات والشركات والمؤسسات الأخرى ذات الصلة، وهو ما اتضح في جريمة الاحتلال الإسرائيلي بتفخيخ أجهزة "البيجر"، التي يبدو أنها أطلقت شرارة حرب دولية ضد سلاسل التوريد.
من المتوقع أن تقترح وزارة التجارة الأميركية، اليوم الاثنين، حظر البرامج والأجهزة الصينية المُستخدمة في إنتاج السيارات المتصلة بالإنترنت والسيارات ذاتية القيادة، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي. فقد أثارت إدارة الرئيس جو بايدن مخاوف جدية بشأن جمع البيانات من قبل الشركات الصينية عن السائقين والبنية التحتية الأميركية، بالإضافة إلى التلاعب الأجنبي المحتمل بالمركبات المتصلة بالإنترنت وأنظمة الملاحة، وفق تقرير لشبكة "سي أن أن" الأميركية، أول من أمس السبت.
هذه الخطوة تصعيد كبير في القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على المركبات والبرمجيات والمكونات الصينية، فخلال الأسبوع الماضي فرضت إدارة بايدن زيادات كبيرة في التعريفات الجمركية على الواردات الصينية، بما في ذلك رسوم بنسبة 100% على المركبات الكهربائية، بالإضافة إلى زيادات جديدة على التعريفات الجمركية الخاصة ببطاريات المركبات الكهربائية والمعادن الرئيسية.
وقالت وزيرة التجارة، جينا رايموندو، في مايو/أيار الماضي، إن مخاطر استخدام البرامج أو الأجهزة الصينية في المركبات الأميركية المتصلة بالشبكات كبيرة، "يمكنك أن تتخيل النتيجة الكارثية إذا كان لديك بضعة ملايين من السيارات على الطريق وتم تعطيل البرنامج".
وأمر بايدن في فبراير/شباط الماضي بالتحقيق فيما إذا كانت واردات السيارات الصينية تشكل مخاطر على الأمن القومي بما يتعلق بتكنولوجيا المركبات المتصلة، وما إذا كان يجب حظر هذه البرامج والأجهزة في جميع السيارات على الطرق الأميركية. وقال بايدن في وقت سابق "يمكن لسياسات الصين أن تغمر سوقنا بمركباتها، ما يشكل أخطاراً على أمننا القومي، ولن أسمح بحدوث ذلك في ولايتي".
والغالبية الكاسحة من المركبات الحديثة على الطرق الأميركية "متصلة بالإنترنت"، إذ تحتوي هذه المركبات أجهزة تسمح بالاتصال بالإنترنت، ما يسمح لها بمشاركة البيانات مع الأجهزة داخل وخارج السيارة. وستشمل المحظورات أجهزة البلوتوث وبرمجيات وأجهزة الربط بالأقمار الصناعية واللاسلكي، بالإضافة إلى أنظمة المركبات ذاتية القيادة.
ودقّ مشرعون أميركيون من الحزبين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ناقوس الخطر، بشأن قيام شركات السيارات والتكنولوجيا الصينية بجمع ومعالجة البيانات الحساسة أثناء اختبار المركبات ذاتية القيادة في الولايات المتحدة.
وقال مصدران مطلعان لـ"رويترز"، إن الحظر سيمتد إلى خصوم آخرين، بما في ذلك روسيا. وحذرت مجموعة تجارية تمثل شركات صناعة السيارات الكبرى بما في ذلك جنرال موتورز الأميركية وتويوتا موتور اليابانية وفولكسفاغن الألمانية وهيونداي الكورية الجنوبية، وغيرها من الشركات، من أن تغيير سلسلة توريد الأجهزة والبرامج سيستغرق وقتاً. وأشارت شركات صناعة السيارات إلى أن أنظمتها "تخضع لعمليات مكثفة في مرحلة ما قبل الإنتاج من اختبار وهندسة وتصميم وتحقق، وبشكل عام لا يمكن تبديلها بسهولة بأنظمة أو مكونات من مورد مختلف".
وبينما كان التوجه لدى الإدارة الأميركية منذ فترة الرئيس السابق دونالد ترامب يتمثل في حث الشركات الأميركية على نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة من أجل التشغيل وزيادة النمو لمواجهة التقدم الصيني، أصبح الآن القلق بشأن الأمن هو العنوان الأكبر للمرحلة المقبلة، وسط الارتياب المتصاعد من تكرار سيناريو اختراق سلاسل التوريد وتحويل السلع إلى قنابل موقوتة. وكل حركة على طول الطريق، وكل شركة إضافية يتم إدخالها في عملية التصنيع، تمثل فرصة لأصحاب أجندات العنف المسلح، للتسلل إلى حاويات الشحن وتفخيخ البضائع، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
وأشار التقرير إلى حقيقة أن سلاسل التوريد العالمية معرَّضة للاختراق من أولئك الذين يشنون الحرب، من المؤكد أنها ستتعزز أكثر خلال الفترة القادمة. ويعتمد جزء كبير من العالم على المصانع الموجودة في الصين للحصول على سلع بالغة الأهمية. وفي الولايات المتحدة، حذر كثيرون من أن معدات الاتصالات والكهرباء المصنوعة في الصين، يمكن أن تكون "حصان طروادة" لشن هجمات على البنية التحتية الأميركية.
وحثت كل من إدارتي ترامب وبايدن الشركات على نقل سلاسل التوريد إلى أقرب نقطة من الولايات المتحدة، وفرض الرئيس السابق ترامب تعريفات جمركية شاملة على السلع الصينية، وهي السياسة التي مددت إدارة بايدن نطاقها. كما أنفقت إدارة بايدن عشرات المليارات من الدولارات في شكل إعانات، على الشركات التي تبني مصانع رقائق الكمبيوتر ومصانع المركبات الكهربائية داخل الولايات المتحدة، كما سعت الحكومة إلى تحفيز إنتاج المكونات النشطة للأدوية.
وقد تسبب نقص المنتجات وارتفاع تكاليف الشحن أثناء جائحة كورونا، في دفع شركات كبرى مثل "وول مارت" و"كولومبيا" إلى تحويل بعض إنتاجها من آسيا إلى دول مثل المكسيك وغواتيمالا.
ويرى محللون أن أجهزة "البيجر" المفخخة التي قتلت 37 شخصاً وأصابت نحو ثلاثة آلاف آخرين في لبنان، الأسبوع الماضي، كانت بمثابة وميض إنذار في نهاية النفق للولايات المتحدة. لكن هناك من يبدي مخاوف كبيرة بشأن بداية مرحلة جديدة من حرب أوسع لحظر السلع بين الدول يهدد التجارة العالمية وانسياب البضائع. فالتخلي عن التجارة الدولية سيكون مكلفاً ومحفوفاً بالاضطرابات.
على الجانب الآخر، كشفت وسائل إعلام صينية أن انفجارات لبنان ستدفع بكين إلى مزيد من الحذر بشأن استخدام الأجهزة الإلكترونية وتسليح المنتجات الكهربائية. وأشارت إلى أن الصين قد تنظر إلى المنتجات الإلكترونية والاتصالات التي تصنعها الولايات المتحدة وحلفاؤها، بما في ذلك تايوان، بريبة أكبر.