تعرضت إيران للإذلال السياسي العلني: اغتيل اسماعيل هنية على أراضيها على رؤوس الأشهاد أثناء مشاركته في تنصيب بزشكيان رئيساً.
وبينما كانت القيادة تلعق جراحها وتفكر في طريقة ملطفة للرد دون استفزاز الولايات المتحدة وإسرائيل جاء اغتيال نصر الله مع قائد إيران عسكري كبير ليطم الوادي على القرى. يبدو أن القيادة في طهران لم تجد مفراً من مواجهة الحقيقة العارية: إن إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة تتبجح مستندة إلى تفوقها التقني والنووي، وتستعرض أمام القاصي والداني عجز إيران عن الفعل. وهذا ما أقنع طهران بأن وقت امتلاك النووي قد أزف بالفعل.
قبل أيام وقع زلزال خفيف غربي البلاد، ويرى عديد من الخبراء أن الزلزال لا يشبه الزلازل كثيراً. وهو ما فتح الباب للتكهن بأن إيران قد أجرت تفجيراً نووياً.
بداهة أن ذلك لا يعني ان السلاح النووي قد أصبح في يدها من النواحي العملية، لكنه دشن الطريق القصير لامتلاك قوة الردع الضرورية في مواجهة التهديدات الأمريكية التي لا يوقفها مثلما أثبت الماضي البعيد والقريب على السواء إلا وجود قوة نووية قابلة للاستخدام مثلما هو الحال في كوريا الشمالية التي تعدها أمريكا أهم المارقين على الإطلاق. تدرك إيران بالطبع أن صورايخ أريحا 3 إضافة الى طائرات اف 35 يمكن أن تستخدم في عمليات قد ترقى إلى مستوى تدميري عالي، ويمكن لصاروخ أريحا 3 بالذات المتمتع بمدى 6500 كم، أن يحمل رؤوساً نووية، وهو ما يعني أن اسرائيل لا تفتقر الى الأدوات لضرب ايران نووياً على الرغم من أن السياق السياسي قد لا يكون ملائماً لفعل ذلك.
تظل اسرائيل بالطبع قوية جداً برعاية القوة الأسطورية للولايات المتحدة، بينما تقف إيران دون حليف دولي مهم. ومن المعروف أن روسيا قلقة من التصعيد الإيراني في مواجهة اسرائيل وأمريكا لأنه قد يحرمها من شراء الصورايخ والمسيرات الإيرانية، وهكذا يبدو أن حليف إيران الكوني يبدو في حاجة للأسلحة أكثر مما هو قادر على تقديمها.
ومهما كانت قدرات الصين الحقيقية، فإنها ما تزال بعيدة عن أداء أي دور نشط في الصراعات الكونية وتكتفي بالمناوات السياسية والإعلامية في المحافل الدولية المختلفة بما في ذلك ما يجري قرب حدودها في تايوان أو بحر الصين. من ناحية أخرى نجحت إسرائيل فعلاً في استغلال أدوات التجسس في توجيه ضربات مهمة لرأس حربة "محور المقاومة" عن طريق استهداف قيادات حزب الله وبعضاً من مخازنه على السواء.
لكن المواجهة البرية التي تلت ذلك على نطاق استهلالي أو استطلاعي أثبتت أن قدة الحزب على القتال الفعال الشجاع الذي أذهل العالم سنة 2006 لم تتأثر كثيراً.
وقد اتضح مرة أخرى أن التفوق الإسرائيلي الجوي الحاسم لا يمكن أن يتمدد ليصل البر الذي يظل الميدان المفضل لحركات المقاومة دون شك.
إذن تظل قوة المقاومة اللبنانية ذخراً استراتيجياً جوهرياً في المواجهة الراهنة، كذلك يمكن لأنصار الله أن يوسعوا ضرباتهم ذات الفاعلية المتوسطة باتجاه أهداف متعددة، وهذا ما ينطبق على الفصائل العراقية، لكن إيران نفسها تظل بطبيعة الحال القوة الرئيسة في هذه المواجهة، ولسنا نعلم مقدار الاتساع الذي قد تصل إليه الضربات الإيرانية التي يمكن أن تشمل في حال اضطرار إيران آبار النفط خصوصاً في السعودية والإمارات بما يشكل ضغطاً كبيراً على أوروبا لمحنا باكورته في انتقاد ماكرون "جرو" السياسة الأمريكية لمواصلة تزويد إسرائيل بالسلاح الأمر الذي جر عليه نقداً واسعاً وجارحاً من إسرائيل والولايات المتحدة.
وبطبيعة الحال فإن إسرائيل نفسها ستتعرض لوابل من الصواريخ الإيرانية التي لا يعرف بدقة مقدار الأذى أو التدمير في البنى العسكرية أو التحتية الذي يمكن أن تحققه والذي قد يكون مؤثراً بالفعل. المواجهة ليست سهلة أبداً.
ونميل إلى افتراض أن الولايات المتحدة تخشى من استفادة المارد الصين من اندلاع مواجهة شاملة في المنطقة وتوظيفها لإضعاف الولايات المتحدة على مستوى المنطقة والعالم، ولعل التخوف الأمريكي من هذه النقطة وغيرها هو ما يفسر التراخي، أو التأني الإسرائيلي على الأقل في توجيه الضربة إلى إيران.
وليس هناك أحد في واشنطون ومعسكر خبرائها العسكريين والاستراتيجيين من هو على يقين بأن إيران لقمة سائغة للالتهام مثلما كان العراق على سبيل المثال ولذلك يخشى الكثير منهم أن الانخراط في صراع تدميري مع إيران قد يكون بداية النهاية لنمو المشروع الصهيوني وقد يكون لحظة الانحدار الأولى في الهيمنة الأمريكية الكونية.