الحدث- الاناضول
اعتبر خبراء عرب ودوليون التجارب التي أجرتها إسرائيل حول استخدام القنبلة الإشعاعية، على مدى السنوات الأربع الماضية، وأعلنت عنها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مؤخراً، بمثابة "بطاقة صفراء" (إنذاراً) نوويا، ترفعه تل أبيب بوجه جيرانها في المنطقة، فضلاً عن كونه "استعراضا للقوة، وقياساً لمدى فاعلية هذه القوة النووية، وإمكانية استخدامها لمواجهة أي خطر يهددها مستقبلاً".
ونشرت "هآرتس" المحسوبة على اليسار الإسرائيلي تقريراً قالت فيه إن تل أبيب أجرت سلسلة تجارب لفحص آثار وأضرار استخدام القنبلة الإشعاعية، في إطار مشروع أطلق عليه "الحقل الأخضر"، نُفّذ على مدى أربع سنوات، بأيدي باحثين في مفاعل ديمونا النووي جنوب إسرائيل، ونقلت عن العلماء الذين شاركوا في البحث أن "التجارب جاءت لأهداف دفاعية، ولم تقم على فرضية تعنى بإمكانية الهجوم باستخدام عبوات متفجرة من هذا النوع".
ورغم أن إسرائيل اتبعت "سياسة الضبابية" في عدم تأكيد أو نفي هذه الأخبار، وفق "هآرتس"، غير أن الصمت الرسمي إزاء الإعلان عن الأمر، فتح باب الاحتمالات حول طبيعة هذه التجارب، والرسائل التي تحملها سواء للرأي العام الإسرائيلي، أو العالم الغربي والمنطقة العربية.
موردخاي كيدار، عضو معهد بيجن للدراسات الإستراتيجية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، عقب في اتصال هاتفي مع مراسلة الأناضول على الموضوع بقوله "ليس هناك أي دافع لتطوير السلاح النووي الإسرائيلي"، رافضاً تأكيد أو نفي ما ذكرته هآرتس "لا نغير سياسة استمرت على مدار 50 عاماً من عدم التعليق على أي شيء يمس أمن إسرائيل".
كيدار المقرب من الدوائر الأمنية الإسرائيلية تحدث في السياق ذاته عما وصفه بـ"محاولات تبرير الاتفاقات مع إيران بالحديث عن امتلاك إسرائيل لسلاح نووي، رغم أن إسرائيل لا تتكلم عن التجارب النووية، حتى أنها لم تعلن وجود نية لذلك، وكل ما هنالك مفاعل نووي وحيد يستخدم للأغراض البيئية والزراعية، بإشراف الأمم المتحدة".
إلا أنه اختتم بما بدا كرسالة ضمنية قائلاً "هذه التجارب تقلق العالم، وتجعله يتكهن، وهو الأمر الذي يشبه الإنذار لبقية الدول العربية بأن إسرائيل تستطيع الحفاظ على أمنها من أي خطر".
ويتزامن الإعلان عن قيام إسرائيل بهذه التجارب، مع مساع دول مجموعة (5+1)، الدول الخمس الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وألمانيا، على الوصول إلى اتفاق نهائي مع طهران حول الملف النووي لها، بحلول نهاية يونيو/حزيران الحالي.
منصور عبد الوهاب، أستاذ الدراسات الإسرائيلية ورئيس قسم اللغة العبرية بكلية الألسن جامعة عين شمس (مصرية، حكومية) أشار إلى أن "قيام إسرائيل بتجارب لفحص آثار وأضرار القنبلة الإشعاعية، لا يعدو كونه استعراض قوة من جانب إسرائيل، فهي لا تستطيع استخدام السلاح النووي في المحيط القريب منها، لأنها تدرك أن الجانب الإشعاعي من الممكن أن يضرها، وليس أدل على ذلك من اختيار الجنوب لوضع مفاعل ديمونا، لإدراكها أن أي انتشار نووي من شأنه التأثير على المنطقة، وبالتالي لن تقترب من المناطق المتاخمة مثل سيناء والجولان والأردن".
غير أن منصور عاد ليفتح الباب أمام إمكانية استخدام إسرائيل للسلاح النووي بقوله "إذا طورت إسرائيل سلاحا نووياً لا ينتقل بالريح ويمتاز بمحدودية مكان الضرب، حينها يمكن أن تستخدمه في حال اندلاع حرب شاملة"، مشدداً على أن "تل أبيب لن تستخدم هذا السلاح النووي إلا في حال إحساسها بأنها تباد، وهو ما يجعلها تقوم بتلك التجارب لتقيس مدى قوتها فعليا، لمواجهة أي خطر يهدد أمنها".
وأوضح أن "إسرائيل فقط تحاول بالإعلان عن هذه التجارب إنذار الجميع، وإشهار بطاقة صفراء في وجه الجيران العرب، بأنها لن تسمح بأي خطر يهددها، كما تريد أن يشعر المواطن الإسرائيلي بأن هناك دائماً حالة حرب من جهة، وأن إسرائيل لها اليد الطولى في السلاح النووي، وتسعى لحفظ أمن مواطنيها من حالة الحصار الإقليمي العربي الإسلامي من جهة أخرى".
وأكد منصور "ومع كل هذا فإن إسرائيل لن تقوم بتطوير أي سلاح نووي في هذا التوقيت، وحتى وإن فعلت فلن تستخدمه، فمن جهة لن يسمح لها المجتمع الدولي، ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة ترى أهمية أن يبقى امتلاك طهران لسلاح نووي فزاعة للخليج والدول العربية لاستمرار تدفق أموال الخليج لمنظومة التسليح في الولايات المتحدة"، على حد قوله.
وحول توقيت الإعلان عن هذه التجارب، رأى أحمد سعيد نوفل أستاذ العلوم السياسية بجامعة اليرموك (أردنية، حكومية) أنه "مرتبط بلا شك بالاتفاق النووي الأمريكي الإيراني، وهذا يحمل رسالتين؛ أولاهما ألا تشعر إيران ودول إقليمية بأن إسرائيل بعيدة عما يحدث، وبما أن الملف النووي خرج عن سيطرتها، فهي تسعى للدخول على الخط بالإعلان عن وجودها في هذا الملف، أما الثانية فهي أن إسرائيل تريد أن تشعر الرأي العام الداخلي أنها تمتلك القوة للدفاع عنه، خاصة أن الناحية الأمنية تشكل أولوية لدى الإسرائيليين".
وبالتزامن مع الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في مارس/آذار الماضي، شن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هجوما على الولايات المتحدة ودولا أخرى بسبب ما قال إنه "تخلي" عن محاولة منع إيران من الحصول على سلاح نووي، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة من رئيس الوزراء حينها لـ"توظيف المخاوف من تسلح إيران نووياً ضمن حملته الانتخابية".
وفي الوقت الذي قلل فيه نوفل من أهمية تأثير الإعلان عن هذه التجارب على دول المنطقة، بسبب "انشغال داخلي يدفع دول مثل مصر والعراق وسوريا إلى عدم القدرة على التركيز مع إسرائيل في الوقت الراهن"، قال الخبير الأردني، إن "القيام بالتجارب نفسها، قد يكون له تأثير على دول مثل الأردن، حيث أن الغبار النووي، في حال تطوير تل أبيب لهذه التجارب، يمكن أن يصل إلى جنوب الأردن".
لكن نوفل استبعد تلك المخاوف مرجحاً أن "إسرائيل ستأخذ في الاعتبار ألا تثير عليها العالم، وستعمل على ألا تؤثر تجاربها النووية على دول الجوار".
وفي تقريرها الأخير كشفت هآرتس أن التجارب التي حملت عنوان "الحقل الأخضر" استخدمت فيها 20 عبوة متفجرة، بأوزان تتراوح بين ربع كيلوغرام، و25 كيلوغرام، تضمنت المادة الإشعاعية تكنسيوم M99، المستخدمة في الصناعات الطبية.
وجرت تجربة أخرى سميت "البيت الأحمر"، تحاكي زرع مادة إشعاعية في مكان مليء بالناس، ولكن دون انفجار، بحسب تقرير الصحيفة العبرية.
منذر سليمان، مدير مركز الدراسات الأمريكية والعربية (غير حكومي) في واشنطن ذهب إلى أن "نتنياهو وحلفاءه كانوا يجعلون الملف النووي الإيراني في الصدارة الإعلامية، كي ينحو الضوء عن قضايا أخرى، لكن لا نستطيع أن نغفل أيضاً أن الإعلان عن هذه التجارب يحمل رسالة استعراض للقوى، مفادها أن إسرائيل تستطيع تدمير منطقة الشرق الأوسط بالأسلحة النووية إذا أرادت، حتى وإن كان هذا غير حقيقي".
أما عن اختبار أثار وأضرار القنبلة الإشعاعية، فهو عادة يكون إما وقائي وإما هجومي، على أنه في الحالتين يشكل تطوراً نوعياً في امتلاك أسلحة غير عادية، ففي الوقت الذي تجرى فيه هذه التجارب تقوم إسرائيل أيضاً باختبار مدى قوة الأسلحة الإشعاعية لديها، وهو ما يشبه المحاكاة لإمكانية تعرضها لهجوم إشعاعي، الأمر الذي وصفه سليمان بأنه "اختبار متعدد النوايا".
ورأى الخبير الدولي أن الإعلان عن هذه التجارب "سيشكل حافزاً إضافية لدى الدول العربية لأن تعلن المنطقة خالية من السلاح، أو أن تسعى لامتلاك مفاعلات نووية، في سباق تسلح نووي غير تقليدي".
وتداولت تقارير إعلامية غربية وأخرى عربية، احتمال قيام السعودية بصنع قنبلة نووية لمواجهة إيران، في حال قامت الأخيرة بالتسلح نوويا، وهو الأمر الذي لم يؤكده أو ينفيه وزير الخارجية السعودي عادل الخبير، حينما كان سفيراً لدى واشنطن، مكتفياً بالقول "المملكة العربية السعودية، سوف تتخذ كل الإجراءات الضرورية لحماية أمنها".
وأوضح أن "هناك أمران لا نفاوض عليهما.. وهما إيماننا وأمننا".