صافي الإقراض يستنزف الموازنة العامة وارتفع في السنوات الخمس الأخيرة
قيمتها الإجمالية 44 مليار شيقل منها 9,8 مليار دين محلي 4,9 مليار دين خارجي
تضارب وتشابك هائل في الأرقام وعدم شفافية ديون السلطة على الجهات المختلفة
للبقاء على عمل السلطة فإنها تحتاج 1.4 مليار شيقل شهريا يتوفر منها 700 مليون وتعاني من عجز شامل بنفس القيمة تقريبا شهريا
تسوية صافي الإقراض والتحويلات الطبية تقلص من مشكلة العجز والدين العام البالغ 700 مليون شيقل شهريا
تقدر قيمة الفوائد التي تدفعها الحكومة للبنوك بنحو 400 مليون دولار سنويا
"إسرائيل" تحتجز 7.3 مليار شيقل من أموال المقاصة وترفض تحويل أكثر من 900 مليون شيقل عائدات السلطة من ضريبة المغادرة على المعابر منذ سنوات
على الحكومة إعلان حالة الطوارئ والحركة الوطنية مسؤولة مسؤولية جماعيا فيما يخص الأزمة المالية
دعوة لوقف ملاحقة ومطاردة ورصد إصلاح "لن تجدوه" في السلطة الفلسطينية
الحدث – إبراهيم أبو كامش
تكشف البيانات الرسمية لوزارة المالية بأن إجمالي قيمة الدين العام والمتأخرات المستحقة على الحكومة الفلسطينية حتى شهر حزيران الماضي وصلت حدا غير مسبوق؛ إذ بلغت 44 مليار شيقل ما يعادل حوالي (11,2) مليار دولار ما بين المتأخرات والالتزامات والموردين والدين العام الداخلي والخارجي، منها 14,8 مليار شيقل دين محلي وخارجي، في حين يستمر صافي الإقراض باستنزاف الخزينة والمال العام والذي بلغت قيمته الإجمالية حتى نهاية العام 2023 (1,342) ومن المتوقع أن يرتفع إلى 1,5 مليار شيقل مع نهاية العام الحالي، وبالمجمل فإن استمرار استنزاف الإيرادات المالية للسلطة الفلسطينية يهدد قدرة حكومتها على الإيفاء بالتزاماتها، ما يستدعي وضع الخطط الجدية لمعالجتها ووقف تراكمها.
أما الديون التي للحكومة، فهي دينها على دولة الاحتلال من خلال أموال المقاصة والتي تبلغ 7.3 مليار شيقل لغاية شهر 10/2024 وهي استحقاقات مالية محتجزة بقرار الكنيست والكبينيت الإسرائيليين وجزء منها محول للنرويج وجزء آخر ما زال محتجزا إلى حين حل الأمر.
وبالنتيجة نجد أن الديون المتراكمة على السلطة الفلسطينية هي أعلى بكثير من الديون التي لها، وعلى افتراض أنها تمكنت من تحصيلها فلن تنجح من حل أزمتها المالية، ولكن على الأقل إن حصلتها فإنها تخلق نوعا من الحوكمة وتنجح في وقف نزيف المال العام.
ديون الحكومة ما لها وما عليها
وبهذا الصدد يؤكد الباحث المالي والاقتصادي مؤيد عفانة، أنه بعد تسلم حكومة د. محمد مصطفى مهامها، فإن مجموع الالتزامات والدين العام على السلطة الفلسطينية وصل إلى حوالي 44 مليار شيقل منها 14,8 مليار شيقل (دين محلي قيمته 9,8 مليار شيقل ودين خارجي 4,9 مليار شيقل). وباقي الديون فهي عبارة عن متأخرات القطاع الخاص حوالي (2) مليار شيقل، وموظفي الحكومة (4) مليار شيقل، صندوق هيئة التقاعد والمعاشات (11) مليار شيقل، والبنوك، وجاري مدين دوار، إذ يبلغ صافي المتأخرات التراكمي 15,7 مليار شيقل وهذا كله يثقل كاهل الحكومة.
السلطة بحاجة إلى موازنة فقط لإدارة فائدة ديون البنوك
ويشير عفانة إلى أن هناك مديونية واضحة في تقرير الدين العام للسلطة، حيث عملت إعادة جدولة في 30/11/2023 وحصلت على قرض مجمع جديد يصل سقفه إلى 2,5 مليار شيقل ولكن الإشكال أن السلطة تسدد ولكن هي مضطرة للاقتراض من جديد من خلال جاري مدين دوار من أجل دفع رواتب الموظفين أو السيولة وهذا يرهقها في أسعار فائدة عالية، لذا فإن السلطة حاليا بحاجة إلى موازنة فقط لإدارة فائدة ديون البنوك.
ويقول عفانة إن "السلطة منذ ثلاثة أشهر لديها التزام برفع مستوى دفع الرواتب إلى 3500 شيقل كحد أدنى وهذا غطى 70% من الموظفين براتب كامل، أما بالنسبة لسداد البنوك فهي التزمت به منذ شهر تموز الماضي ولكن للحقيقة فإن فاتورة الرواتب كاملة تبلغ 1 مليار شيقل ما بين الرواتب وأشباهها.
ويوضح: "يأتي للموازنة من المقاصة 350 – 400 مليون شيقل في أحسن الأحوال، إضافة إلى منحة الاتحاد الأوروبي 300 مليون شيقل، وبالتالي يبقى الرقم مجزوءا، وحتى تستطيع السلطة إعطاء 70% من الرواتب بحد أدنى 3500 شيقل، فإنها بحاجة إلى 850 مليون شيقل بالضبط، فقد دفعت السعودية 10 مليون دولار ما قيمته 38 مليون شيقل، إضافة إلى دعم من الجزائر والعراق وكل ذلك يبقى السلطة بحاجة إلى أن تستكمله من خلال جاري مدين دوار.
أما الديون التي للحكومة فهي دينها على دولة الاحتلال من خلال أموال المقاصة؛ فهناك 7.3 مليار شيقل لغاية شهر 10/2024 وهي استحقاقات مالية محتجزة بقرار الكنيست والكبينيت الإسرائيليين وجزء منها محول للنرويج وجزء منها ما زال محتجزا إلى حين حل الأمر. وهناك ديون أخرى لصالح السلطة وهي على الهيئات المحلية التي لم تلتزم بدفع فواتير الكهرباء والمياه والصرف الصحي وأقدمت دولة الاحتلال على خصم قيمة هذه الفواتير من أموال المقاصة.
الخصومات والحجوزات المتعددة من إيرادات المقاصة
يذكر عفانة، بأن إجمالي الاقتطاعات (رسوم / خصميات/ حجز) من إيرادات المقاصة في العام 2023 تبلغ 4,312.2 مليون شيقل، وبالمقابل فإن إجمالي الدعم الخارجي للموازنة العامة بشقيه (الخزينة العامة والتطويري) في العام 2023 بلغ 1,315 مليون شيقل، أي إن إيرادات المقاصة المقتطعة بلغت 3.3 ضعف المنح والمساعدات الخارجية في العام 2023.
وبينما بلغت قيمة عمولة رسوم تحصيل (إسرائيل) لإدارتها المقاصة الـ (3%) من إيرادات المقاصّة في العام 2023، (313.7) مليون شيقل، فإن الاقتطاعات الإسرائيلية من إيرادات المقاصة تحت مسمى مخصصات قطاع غزة تقارب 2.55 مليار شيقل منذ بداية العدوان على غزة مطلع شهر أكتوبر 2023، وحتى شهر 7/2024، بمتوسط 255 مليون شيقل شهريا.
وفيما يتعلق بالاقتطاعات الإسرائيلية تحت مسمى مخصصات عائلات الشهداء والأسرى فقد بلغت منذ شهر 2/2019 وحتى شهر 7/2024، 3.48 مليار شيقل، بمتوسط 53.5 مليون شيقل شهريا، وما زالت إسرائيل تحتجز هذه الأموال وترفض الإفراج عنها.
ويقول عفانة: "إلى جانب احتجاز ما يعادل مخصصات قطاع غزة، ومخصصات عائلات الشهداء والأسرى التي بلغت 6.03 مليار شيقل؛ ما زالت إسرائيل ترفض تحويل عائدات السلطة الوطنية الفلسطينية من ضريبة المغادرة على المعابر باتجاه الأردن والتي تراكمت منذ سنوات وتجاوزت 900 مليون شيقل، ليصل المبلغ الكلي للاقتطاعات ما يقارب 6.93 مليار شيقل".
صافي الإقراض يستنزف المال العام
ويلاحظ الباحث عفانة، أن صافي الإقراض وهو ما تخصمه دولة الاحتلال من إيرادات المقاصّة في العام 2023 بدل أثمان المياه (392.8) مليون شيقل، وبدل أثمان الكهرباء (1,053) مليون شيقل، في حين تم خصم (108.8) مليون شيقل، بدل خدمات مياه الصرف الصحي، لافتا إلى أن قيمة صافي الإقراض في العام 2023 بلغت (1,342) مليون شيقل.
ويتوقع عفانة، بأن قيمة الخصم لهذا العام ستكون أكبر، واصفا ذلك بالإشكال الكبير "فلك أن تتخيل أن يخصم 1,5 مليار شيقل تقريبا في عام 2024 مقابل عدم دفع أو تسديد الشركات والبلديات والهيئات المحلية ما عليها من ديون للحكومة وخزينتها العامة. وتبعا لبيانات وزارة المالية فإن المبلغ الإجمالي التراكمي للسطة الفلسطينية من حصة ضريبة المغادرة بلغ 900 مليون شيقل".
ويؤكد عفانة، محاولة الحكومة إلزام البلديات من خلال ضريبة الأملاك التي تجبيها وتحصل على 10% منها مقابل 90% للبلديات مما خلق خلطا هائلا في الأرقام.
ويكتشف عفانة، وجود تضارب في الأرقام المأخوذة من وزارة المالية ومن البلديات حيث ذكرت الأولى أن دين إحدى البلديات بلغ 93 مليون شيقل بينما ذكرت البلدية نفسها أن دينها يبلغ 60 مليون شيقل، مدعية البلدية أن رئيس الوزراء أو وزير الحكم المحلي وعدها بإعفائها من الدين أو جزء منه.
وأشار إلى أن هناك ديونا للسلطة على شركات التوزيع حيث بدأت دولة الاحتلال بخصم رسوم الكهرباء من المصدر وتطالب السلطة بالتخالص مع شركات التوزيع، كما أن هناك ديونا للسلطة على شركات التأمين وحوادث السير مع الإسرائيليين حيث يتم الاقتطاع من أموال المقاصة وهذا الأمر يحتاج إلى متابعة، وفق عفانة.
ويرى عفانة، بأن دولة الاحتلال استسهلت الخصم من المقاصة وأصبح الخصم موجودا طوال الوقت، مدعيا أن هناك تشابكا هائلا في الأرقام وعدم الشفافية فيما يتعلق بديون السلطة على الجهات المختلفة.
وينتقد عفانة بشدة وجود مئات نقاط الربط الكهربائي، وقال: "الأصل أن تكون نقاط الربط في فلسطين عبارة عن نقطة ربط واحدة أو أربع نقاط بحكم وجود شركة النقل الوطنية للكهرباء، ولكن حقيقة يوجد حاليا في فلسطين 250 نقطة ربط وهذه تخلق إشكالية كبيرة في تتبعها من قبل السلطة.
ويستنتج عفانة، بأن الديون التي على السلطة قطعا هي أعلى بكثير من ديونها، ولكن على الأقل إن حصلت ديونها تخلق نوعا من الحوكمة ويتم وقف نزيف المال العام، لذا يجب تسوية هذه الأمور، فهي في ضائقة مالية شديدة وبحاجة لكل شيقل متاح لها.
كما ويستنتج، بأن إيرادات المقاصّة أضحت العمود الفقري للموازنة العامة، وهي تشكل ثلثي الإيرادات العامة، و(75%) من إجمالي الإيرادات الضريبية، والتطور الكمي في إيرادات المقاصة مطرد وكبير وميله موجب، الأمر الذي يستوجب شفافية أعلى في هذا الملف الجوهري.
صعب حل المتأخرات وأزمتها حلا كاملا
ويرى الخبير الاقتصادي د.نصر عبد الكريم، أنه من الصعوبة بمكان حل قضية المتأخرات وأزمتها حلا كاملا في ظل استمرار الأوضاع الحالية والاحتلال، لكنه يقول: "يمكن التخفيف من أزمتها نتيجة إصلاح مالي يتحدثون عنه منذ سنوات بدون ما نراه أو نلمسه، وبالتالي فإن البداية هنا تكمن في الإصلاح على الأقل من أجل وقف النزيف والمتأخرات وتراكمها ووقف الدين العام.
ويضيف: "طالما يوجد احتلال هناك خصم مقاصة، وبالتالي توجد أزمة سيولة ناجمة عن قيام دولة الاحتلال بخصم المستحقات زورا وبهتانا، لكنها لا تلغي حقوقنا فيها عندما تتم تسويتها لاحقا، أما الأزمة المالية فهي قائمة ومستدامة منذ تأسيس السلطة لأن ظروف نشأتها لا يمكن ومن المستحيل أن تعمل إلا في ظل أزمة مالية، حيث إنها تعاني من عجز مالي دائم في موازنتها يقدر بـ 100 مليون دولار في الشهر، ولذلك لدينا أزمة سيولة تضاعفت وتراكمت على الأزمة المالية وهي جزء من الأزمة المالية ورفعت سقفها".
ودعا عبد الكريم إلى ضرورة أن يتم التعامل مع الأزمة المالية بمشاركة كل مكونات المجتمع وقطاعاته وفئاته، مبينا بأن أزمة السيولة طارئة ولكن الأزمة المالية قديمة، فأزمة الأولى هي تعبير عن همجية وقرصنة الاحتلال لأموالنا واستجدت نتيجة لخسارتنا لأموالنا ويجب أن تدرجها وزارة المالية تحت مستحقات محتجزة – دين عام على الكيان الصهيوني، هذه أزمة سيولة وحقوق لنا ستعود إذا ما أحسنّا إدارة المال العام.
ويؤكد أن المتأخرات التي تقدر بحوالي 14 – 15 مليار شيقل، مضرة وتجفف السيولة وتصبح قدرة الموظف على الإنفاق أقل عندما لا يتلقى راتبه، ونفس الأمر عدم تلقي الهيئات المحلية مستحقاتها من ضريبة الأملاك والضرائب الأخرى التي تجبيها السلطة بالنيابة عنها ما يعني إنفاقا أقل، وكذلك المستشفيات وهيئة التقاعد تحد من قدرتها على الاستمرار.
ويستنتج د. عبد الكريم بقوله: "نحن أمام مصير مستقبل في خطر، بسبب اختلال العدالة الاقتصادية والاجتماعية في توزيع الأعباء والموارد والفرص، حيث إن الإجراءات الضريبية الحالية تحابي القطاع الخاص وتحتاج إلى إعادة نظر وإلغاء قانون تشجيع الاستثمار والذي يمكن استبدالة بحوافز إدارية وتسهيل الإجراءات لهم.
ويشدد د. عبد الكريم على وجوب ترشيد النفقات "قد يبقى حجم الإنفاق كما هو لكن يجب أن يوزع بشكل أكثر عدلا وحسب أولويات وأوراق المجتمع".
أوقفوا مطاردة إصلاح لن تجدوه
وقال د. عبد الكريم: "ملاحقة ومطاردة ورصد جهود الإصلاح في السلطة الفلسطينية يجب أن تتوقف، فالإصلاح ليست مسؤولية وزارة المالية وإنما من أجل أن تكون للإصلاح نتيجة جدية لها مقدمات ابتداء من الإصلاح السياسي الذي يهرب منه الاتحاد الأوروبي ومن ثم إصلاح تشريعي ومن ثم إصلاح مؤسسي ومن ثم إصلاح إداري ومن ثم إصلاح مالي".
وأضاف مستدركا: "الإصلاح يعني مصالح مراكز قوى، صراع على مزايا يعني خسارة طرف ومكسب طرف آخر، الإصلاح له علاقة بترتيب الأولويات والخيارات وهذه بدون ضغط وإصلاح سياسي ديمقراطي وممر إجباري لأي إصلاح لا يمكن أن تحصل".
وانتقد عبد الكريم، بشدة غياب الضغط السياسي الذي يجب أن يتشكل على أي حد من أجل إحداث إصلاح، كما انتقد القوى السياسية والأحزاب والمجتمع المدني والمفكرين المغيبين وغيبت/وغيبوا أنفسهم عن الشأن الداخلي، فالإصلاح يحتاج لقوة أو قوى تلزم المالية بالكشف عن ما عملته الوزارة.
تأثير المتأخرات على الدورة الاقتصادية
ويتفق د.شاكر خليل – أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح، مع الآخرين على أن الإصلاح المالي هو آخر حلقة من حلقات الإصلاح يجب أن يسبقه إصلاح سياسي وتشريعي وقانوني وإداري، ولكنه يعتقد أن الحكومة يمكنها العمل وتحقيق إنجاز فيه ولا مبرر لها أن لا تقدم على ذلك، وهو صافي الإقراض والتحويلات الطبية التي تستنزف مبالغ ضخمة وهائلة من أموال المقاصة على أهمية الأمور الأخرى.
ويرى أن خطورة متأخرات القطاع الخاص ورواتب الموظفين تظهر مشكلة حقيقية في تأثيرها على جودة الخدمة والإنتاج وغيرها الكثير من الأمور، وبالتالي ينعكس تأثيرها على دورة عجلة الاقتصاد والتي يستعاض عنها نسبيا بتمويلها من مدخرات القطاع الخاص ومتأخرات الموظفين ومن خلال فوائد البنوك وبعض المساعدات التي تتلقاها الحكومة.
ولكنه كان أكثر دقة في تناول أرقام المتأخرات والدين العام، ويقول: "من أجل أن تبقى السلطة تعمل فإنها بحاجة إلى 1.4 مليار شيقل شهريا، وما يتوفر منها حاليا على أساس نقدي تقريبا 700 مليون شيقل وعمليا لدينا عجز شامل تقريبا بقيمة 700 مليون شيقل شهري، وهذا يتطلب العمل على تسوية صافي الإقراض والتحويلات الطبية التي تقلص من مشكلة العجز والدين العام".
كما تطرق د. خليل، إلى ما يعانيه الاقتصاد نظرا للنقص في السيولة الحالية بسبب منع حوالي 200 ألف عامل من الوصول إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر وتقدر مداخليهم الشهرية تقريبا بـ 1,3 مليار شيقل، وفقدان السوق المحلية من تسوق أهلنا في فلسطين المحتلة 48 الذين تقدر قيمة تسوقهم من الضفة الغربية بحوالي 1,4 مليار شيقل.
حجب المتأخرات يضاعف من خطورته على الاقتصاد
ويرى د. خليل، أنه من أجل تغطية هذا العجز فإن وزارة المالية تلجأ إلى عدة أمور أولها متأخرات القطاع الخاص، وقال: "تقليص كبير جدا في حجم متأخرات القطاع الخاص، وهذا له خطر كبير حقيقي على الاقتصاد لحجبه عنه، وتقوم الحكومة بتغطية هذا العجز من خلال اقتراضها من الموظفين بفوائد صفرية بعدم دفعها رواتبهم كاملة (كأنها تمول جزء من الخزينة من رواتب الموظفين وجزء آخر بالاقتراض من البنوك إذ تقدر قيمة الفوائد التي تدفعها للبنوك بحوالي 300- 400 مليون دولار سنويا، وهذا له سلبيات على الخزينة العامة والاقتصاد".
حجم التزامات الحكومة كدين عام ومتأخرات
وأفاد د. خليل، بأن حجم التزامات الحكومة كدين عام ومتأخرات يبلغ ما مجموعه 30.6 مليار شيقل (8.3 مليار دولار) لغاية شهر 6/2024، مفصلة كالتالي (حسب بيانات وزارة المالية، 2024): 15.742 مليار شيقل متأخرات (للموظفين والقطاع الخاص)، 14.865 مليار شيقل دين عام (محلي وخارجي)، منها محلي (للبنوك): 9.882 مليار شيقل، وخارجي: 4.983 مليار شيقل.
ويعتبر د. خليل، أن هذا الرقم كبير جد وصادم، "حيث تبلغ نسبة هذا الرقم (8.3 مليار دولار) 56% بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (14.77 مليار دولار)، لأن الاقتراض يذهب لتمويل ليس من ورائه عائد مستقبلي كنفقات رواتب وأخرى، وهذا سيؤدي بالطبع إلى تراكم المشكلة وتفاقمها عبر الزمن بحيث ستكون هناك أعباء مستقبلية على الاقتصاد الفلسطيني".
وصلنا مرحلة معالجتها تحتاج تدخلا غير تقليدي
وبرأي د. عزمي الشعيبي – مستشار الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، فإنه "لو استجابت الحكومة لتوصيات الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة قبل 10 سنوات كنا اليوم في وضع مختلف سواء في صافي الإقراض أو غيره وكان وضعنا اليوم أقل سوءا، حيث وصلنا إلى مرحلة لا يمكن معالجتها بالإصلاح التقليدي حيث أصبحت الأزمة بحاجة إلى تدخل غير تقليدي وحتى يمكن تحقيق ذلك يجب على الحكومة إعلان حالة الطوارئ، ومن المؤسف أن السلطة حتى اليوم وفي ظل حرب الإبادة في غزة لم تعلنها، لذلك فإن الإرادة السياسية أساسية في خطوات الإصلاح ومراحله، كما أنه لا أحد من القوى والأحزاب السياسية يولون اهتماما بالموازنة وما يجري فيها، فالحركة الوطنية مسؤولة مسؤولية جماعية فيما يخص الأزمة المالية".
نقص السيولة لدى الشركات والموردين يحد من قدرتهم على التنمية وتطوير استثماراتهم
ولا ينفي طارق مصطفى - مدير عام الموازنة في وزارة المالية، خطورة الأثر البالغ والكبير للمتأخرات على موردي السلع والخدمات وما تسببه في نقص السيولة لدى هذه المؤسسات والشركات، الأمر الذي يحد من قدرتها على التنمية وتطوير استثماراتها.
وقال: "ولكن نحن بدورنا ندير هذه المتأخرات بطريقة تحافظ على استمرارية عمل هذه المؤسسات والشركات التي تزود الحكومة بالسلع والخدمات، حيث نحاول أن ندفع دفعات شهرية في ظل الأزمة الحالية التي تختلف تركيبتها عن كل الأزمات المالية السابقة، فنحن نعاني من أزمة سيولة كبيرة جدا، وجزء كبير من إيراداتنا يتم احتجازها من قبل دولة الاحتلال والتي تقدر بحوالي 6 مليار شيقل، فيما تعادل قيمة متأخرات القطاع الخاص مع الرواتب تقريبا هذا المبلغ، بمعنى أنه إذا أفرجت إسرائيل عن مستحقاتنا المالية سنتمكن من تسديد التزامتنا المالية".
ويتابع مصطفى، تفاقمت أزمتنا المالية بعد الحرب بشكل كبير كثير، ونحاول إدارة السيولة بشكل نحافظ فيه على الخدمات التي تقدم للمواطنين من خلال الموظفين الحكوميين، حيث رفعنا الحد الأدنى في صرف الرواتب من 2000 – 3000 شيقل ومن ثم في آخر شهرين وصلت 3500 شيقل ورفعنا شريحة الموظفين الذين يتلقون رواتب كاملة وأصبح هناك التزام في الدوام ما يؤثر إيجابا على الخدمات التي تقدم للمواطنين بشكل أفضل، بالإضافة إلى برمجة دفعات للقطاع الخاص وتحديدا القطاعات الحيوية مثل المستشفيات وموردي الأدوية والأغذية".
تأخير على الدفعات نتيجة شح السيولة
ويرى مصطفى أن الاقتراض المصرفي ما زال ضمن السقف المسموح للحكومة به من سلطة النقد وقال: "لدينا بعض القروض الخارجية وجدت مع بداية الانتفاضة الثانية ونتعامل معها ضمن آلية معينة، في حين لدينا عملية تحاسب في الوزارة مع ديون هيئة التقاعد والمعاشات".
وبالمجمل يقول مصطفى: "وإن كانت هذه الأرقام وصلت إلى حدود عليا، لكننا لغاية الآن قادرين على أن نتعامل معها وندير هذا الدين بطريقة جيدة، كما نعمل مع الاتحاد الأوروبي على تقييم استدامة الدين وبناء موازنة تكون منسجمة مع القدرة على الاستدامة المالية والقدرة على خدمة الدين العام وهذا يشكل تحديا أساسيا لنا في الحكومة وكمالية عامة أن نقدر على بناء موازنة وفي نفس الوقت تكون محافظة على استدامة الدين أو تكون لدينا القدرة على الاستمرار في تذليل هذه التحديات".
الآليات المثلى لتسوية الأزمة المالية وأزمة السيولة
ويرى الباحث مؤيد عفانة، أن الحل الجذري للأزمة المالية التي تعانيها السلطة الفلسطينية يتطلب توفر إرادة سياسية، وتعاون ما بين كافة مكونات الشعب، وتوحيد العمل من أجل الانعتاق من السيطرة الإسرائيلية على الموارد الاقتصادية الفلسطينية، فبدون إيرادات المقاصة لن تكون هناك تسوية مهما تلقت الحكومة من دعم، ويجب أن تكون هناك أولويات في السداد، وضرورة إعداد وإطلاق استراتيجية وطنية متكاملة من أجل تحصيل حقوق الشعب الفلسطيني الاقتصادية والمالية والمغتصبة من قبل إسرائيل، تقوم على دراسة شاملة لكل مجالات العلاقة المالية بين السلطة وإسرائيل، وإطلاق حملة ضغط ومناصرة لإنفاذ الحقوق الاقتصادية، من خلال لجنة لإدارة تلك الحملة من الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص والإعلام، بما يشمل السلك الدبلوماسي والمؤسسات الحقوقية.
رفع دعوى حقوقية عالمية ضد إسرائيل وقرصنتها العلنية لأموال الشعب الفلسطيني
ويرى عفانة، أنه يجب على السلطة والحكومة رفع دعوى حقوقية عالمية ضد إسرائيل وقرصنتها العلنية لأموال الشعب الفلسطيني، وتجنيد الدول الصديقة والمؤسسات الحقوقية في هذه الدعوى. وضرورة الانفكاك الاقتصادي الفعلي عن إسرائيل، والتحول نحو آليات عمل تكفل استقلالية وحق السلطة الفلسطينية في أموالها وإيراداتها. وتعزيز المنتج الوطني، دعما للاقتصاد الوطني من جهة وتعزيز الإيرادات المحلية، والتخفيف من الاعتماد على إيرادات المقاصّة، وتفعيل المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، ومعالجة نزيف صافي الإقراض، كونه استنزافا للموازنة العامة، ويعمق من ضبابية العلاقة المالية ما بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والعمل على توفير مراقب مالي في الهيئات المحلية المرتبطة مباشرة مع الشركة الإسرائيلية المزودة للكهرباء، وغير الملتزمة بدفع المستحقات، وذلك لضمان الالتزام بدفعها، وضرورة العمل على إنفاذ قرارات الحكومة المتعلقة بربط الهيئات المحلية في نقاط ربط موحدة للكهرباء، وعدم منح أي استثناءات، من أجل الحد من تشتت هذا القطاع، وتعزيز حوكمته.
العلاج يكمن في الحل الدبلوماسي السياسي
وان كان د. نصر عبد الكريم، يتفق مع الباحث عفانة، لكنه يرى أن العلاج يكمن في الحل الدبلوماسي السياسي ولا علاقة له بشيء آخر؛ فإسرائيل ترتكب إبادة بحق شعبنا ومقدراته والعالم يتفرج وعاجز عن وقفها وإلزامها بالقوانين الدولية. كما أن الحل لا يكفي بتخفيض العجز كما حصل في السنة الماضية وإنما على الحكومة أن تعمل على تناقص العجز بنسبة 10% سنويا وعندها تلقائيا الدين العام ينقص 15% لذلك هذا يتطلب إعداد خطة لمدة عشر سنوات.
وقف نزيف صافي الإقراض للموازنة والمالية العامة
ولا يختلف د. شاكر خليل مع الآخرين في الحلول، لكنه يركز على وجوب تخفيض النفقات العامة، وصافي الإقراض والتحويلات الطبية والتأمين الصحي والنفقات التشغيلية وأشباه الرواتب، لأن المبالغ تتراكم وتزيد عبر الزمن ولا يوجد مبرر لها، بدون أن تتأثر جودة الخدمات، إضافة إلى وقف نزيف صافي الإقراض للموازنة والمالية العامة، وبالتالي يجب التركيز على بند الكهرباء في صافي الإقراض وإعادة حوكمته بشفافية، و"باعتقادي نستطيع أن ننجز في هذا الملف، وأعتقد أن الظرف الحالي لا توجد مرونة كبيرة فيه للحكومة في موضوع الضرائب نظرا لانكماش الاقتصاد ولكن على المدى الطويل يجب أن تكون هناك عدالة ضريبية أكبر وتوسيع للقاعدة الضريبية بطريقة أو أخرى، ومن المؤكد يجب أن يكون هناك تطوير لقوانين صارمة في موضوع التهرب الضريبي ويجب إعادة النظر في كيفية إدارة المشهد بما ينسجم مع الواقع الحالي".
حالة خاصة تحتاج إلى تدخل ومدخل سياسي
وفي حين يؤكد د. عزمي الشعيبي، أنه لا يمكن اليوم لأي عملية إصلاح حل مجموع الدين العام والذي وصل إلى 44 مليار شيقل، "ولذلك نحن في حالة خاصة تحتاج بالأساس إلى تدخل ومدخل سياسي لذلك فإن فكرة عدم وجود مجلس تشريعي تبقي الحالة كما هي، وبالتالي المطلوب تدخل الرئيس نظرا للحالة الاستثنائية في استمرار الوضع كما هو غير قابل للإصلاح.
ويرى د. الشعيبي، في عمليات الإصلاح التي طرحتها الحكومات المتعاقبة من حكومة رامي الحمد الله ومحمد اشتية والحالية محمد مصطفى، "بأن أوراقها مقدمة للمانحين من أجل الحصول على تمويل، لم يتم نقاشها مع أحد ولم تطرح للتنفيذ بالمعنى الحقيقي، ولكن بالأساس مطروحة من أجل أن يقولوا إنهم ملتزمون بمواقف الدول المانحة، ولذلك اليوم المطلوب أن نعمل شيئا مختلفا فنحن بحاجة إلى الإعلان عن حالة الطوارئ وعلى المسؤولين في الفصائل الفلسطينية أن يدفعوا الحكومة لاتخاذ قرار صعب خاصة أن المجلس المركزي ليس مستعدا أن يحثها على اتخاذ قرارات جريئة والتي قد يتألم منها بعض الناس الذين سيدافعون ويقاتلون عن مصالحهم".
يقول الشعيبي: "الإيرادات التي يتم جمعها كافية وحصل عليها تحسن ضخم خلال الأربع سنوات الأخيرة وأصبح الشعب من خلال دفعة الضرائب والجمارك والرسوم يمول 92% من نفقات الحكومة وليس المطلوب أكثر وإنما المطلوب إعادة توزيع جبايتها بشكل عادل بالتخفيف عن جهة وزيادة على جهة أخرى، ومن ثم إعادة توزيع عدالة في الإنفاق وفق الأولويات الوطنية.
عملية تخفيض المتأخرات أولوية في وزارة المالية
أما طارق مصطفى، فإنه يرى أن الحل يكمن في "عملية تخفيض المتأخرات والتي نعتبرها أولوية ولكن العامل الأساسي في عملية التخفيض هو مقدرتنا على الحصول على تمويل منها الإفراج عن أموالنا المحتجزة من قبل إسرائيل إلى جانب الدعم الخارجي بالإضافة إلى إمكانية الاقتراض".
كما يرى أن الحل قد يكمن في "مدى قدرة الحكومة ووزارة المالية على حشد التمويل بما يمكنها من تسديد المتأخرات، ففي كل الاجتماعات والمناسبات والمؤتمرات نطالب دائما بتشكيل جهة محكمة لأي خلافات مالية مع الجانب الإسرائيلي الذي للأسف يستخدم أسلوب البلطجة والعربدة في اقتطاع أموالنا واحتجازها، في حين نستخدم كل ما يمكننا للضغط سواء على الجانب الإسرائيلي وحتى على الدول المانحة أو الدول التي تطالبنا بتنفيذ وعمل إصلاحات، حيث نطالبهم بتحرير وإعطائنا أموالنا ومن ثم نتحدث عن الإصلاحات".