تُجار مقدسيون: لسنا المنتفعين من زيارات العرب للقدس.. وأسعارنا غير منافسة لجذب السُياح
الحدث - محاسن أُصرف
"ليس هناك نصوص لا في القرآن ولا في السنة ولم يحصل في التاريخ أن أحداً أو مفتياً من المفتين أو قاضياً من القضاة أو رجل دين حرم زيارة القدس، التي وقعت تحت احتلالات كثيرة ولم يأت شخص يقول حرام عليكم زيارة القدس"، بهذا النص طالب الرئيس محمود عباس العرب خلال القمة العربية الثالثة والعشرين في بغداد 2012؛ بزيارة القدس لدعم صمود أهلها.
وأحدثت الدعوة وقتها جدلاً واسعاً، انقسم الفلسطينيون والعرب على إثره لفريقين أحدهما مؤيد للدعوة وآخر معارض باعتبارها خدمة مجانية للاحتلال بتطبيع علاقاته السياسية مع العرب، لكن ذلك لم يمنعهم من الوصول إلى القدس، ووفق ما أظهرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن الأعداد صادمة وبدأت تأخذ شكل الظاهرة العامة وسط قبول ورضا إسرائيلي، مشيرة إلى أن العام الماضي 2014 شهد وصول (26.6) ألف زائر من أندونيسيا، وقُرابة (3300) من المغرب، وحوالي (9000) زائر من ماليزيا و(23)ألف زائر من تركيا و(17.7)ألف زائر من الأردن، وحسب الصحيفة فإن الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية تُشجع الزيارة مستندة إلى فتاوى سياسية صادرة عن جهات إسلامية في هذا الصدد.
طوق نجاة
واعتبر الكاتب الإسرائيلي نير حسون، زيارة العرب والمسلمين لمدينة القدس مكسب للاقتصاد الإسرائيلي، ووصفها في مقال له نُشر في صحيفة هآرتس مطلع إبريل الماضي بـ"طوق النجاة" للسياحة الإسرائيلية حيث أسهمت الدول الإسلامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي وإنعاشه بعد حالة الركود التي شهدها خلال العام 2014 بسبب الحرب على قطاع غزة.
تطبيع وخدمة مجانية
وعلى النقيض يرى رئيس الحركة الإسلامية بالداخل المحتل عام 48، الشيخ رائد صلاح، أن زيارة العرب والمسلمين للقدس والمسجد الأقصى وهم قابعين تحت الاحتلال خدمة مجانية لإسرائيل وتأكيد على تطبيع العلاقات العربية السياسية معها"، وقال في تصريح مقتضب لـ "الحدث" أنها: "تُكرس واقع السيطرة الإسرائيلية الباطلة على المدينة ومرافقها"، مُبيناً أن الفلسطينيين من مختلف بقاع العالم هم الأحق بزيارة القدس ومن واجبهم دعم صمودها.
وفي سياق متصل رأى الناشط المقدسي فخري أبو دياب، أن زيارة العرب والمسلمين للقدس والتشجيع الرسمي لها عبر فتاوى سياسية، هدفها التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأكد لـ"الحدث" أن تلك الزيارات لا تدعم القدس ولا سُكانها بل تدعم الاحتلال اقتصادياً وتُشرعن وجوده ومكانته أمام المجتمع الدولي، وبيَّن دياب من واقع معايشته في المدينة المقدسة ورؤيته للوفود العربية والإسلامية، أن كثيراً من المسلمين لا يقضون أكثر من يومين في أحسن الحالات لزيارة المسجد الأقصى ومرافق القدس التاريخية والحضارية، مما يجعل الاستفادة من أموالهم المنفقة لأغراض التسوق من القدس قليلة، وتابع أن زيارتهم تكون دينية بالدرجة الأولى ومن ثمَّ يقضون باقي أيام زيارتهم في المناطق التي تُسيطر عليها إسرائيل مما يجعل استفادتها من أموالهم أعلى وأجدى لخزينتها.
كسر عزلة الاحتلال
فيما أشار الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، راسم عبيدات أن الزيارات العربية المتواترة للمدينة المقدسة والتي تجاوز عدد القائمين بها الـ(80 ألف) سائح من مختلف بقاع الدنيا، تُسهم في كسر العزلة السياسية العالمية والعربية عن الاحتلال الإسرائيلي، وتُحسن صورته أمام العالم، كونه يُظهر له عكس الصورة الواقعية بإبعاد المسلمين عن الأقصى وحرمان المصلين من إقامة شعائرهم داخل المسجد الأقصى، وتابع: "يأتي السماح بالزيارات لتحقيق هدف سياسي خبيث خاصة في ظل امتلاك الاحتلال لمعظم المرافق والفنادق التي يُمكنها استقبال السُيّاح"، مشدداً على ضرورة التنبّه له وإيجاد سبل داعمة للقدس وسكانها بعيداً عن الزيارات التي ترعاها شركات السياحة الإسرائيلية، واقترح عبيدات استمرار إقامة المعارض التجارية لتسويق المنتجات والبضائع المقدسية بما يُحقق عائداً للتُجار يُمكنهم عبره الاستمرار بالصمود.
لسنا المنتفعين
ويبدو تُجار المدينة الأكثر تضرراً من تلك الزيارات، إذ شكى التاجر خالد تفاحة، (45عاماً)، لـ"الحدث" من سوء الحالة الاقتصادية في المدينة، وعدم إقبال السيّاح على بضاعته بفعل توجيهات الأدلاء السياحيين الإسرائيلين، وقال الرجل الذي يملك حانوتاً لبيع الهدايا والتحف التذكارية في البلدة القديمة، نحاول تخفيض الأسعار لجذب المتسوقين لكن لا نفلح في استمرار التخفيض، مؤكداً أن الالتزامات المالية التي تفرضها سلطة الاحتلال من ضرائب وتضييق على التُجار، تُجبرهم على عدم منافسة أسعار الحوانيت الإسرائيلية في القدس الغربية، وقال: "إضافة إلى عمل الأدلاء الإسرائيليين يقوم التُجار بعروضات خاصة على بضائعهم بأنصاف الأسعار مما يُشجع السائح على الشراء والتنزه بعيداً عن القدس".
ويصف التاجر تُفاحة تلك السياسة بـ"الخبيثة" ما يجعله يقف موقف الرافض من زيارة العرب والمسلمين للقدس قائلاً: "أموالهم التي ينفقونها تذهب لخزينة الاحتلال ولا نستفيد منها إلا نادراً".
استفادة ضئيلة
وفي ظل تحريض الأدلاء السياحيين الإسرائيليين، السُيّاح على عدم الشراء من الأسواق العربية في المدينة المقدسة فإن اقتصاد تُجارها سيبقى مراوحاً مكانه، بل وسيزداد انخفاضاً، ووفق مدير جمعية التُجار المقدسيين حسن الحروب، فإن زيارات الآلاف من العرب والمسلمين لا تؤتي ثمارها في دعم اقتصاد المدينة، بل تُنمي الاقتصاد الإسرائيلي، قائلاً: "غالباً، الشركات الإسرائيلية هي من تُنظم الرحلات، وبالتالي فإنها تستأثر بالسُياح وتجذبهم إلى أسواق القدس الغربية التابعة إدارتها لحكومة وخزينة الاحتلال بشكل مباشر".
وفي هذا السياق يُشير الخبير الاقتصادي، د. معين رجب، إلى أن الحالة التي عليها المدينة المقدسة من حصار وإطباق الإغلاق بينها وبين مدن الضفة الغربية وعزلها عن محيطها الإسلامي والتاريخي والحضاري، لا تجعل سبيلاً للاستفادة الاقتصادية من زيارات الوفود العربية والإسلامية لها، وقال: "تولي شركات السياحة الإسرائيلية لتلك الرحلات وتوجيهها يجعل الاستفادة ضئيلة جداً للفلسطينيين وعظيمة للبنية التحتية الاقتصادية والسياحية الإسرائيلية"، لافتاً أن ذلك يتم عبر تنشيط عملية الشراء، وإدخال العملة الصعبة للاقتصاد الإسرائيلي لقاء خدمات الإقامة في الفنادق أو التسوق من الحوانيت أو ركوب المواصلات الإسرائيلية، قائلاً: "كل ذلك يتم بتوجيه منظم من المرشد السياحي الإسرائيلي".
بالاستثمار ممكن
مدير الغرفة التجارية الصناعية العربية بالقدس، فادي الهدمي، ورغم عد اختلافه في الرأي عن سابقيه في عدم استفادة القدس اقتصادياً من الزيارات العربية والإسلامية التي باتت تُشكل ظاهرة عامة، وفق هآرتس العبرية، إلا أنه أوضح أن تحقيق الفائدة الاقتصادية لأهل القدس يُمكن أن تحدث بالاستثمار العربي فيها، بما يُوجد حالة من التنافسية مع الخدمات التي تُقدمها المرافق والحوانيت اليهودية في القدس الغربية للسُياح الوافدين إليها، وشدد في اتصال هاتفي مع "الحدث"، أن فرص الاستثمار بالمدينة كبيرة خاصة في ظل واقعها الحضاري والتاريخي، وقال: "الاستثمارات من شأنها تحقيق حالة من الإنعاش الاقتصادي للمدينة"، ودعا الهدمي، إلى ضرورة توفر إرادة صلبة وقرار سياسي حازم بدعم صمود المدينة أولاً، ومن ثمَّ استثمار القيمة التنافسية للمدينة لتحقيق إنعاشها.