الحدث: يمكن تسمية العدوان أو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بأنها حرب كاشفة بمعنى الكلمة :
1- كشفت الحرب ان الدم الفلسطيني بات يُوظَف من طرف محاور عربية وإقليمية في صراعها على قيادة وزعامة الشرق الاوسط ، وهو ما يعطل التوصل لهدنة مشرفة تنقذ أرواح الفلسطينيين وتنقذ المشروع الوطني ، فالخلافات بين المحاور العربية والإقليمية ليس تنافسا على من يحمي الفلسطينيين ولحماية المشروع الوطني ، بل على مستقبل قطاع غزة بعد الحرب ، ولأي محور سيخضع : المحور المصري أم المحور التركي القطري ؟ .
2- كشفت الحرب حقيقة الأنظمة العربية حاضرا ، ومهزلة الحروب العربية ماضيا ، حيث يصمد الفلسطينيون في قطاع غزة ذي المساحة 360 كيلو مترا مربعا لثمانية عشر يوما أمام أكبر جيوش الشرق الأوسط ، بينما انهزمت ثلاثة جيوش عربية أمام نفس الجيش خلال ستة أيام في حرب 1967 .
3- كشفت الحرب أن الانظمة العربية والإسلامية لا يمكنها أن تقدم للفلسطينيين أكثر من بيانات الاستنكار والإدانة وبعض المساعدات المالية والتي تمثل نقطة من بحر اموالها وإمكانياتها المالية الهائلة ، ويجب الكف عن مناشدة هذه الانظمة أو المراهنة عليها ، وبدلا من ذلك يجب المراهنة على الذات الوطنية.
4- كشفت الحرب فشل جهود المغرضين من سياسيين وإعلاميين عرب ، أولئك الذين شيطنوا الشعب الفلسطيني ، وحاولوا اصطناع قطيعة بينه وبين الشعوب العرب ، حيث تحركت الجماهير العربية مجددا لتؤكد على التحامها بفلسطين وبالمقاومة الفلسطينية ، حتى وإن كان التحرك محدودا.
5- كشفت الحرب أن إسرائيل ليست بالدولة المحصنة من الهزيمة ، بل يمكن هزيمتها ، ليس بمعنى القضاء عليها ، ولكن بما يجبرها على احترام الفلسطينيين ومنحهم حقوقهم بدولة مستقلة في حدود 1967 .
6- كشفت الحرب استمرار التحيز الامريكي والأوروبي الرسمي لإسرائيل . فما كانت إسرائيل تستمر بالوجود ، وما كانت تقوم بحروبها العدوانية وجرائمها بما فيها الاخيرة على غزة ، لولا دعم الولايات المتحدة والغرب لها ، سواء بالمال والسلاح او من خلال التغطية على جرائمها ، بتحصينها من أي عقوبات دولية .
7- كشفت الحرب وأكدت تحيز الامم المتحدة لإسرائيل ومحدودية الشرعية الدولية في إنصاف الشعب الفلسطيني ، حتى ما سُميَ بانتصار عضوية فلسطين في الامم المتحدة لن تكون له قيمة له دون تحرك شعبي والصدام المباشر مع الاحتلال .
8- كشفت الحرب خطورة الخلافات الفلسطينية ، وغياب استراتيجية فلسطينية للمقاومة والتصدي للاحتلال ، ولو كانت هناك مصالحة حقيقية لما جرى لغزة ما جرى ، أو على الاقل لكانت المعركة أخذت معنى وسياق مختلف .
9- كشفت الحرب ان المصالحة الحقيقية ، ووضع حد للانقسام لن يتحققا من خلال جلسات حوار عبثية ، او بوساطة هذه الدولة أو تلك ، بل من خلال وحدة ميدانية للشعب تفرض الوحدة السياسية على القيادات ، وهذا ما يجري اليوم من خلال تحرك اهلنا في الضفة والقدس وداخل الخط الاخضر وفي الشتات.
10- كشفت الحرب حقيقة الجماعات الدينية التي ترفع شعارات الجهاد من داعش والقاعدة إلى مئات التنظيمات الاخرى ، ومن يقف وراء هذه الجماعات ويمدها بالسلاح . كيف يُعقل أن هذه الجماعات بما تملك من إمكانيات مالية و عسكرية هائلة مكنتها من احتلال مدن في سوريا والعراق وخوض حروب لعدة سنوات ، كيف يُعقَل أو يُفهَم أن هذه الجماعات لا تحرك ساكنا تجاه المجاز التي تجري في قطاع غزة وتجاه ما يجري في القدس ؟ ! .
الكتائب المسلحة لهذه الجماعات ترابط في سوريا والعراق ولبنان وسيناء وربما في الأردن ، وعلى الحدود مباشرة مع إسرائيل ، وتملك صواريخ اكثر تطورا ومدى من الصواريخ التي تملكها فصائل المقاومة الفلسطينية ، فما الذي يمنعها من تخفيف المعاناة عن قطاع غزة بفتح جبهة في شمال إسرائيل ؟ . في ظني الامر لا يعود لقلة الإمكانيات بل لغياب الإرادة ، إرادة هذه الجماعات وإرادة الدول التي تمدها بالمال والسلاح ، وهي ذات الدول التي تصرخ وترفع صوتها عاليا منددة بالعدوان الإسرائيلي ومتباكية على اهالي غزة ، وتعمل على التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية والتأثير على مجريات الهدنة ، وتوظيف معاناة اهالي غزة لتحقيق مكاسب لأجندتها الخاصة ومواجهة خصومها السياسيين إقليميا.
بعد كل ذلك هل سنستوعب الدرس ونؤمن بأنه (ماحك جلدك مثل ظفرك) وأن العالم لا يحترم الضعفاء وفاقدي الإرادة ، وأن الشرعية الدولية و والمفاوضات وحدهما لن يمنحانا دولة ، كما أن الدول العربية والإسلامية ، وبغض النظر عما ترفع من شعارات ، لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها. فهل سنحافظ على وحدة الشعب التي تحققت ميدانيا أم سنعود بعد وقف دوي المدافع للانقسام والاتهامات المتبادلة ، ونعود اسرى المحاور والأجندة الخارجية ؟.