الأربعاء  02 تشرين الأول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عام على النزوح.. نازحون من جنوب لبنان لـ "الحدث": العدو يراهن على وهم والسرّ في إرادتنا

2024-10-02 03:04:48 PM
عام على النزوح.. نازحون من جنوب لبنان لـ
جنوب لبنان

خاص الحدث - ماري نصر الله

منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، انخرطت المقاومة اللبنانية في معركة طوفان الأقصى، مقدمةً دعماً حاسماً للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الصهيوني. وقد أسفرت هذه المواجهات عن تدمير واسع لمنازل القرى الحدودية في جنوب لبنان، مما أدى إلى نزوح جماعي من هذه المناطق. وفقاً للتقارير، فإن غالبية النازحين، أي حوالي 93% منهم، ينحدرون من ثلاثة أقضية حدودية رئيسية، حيث يشكل سكان بنت جبيل 48%، وسكان مرجعيون 33%، وسكان صور 12% من إجمالي النازحين.

توزع النازحون على خمس مناطق رئيسية، حيث لجأ 31% منهم إلى قضاء صور، و17% إلى قضاء النبطية، و15% إلى صيدا، و9% إلى بعبدا، و7% إلى بيروت، بينما توزعت النسبة المتبقية على مناطق أخرى. وبالرغم من التحديات الكبيرة التي فرضتها عملية النزوح، بما في ذلك فقدان المأوى والموارد الأساسية، فقد أظهر هؤلاء النازحون قدرة استثنائية على الصمود والتكيف، واستطاعوا أن يحولوا النزوح من حالة ضاغطة على المقاومة لما يحفها من تحديات اجتماعية واقتصادية، إلى وجه آخر من أوجه الصمود الذي جعل من هؤلاء الأفراد عصبا أساسيا في تعزيز قدرة المقاومين على الاستمرار في معركتهم.

أجرت "صحيفة الحدث"، مقابلات مع مجموعة من النازحين، لتسليط الضوء على مواقفهم وتجاربهم بعد مرور عام على التهجير القسري من أراضيهم. ليتضح من هذه اللقاءات أن النازحين، بالرغم من الألم والخسائر الكبيرة التي عانوها، قد تمكنوا من أن يعكسوا مستوى عال من الثبات والعزيمة في مواجهة الأزمات من جهة، وتحويل ألمهم الذي راهن عليه العدو إلى باب آخر من أبواب المقاومة.

النزوح من الجنوب: تجربة وآراء 

يقول الأستاذ محمد باقر جابر، النازح من قرية بني حيّان الجنوبية إن تجربة النزوح التي عاشها كانت قاسية ومؤلمة، حيث اضطر لترك منزله وأرضه التي هي جزء من هويته وتاريخه، ذلك أن شعور الفقد لم يكن محدودًا بالممتلكات المادية فقط، بل امتد إلى ذكرياته التي تحملها تلك الأرض، والأمان النفسي الذي يوفره الانتماء إلى الجذور.

ويضيف: "رغم ذلك، لم يسمح لهذا الألم أن يكسر إرادته؛ بل أصبح دافعًا للمقاومة والصمود"، موضحا أن التهجير لم يسلبه هويته ولا كرامته، بل زاده إصرارًا على العودة. 

وبحسب جابر، فإنه رغم كل المعاناة التي فرضها النزوح، إلا أنه وجد في هذه التجربة فرصة لاكتشاف قوة جديدة في داخله إذ أوضح أن "الانتقال إلى مكان جديد كان مليئًا بالتحديات، سواء من حيث التكيف مع ظروف الحياة الجديدة أو من حيث فقدان الإحساس بالاستقرار. لكن، كأبناء هذه الأرض، تعلمنا أن الصمود ليس خيارًا، بل ضرورة. فكل خطوة نخطها بعيدًا عن قريتنا هي خطوة نقترب بها من العودة، وكل يوم نعيشه في الغربة يزيدنا إيمانًا بأن الحق لا يضيع ما دام خلفه أصحاب حق يطالبون به بإرادة لا تلين".

من جانبها قالت الصحافية رولا عطوي النازحة من بلدة الخيام، إنّ النزوح القسري تجربة مؤلمة تجبر الفرد على ترك حياته السابقة والبدء من جديد في بيئة غير مألوفة.  وإنها اضطرّت إلى التأقلم مع ظروف جديدة، سواء كان ذلك على مستوى الإقامة أو العمل أو العلاقات الاجتماعية.

وبالنسبة لها، فإن "العودة إلى الحياة الطبيعية ليست بعيدة، بالرغم من أنها تعيش في حالة من اللا-استقرار النفسي والمادي. لكن ما يمنحها القوة هو الأمل بالعودة يوماً ما إلى بلدتها، حيث ترتبط ذاكرتها بكل تفاصيل حياتها السابقة".  

بدوره، قال النازح من مدينة بنت جبيل قاسم بيضون: "بقينا في مدينتنا عدة أشهر وعندما اشتد القصف في المدينة، اضطررت إلى المغادرة قسرا حماية لعائلتي".

وأضاف: "ترك المنزل والذكريات كان بمثابة حدث صعب ومع هذا كله لم نترك الجنوب أي أننا نزحنا من الجنوب إلى الجنوب".

الاحتلال يراهن على كسر إرادة الجنوبيين ولكن...

اتفق جميع ضيوف التقرير على أن الرهان الإسرائيلي على كسر إرادة الشعب الجنوبي، أمر لا يمكن تحقيقه، إذ أن الصمود جزء من المقاومة والمواجهة في هذه المعركة. فالعدو طالما عمل على كسر إرادة الشعب الجنوبي معتقدا أن قد يلوي ذراع المقاومة بالضغط عليه، لكنه تفاجأ بأن لهذا الشعب صلابة لا يمكن كسرها وهي تزيد من قوة المقاومة في سيرها نحو تحقيق النصر في هذه المعركة.

وفي هذا السياق أوضح بيضون أنّه في كل الحروب التي شنها العدو الاسرائيلي على لبنان، حتى في هذه الحرب التي قاربت السنة عمل على كسر إرادة الشعب اللبناني بشكل عام والجنوبي من القرى الحدودية بشكل خاص، وما أعمال القتل والتهجير التي مارسها وما زال، إلا لكي تتزعزع علاقتنا بالمقاومة، لكن رغم المخاطر التي تطالنا كجنوبيين إلا أننا متأكدون من أن دماءنا لن تهون على المقاومة ونحن على ثقة بردها على استهداف المدنيين وهذا ما وعدنا به السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني. 

وتابع: "العدو حاول إيهامنا بأن الجنوب كله لم يعد آمنا وأن الحرب لم تعد تقتصر على القرى الأمامية فقط، لكن، رغم الضربات والقتل والاغتيالات سنبقى ثابتين في أرضنا ولن يستطيع أن يزعزع من عزيمتنا أو ثنينا عن خيار المقاومة".

من جانبه، أكّد الأستاذ محمد باقر جابر أنّ "إسرائيل" قد تراهن على كسر إرادة الشعب الجنوبي، لكنها تراهن على وهم، وقال: "شعبنا مرّ بتجارب قاسية على مر التاريخ، ولم تنجح أي قوة في إضعاف عزيمته أو تفتيت وحدته، وعملية طوفان الأقصى ليست مجرد حدث عابر، بل رمز لإصرارنا على الدفاع عن أرضنا وحقوقنا". وأردف: "النازحون من القرى الحدودية هم جزء من هذا النسيج المقاوم، الذي لا يخضع للضغوط أو التخويف. إسرائيل قد تملك القوة المادية، لكنها تفتقر إلى الفهم العميق لإرادة الشعوب. إرادة الشعب الجنوبي، المتجذرة في الأرض والتاريخ، لا يمكن أن تُكسر مهما طال الاحتلال أو اشتدت الظروف".

أمّا الصحافية رولا عطوي فقد بيّنت أنّ العدو الإسرائيلي دائماً ما حاول كسر إرادة الشعب الجنوبي، لكنه لم ينجح في ذلك. فالمقاومة من خلال دفاعها المستمر، أظهرت أن الإرادة الشعبية لا تُهزم بسهولة.

وأضافت أنّ النازحين من القرى الحدودية يحملون إرادة قوية، ويعود الفضل في ذلك إلى الدعم المستمر من المقاومة التي ترسل رسالة واضحة للعدو بأنه مهما طال النزوح أو زاد الضغط، فإن الإرادة الجنوبية لن تُكسر. لذلك، الرهان الإسرائيلي على كسر إرادة النازحين هو رهان خاسر.

مقوّمات صمود بيئة المقاومة 

 وعن مقومات الصمود الراسخة والتي ساهمت في بقاء بيئة المقاومة صامدة في وجه الاحتلال وعدوانه يرى الأستاذ محمد باقر جابر أنّ التهجير القسري ليس هزيمة أمام العدو، بل هو اختبار لقوة إرادتنا وصمودنا. فالعدو يعتقد أن بإمكانه إخضاعنا من خلال تدمير بيوتنا وتجويعنا، لكن ما لا يفهمه هو أن الصمود لا يعتمد فقط على الماديات. مقومات الصمود تتجذر في إيماننا بقضيتنا وعدالة مقاومتنا. مضيفا أن "الدعم الاجتماعي، سواء من الأهل أو من الشعب اللبناني ككل، لعب دورًا كبيرًا في تعزيز وحدتنا وتماسكنا. كذلك، دور المقاومة في رعاية النازحين وتأمين احتياجاتهم الأساسية كان حاسمًا في الحفاظ على البيئة الشعبية. وأكد جابر على أن التهجير لم يكن إلا وقودًا لمزيد من العزيمة، وأكد للعالم أن المقاومة ليست مجرد رد فعل، بل إرادة شعب لا يعرف الانكسار.

وأردف جابر: "التهجير القسري، وإن كان مليئًا بالألم والحنين، هو شهادة حية على أن أرواحنا متشبثة بتلك الأرض التي لم نتركها إلا مجبرين. نعم، فقدنا البيوت والأرزاق، لكننا لم نفقد الأمل. في كل خطوة خارج القرية، حملنا ترابها في قلوبنا، وكأننا نسير ونحن نحمل وطنًا كاملاً في صدورنا".

وتابع: "العدو قد يحاول طمس هويتنا وسلب حقنا، لكن جذورنا ضاربة في أعماق الأرض، لا تُقتلع. الصمود هنا ليس مجرد بقاء جسدي، بل هو حياة في كل خفقة قلب، هو حلم العودة الذي لا يموت. هذا التهجير ليس هزيمة، بل وعد بالرجوع، وصوت يقول للعالم: سنعود أقوى، وأرضنا ستحتضننا من جديد".

ووفقا لجابر: "في أحلك الظروف، بزغ نور الأخوة والتضامن من أهل القرى الذين فتحوا بيوتهم وقلوبهم لإخوانهم النازحين. كأن الأرض التي ضاقت بنا في الجنوب، وجدت امتدادها في أرواح هؤلاء الطيبين، الذين لم يروا فينا عبئًا أو ثقلًا، بل رأونا جزءًا من أنفسهم. كرَمهم كان أكثر من مجرد خبز ومأوى، كان دفئًا إنسانيًا يُداوي جراح التهجير ويُعيد إلينا الإحساس بالانتماء. لم نشعر بالغربة بينهم، بل كانوا لنا عزوة وملاذًا، كأنهم يقولون لنا: "أنتم هنا بين أهلكم، والجنوب كلّه بيت واحد". هذا الاحتضان الأخوي هو سر من أسرار صمودنا، وشعلة تبقى متقدة حتى نعود جميعًا إلى أرضنا الأم".

واتفق معه النازح قاسم بيضون الذي بيّن أن أبرز مقومات الصمود تتمثل في "العقيدة والإرادة" التي يمتلكها الشعب الجنوبي، وقال: "نحن نواجه عدوا أشبه بالغدة السرطانية، وأن المقاومة أصبحت أسلوب حياة لدى الجنوبي، كما أننا بيئة ترعرعت على مقولة إن إسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام، والوفاء للمقاومة هو دين علينا، المقاومة التي تدافع عن وجودنا أولا وكرامتنا ثانيا علينا أن نكون البيئة الحاضنة لها في الحرب والسلم".

وبحسب بيضون، فإن "التهجير لا يعد هزيمة بل هو جزء من هذه المعركة وهنا يجب الالتفات إلى المعادلة التي فرضتها المقاومة، صحيح هناك أكثر من مئة ألف نازح لبناني لكن بالمقابل هناك مئة ألف مستوطن تركوا مستوطناتهم، في السابق كان الجنوب وحده يعاني بينما شمال فلسطين المحتلة يعيشون بشكل طبيعي، اليوم المعادلة تغيرت نحن نتهجر هم يتهجرون نحن نُقتل هم يقتلون".

بين جنوب لبنان وغزة: قواسم مشتركة وأوجه شبه

في هذا الجانب أكدت الصحافية رولا عطوي أنّ التضحيات التي يقدمها الشعبان اللبناني الجنوبي والفلسطيني الغزي متشابهة في جوانب كثيرة. إذ أن كِلا الشعبين يعيشان تحت تهديد مستمر، وكلاهما تعرضا للتهجير، وكلاهما يحملان إرادة لا تنكسر، وبيئة المقاومة هي القاسم المشترك، حيث يتحد الشعبان في مواجهة عدو مشترك يسعى إلى سلب حريتهم وأرضهم. مشيرة إلى أن "هذه القضية أكبر من حدود جغرافية؛ إنها قضية كرامة وحرية لكل الشعوب التي تقاوم الاحتلال".

من جانبه، تطرّق الأستاذ جابر إلى القواسم المشتركة بين الشعبين، التي تتجاوز في رأيه التجربة، فكِلا الشعبين عاشا أوقاتًا عصيبة من النزوح القسري، حيث أجبروا على ترك منازلهم وأراضيهم تحت وطأة الصراع والاحتلال. لكن في قلب هذه التجارب المرة، ينبثق نمط مشترك من العطاء والتضامن الذي يميز كلا منهما.

ويرى جابر أنه على المستوى العقلاني، يتجلى هذا التشابه في القدرة على إعادة بناء المجتمعات من الصفر، حيث يسعى كل شعب إلى تأسيس حياة جديدة في ظروف شديدة الصعوبة. التنظيم الاجتماعي والقدرة على تشكيل شبكة دعم محلية تسهم في تيسير التكيف مع الظروف الجديدة تعد دليلًا على الإرادة الصلبة والرؤية الاستراتيجية لدى كلا الشعبين.

أما على المستوى العاطفي، يرى جابر أن القواسم المشتركة تتجسد في الشعور العميق بالفقدان والألم، والذي لا يُترجم فقط إلى معاناة فردية بل إلى إصرار جماعي على المقاومة والعودة. إذ يشترك الشعبان في الحلم بمستقبلٍ يعيد لهم كرامتهم ويحقق أمانيهم في العودة إلى ديارهم والتخلص من العدو المغتصب والكيان المتغطرس. هذا الإحساس بالوحدة في المعاناة يعزز الروابط بين الشعبين، مبرزًا قوى الأمل والصمود التي تربط بينهما، ويعكس بشكل مؤثر كيف يمكن للألم أن يولد قوة ورغبة في العطاء غير المحدود.