السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الشيطان/المخلص والفراغ الذي حل بنا| بقلم: ناجح شاهين

2024-09-30 12:01:32 PM
الشيطان/المخلص والفراغ الذي حل بنا| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

 فرح بعضنا كثيراً أو قليلاً: فقد مات زعيم حزب اللات؛ وهكذا، أخيراً، يصمت حسن زميرة الذي قض مضاجع الأعداء والأصدقاء ثلاثة عقود بأيامها ولياليها.

ليس مهماً أن غيابه قد تحقق بجهد أمريكي/إسرائيلي هائل على أقل تقدير. ليس مهماً ذلك أبداً، فالله جلت قدرته سخر "لنا" الكفار الأمريكيين وغيرهم للتخلص من هذا الرمز/الأسطورة التي كادت تودي بالإسلام الحنيف؛ لا جرم أن الخيار صعباً، ومثلما يردد بعض الظرفاء: من كثرة الخوف من أن يلتقطوا عدوى فيروس التشيع، أصيبوا بسهولة بفيروسات الصهينة والأمركة كلها.

بكى كثير من الناس صغاراً وكباراً في غرفهم المغلقة بصمت مكابر، وتألم بعض الشيوخ والعجائز كما لم يتألموا منذ فقدوا أمهاتهم وآبائهم قبل سنين طويلة.

أحس الصغار والكبار على السواء باليتم، ولسبب ما اعتدنا جميعاً أن نرى في الراحل سبباً للأمل أو اليأس ورمزاً للخير أو الشر.

ومهما ساءت الأمور فإن هناك، سراً أو علناً، ذلك الهاتف الذي يعلمنا بأن الأمور ستعود إلى نصابها بفضل وجود هذا المسيح/المهدي/المخلص الذي يعيش، خلافاً للدين والأسطورة، بيننا بالفعل.

أما أعداء الرجل فقد رأوا فيه ذراعاً قوياً فتاكاً في خدمة الشيطان، وفي التآمر على الإسلام.

البعض بالطبع ظل مقتنعاً حتى اليوم الأخير أن "حسن" كان يعمل في خدمة إسرائيل وأمريكا، وأنه كان يتآمر على المقاومة الفلسطينية بأجنحتها المختلفة.

ليس صعباً في أي حال أن نجد الدليل على أية قضية نريد إثبات صدقها خصوصاً إذا لم نكن نقصد بالدليل المعنى الصارم الذي ينسبه له المناطقة وفلاسفة العلم. هناك فريق ثالث منا هو الفريق الأكثر طرافة وهو الفريق الذي أطلق على الشهيد لقب "حسن زميرة".

هؤلاء استهانوا طوال الوقت بما فعله الرجل بصفته قائد المقاومة اللبنانية منذ العام 1992.

لسبب ما كانوا يريدون منه تحديداً أن يحضر لهم "لبن العصفورة" ملفوفاً بأفخر أنواع القصدير الموشى بالذهب، كان مطلوباً منه أن يهزم إسرائيل بالضربة الفورية القاضية، ومطلوباً منه وحيداً دون العرب أو المسلمين جميعاً أن يحارب إسرائيل الآن وهنا، وإلا ثبت بالدليل القاطع أنه خائن أو أنه ظاهرة صوتية كاذبة مثلما تقول دعابة حسن زميرة الواسعة الانتشار.

على الرغم من ذلك يشكل رحيل السيد مشكلة في المستويين الفردي والجمعي: يستشعر الناس فراغاً هائلاً لا يعرفون كيفية مواجهته.

الفريق الذي يرى الراحل شيطانا أسود بعيون حمر وقرون معقوفة يعمل من أجل تدمير الإسلام هدفاً حصرياً لا شريك له، أو يعمل لتدمير الإسلام والتآمر على الأمة سياسياً في آن واحد، إضافة إلى الفرع الثالث الذي وجد في الحزب وقائده مادة للتندر بخصوص ضرب العمود أو أعماله "المشينة" في سورية، هذا الفريق بأطيافه المختلفة سيعاني فراغاً رهيباً لوقت طويل نسبياً في تفسير الشر الأخلاقي والديني والسياسي بعد رحيل رمز ذلك كله "نصر اللات أو زميرة".

ما العمل بعد أن تركنا ذلك الشيطان لمصيرنا القاتم نبحث عن تفسير لعدم نهوض الإسلام أو عدم وجود من يقاوم إسرائيل وأمريكا بعد أن غاب الممثل المدعي الذي كان يتظاهر بأنه يقاتلها، فنكتشفه بعبقريتنا ونعرف انه ممثل مدع وكاذب وأنه في الحقيقة متآمر معها! لكن بعد غيابه لا بد لنا من إيجاد من نتهمه، خصوصا أن توجيه اللوم إلى القيادات العربية التقليدية لم يعد مجدياً لأنه لا يمكن اتهامها بأي حال بأنها تتظاهر بمعاداة إسرائيل بينما تتعاون معها سرا: لقد سرقت الأنظمة العربية تلك البهجة التي كنا نحس بها ونحن "نكتشف قبل ربع قرن أن العرب يتظاهرون بمعادة إسرائيل بينما يحبونها سراً.

حسناً العرب يحبون إسرائيل سراً وعلنا ولا يضيرهم في شيء اتهامهم بحب إسرائيل لأنهم يتبجحون بذلك الحب ويعتزون به على رؤوس الأشهاد.

وهذا مدمر "لصناعة" التظاهر بالذكاء التي تقوضها "صراحة" العرب الرسميين في ولائهم لأمريكا وعشقهم لإسرائيل. هكذا تبدو خسارة "نصر اللات" لا تعوض، لأنه كان يدعي أنه يعادي الاستعمار ويقاتله، وكنا نجد لذة كبيرة في تحليل نفاقه وتظاهره، ونثبت أنه جبان أو عميل متخف أو عدو خبيث للإسلام يشكل خطرا جسيماً على ستنا "عايشة" وسمعتها وسمعة الصحابة جميعاً.

في الجانب الآخر من المجتمع العربي نجد الذين تيتموا على نطاق واسع؛ وهم خليط ممن كان يؤمن بالسيد إيماناً مطلقاً، وبين من كان ينظر إليه على أنه بصيص الأمل المتبقي في ليل عربي حالك السواد أو الذين يختلفون معه -ومع الشيعة عموماً- عقائدياً ولكنهم يرون أنه لا بد من الثناء على مشروعه المقاوم للاحتلال، ويجمع بين هؤلاء جميعاً أنهم تعودوا انتظار ظهور السيد ليمد لهم حبل النجاة كلما تقطعت بهم السبل.

كان مسيحاً مخلصاً موجوداً على مدار الساعة ليزرع الأمل كلما تصحرت الدنيا وانقطع المطر كله.

لذلك ظل الكثير من الناس يحتفظون بمقدار من الثقة بأن الأمور ستصل في النهاية إلى مآل حسن مهما كان ما يجري في غزة أو حتى في لبنان محبطاً وداعياً إلى اليأس الشامل. وعندما نفذت إسرائيل حملة الاغتيالات الواسعة في الأسابيع والأيام القليلة التي تلت تفجيرات "البيجرز" غضب الكثير من الناس وحزنوا وارتفع صوتهم باللوم والعتاب الموجه كله نحو السيد؛ لكنهم جميعاً كانوا على ثقة بأن السيد سيصوب الأمور بشكل أو بآخر، لأنه المخلص الذي لن يعييه أو يعجزه شيء.

بداهة أن المعسكر المعادي نظر إلى الاغتيالات على أنها الماصدق المؤكد لدور نصر اللات الخياني في التآمر على المقاومة الفلسطينية واللبنانية على السواء.

وقد أسقط في يدهم بداهة عندما اتضح أن الراحل كان عدواً حقيقياً للاستعمار، وأنه قد استشهد بالفعل.

الأهم طبعاً مثلما قلنا هو أن كثيراً من محور التفكير والنشاط الإعلامي والثقافي وأنشطة مواقع التواصل الاجتماعي قد تركزت سنوات كثيرة على هذا المخلص/الشيطان الذي عليه أن يفعل المعجزات الخارقة للعقل من وجهة نظر عشاقه ومريديه، بينما عليه أن يتحمل مسؤولية الشرور التي تقع في المنطقة كلها من وجهة نظر خصومه وكارهيه.

على هامش اللوحة المقسومة بعدالة حسابية كبيرة يتواجد تيار "حداثوي" أو ليبرالي لا ينكر صراحة ما قام به السيد على امتداد ثلاثين عاماً، خصوصاً في سنوات التحرير 1996-2006 ، ولكن هذا التيار لا ينقصه الذكاء لاكتشاف ما اكتشفه التكفيريون قبله: يكتشف أن نصر الله في النهاية شيعي وأنه متعاون مع نظام الملالي، وأنه، بالطبع، غير عقلاني وغير علماني...الخ، ولا بد "للمخلص الحقيقي" أن يكون علمانيا وليبراليا، وربما يجدر به أن يكون من الفريق الذي يتلقى التمويل الأوروبي للقيام بالتدريبات المعروفة في التعليم والجندر وطرق التفكير الناقد وحقوق الإنسان.

هذه ألف باء الأمور التي تجعل المرء حساساً للدم والمعاناة، عقلانياً لا ينساق وراء أوهام المقاومة. وهذا الفريق الثالث سيكون سعيداً لفترة طويلة بتذكيرنا طوال الوقت: "ألم أقل لكم إن هذا الموت المجاني المجنون لا فائدة منه؟؟؟ وأن هذا الرجل مثل غيره من رجال الدين لا علاقة له بالعقل والعلم والحكمة والمعرفة لكي يصل بنا إلى نتيجة إيجابية؟" لن يرحمنا هؤلاء من شماتتهم وانتفاخ أوداجهم بانتصارات نتانياهو التي يتوجها اغتيال الشيطان/المخلص الظاهرة الفريدة على الأقل خلال الخمسين الأخيرة. لكن المشكلة أن فرحتهم لن تطول بسبب أن إسرائيل ستتوسع بشكل سريع في تنفيذ هجوم التطهير في الضفة في حال نجحت حقاً في تحجيم المقاومة بعد غياب رمزها العظيم. وليس ما نقوله هنا مساوياً للقول بأن إسرائيل ستنجح حقاً.

ذلك أن الساحر الذي شغل الناس في منطقتنا عقوداً كثيرة سلباً وإيجاباً ترك وراءه بناء عظيماً قد لا يسهل على الأعداء أن يهدموه.

ولكننا أحببنا فقط أن ننبه أصدقاءنا "الحداثيين" أن يعتدلوا في شماتتهم لأنها قد تقود إلى حمل أمتعتهم قريباً إلى البصرة أو كندا عما قريب.