تقرير - محمود الفطافطة
تُعتبر الرقابة من أبرز صنوف المواجهة التي خاضتها السلطة الرابعة على مر تاريخها، بحيث لا تزال تُطارد العاملين في القطاع الإعلامي عبر إجراءات تعسفية مختلفة. فالرقيب قد يمنع نشر كتاب، أو يقطع بمقصه مقالة في جريدة، أو يحول دون إصدار الجريدة بكليتها أو غلقها أو اعتقال صحفي فيها أو المحرر المسؤول لها.
وشيئاً فشيئاً اتسع فعل مقص الرقيب ليتحول إلى وحش كاسر، مشحون بالرغبة في اعتراض وتفكيك كل الرسائل الاتصالية التي وجدت في نظام الشبكة العنكبوتية "الانترنت". وقد خرج موضوع الرقابة التقليدية من الغرف الضيقة التي كانت تتولى فحص المواد الإعلامية، إلى ممارسة أوسع وأشمل تهدف إلى الإحاطة بكل فعل تواصلي، وتتجه نحو فرض هيمنة لم يشهدها العالم سابقاً، حيث لم يعد هناك "عصافير" تغرَد وحدها دون رقيب يحسب أنفاسها ويقرر لها الزمان والمكان وحتى طريقة الأداء في غنائها كما يصف ذلك الخبير الإعلامي صباح ياسين.
وانطلاقاً من هذا التأسيس النظري سنركز في هذا التقرير على الرقابة الذاتية في الإعلام الفلسطيني، بهدف تحليل عوامل تكوينها وتشكلها، ومن ثم الأدوات أو الآليات الكفيلة بالحد منها أو القادرة على تفكيكها. ووفق ذلك، فإن السؤال الرئيس الذي سيجيب عنه التقرير يتمثل في: ما هي العوامل المكونة للرقابة الذاتية لدى الصحافيين الفلسطينيين؟ وما الآلية المناسبة للتخفيف من مخاطرها أو القدرة على تفكيك خيوطها؟
مفهوم وعوامل
عرف روبرت نيتز الرقابة الإعلامية بأنها: "فحص المطبوعات قبل أو بعد نشرها ممن له صلاحية قانونية على ذلك، وفق ضوابط يحددها القانون بهدف تحقيق المصلحة العامة، وأنه على أصحاب الشأن أن يلتزموا بذلك". بمعنى آخر هي: فعل قطع الاتصال وعائق يمكنه أن يكون مادياً تشوش بواسطته الدورة الاتصالية، حتى إيقافها كليا أحياناً.
هناك عوامل عديدة للرقابة الذاتية لدى الإعلاميين الفلسطينيين تساهم في التقييد والإلغاء والتهميش. عوامل تمثل أطرافاً وقوى تسعى إلى التهام الكلمة الحرة، وإشعال النار بأصواتٍ أو أقلام تجد فيها أشد من البارود على مصالحها وهيمنتها. فمن هذه الأصوات ما تفهم الرسالة مسبقاً فتسكت، مواسية نفسها بمثل: "اليد ما بتناطح مخرز"، بينما أصوات ثانية استهوت الصراع مع "جلاد حرية الرأي والتعبير" فدفعت ثمناً تنوعت درجاته ما بين القتل أو السجن أو النفي حيناً، وفي أحياناً أخرى بتشويه السمعة أو إغلاق المؤسسة أو تدخل مقص الرقيب الذي يطاول سارية العلم.
الاحتلال والنظام
اعتمد كثير من الإعلاميين الفلسطينيين الرقابة على أنفسهم، خشية من "مقص رقيب الاحتلال"، خاصة في العقود الأولى من الاحتلال للضفة الغربية وقطاع غزة. في هذا الإطار تقول الإعلامية ماجدة البطش: "لقد عانيت الكثير من الرقابة الإسرائيلية في بدايات عملي في الإعلام، حيث كان ختم الرقيب العسكري في كثير من الأحيان يُحبط وأنا لم أكتب شعارات سياسية بل كنت أكتب قصصاً إنسانية، وغدا يغضب الرقيب أكثر مما لو قلت سنرجع كل فلسطين". وتبين: "كانت قصة أم تبكي طفلها وتتحدث عنه كإنسان قبل قتله من قبل الجنود أسوأ للرقيب الإسرائيلي مما لو قالت سأنتقم، كان مقص الرقيب العسكري يحاول دوماً أن يجردنا من تفاصيل إنسانيتنا".
وعن بعض تجاربها مع الرقابة أوضحت الصحافية وفاء عمرو التي عملت في وسائل إعلام عديدة: "حدث أن مُنعت مواد لي من النشر بسبب فرض الرقابة الإسرائيلية، وهذا كان قبل أن أبدأ بالعمل مع رويترز، وتحديداً عندما كنت أكتب عن الديمقراطية أو الحريات أو السجون، أو عندما أجري مقابلات مع منظمة التحرير، وحدث أن طُردت من عملي ومُنعت من السفر. حينها كنت أشعر بظلم قاسٍ مع أنني كنت دائماً أعلن أن لا علاقة لي كإعلامية بالسياسة، وأن هدفي الأول الوقوف مع الحقيقية".
إن النظام السياسي في فلسطين، ممثلاً بالسلطة القائمة، سواءً في الضفة الغربية أو قطاع غزة، أو التنظيمات السياسية المختلفة لعب، ولا يزال دوراً مؤثراً في خلق الرقابة الإعلامية، والعمل على تعميق وتوسيع الرقابة الذاتية لدى العاملين في هذا القطاع الحيوي. يقول الإذاعي: "إن هناك خطوط حمراء بجب على مقدمي البرامج ومحرريها، العاملين في الإذاعتين عدم تجاوزها، وأبرزها عدم بث ما قد يسيء للديانات السماوية والأنبياء، أو المساس بشخص الرئيس، أو كتابة أخبار قد تمس بالوحدة الوطنية".
بدوره يعلق الإعلامي محمد دراغمة: "أن حرية التعبير في فلسطين منقوصة بفعل غياب القانون، وقلة الوعي لدى الصحفيين، حيث تغلب على تقاريرهم المجاملة، ويسألون ما يحب الساسة أن يُسألوا، ويطرحون أسئلة عامة تتجنب التعمق، وهي غير مباشرة". ويضرب دراغمة مثلا ، وهو عندما سأل أحد الصحفيين الإسرائيليين رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أيهود اولمرت: "سيدي هل أنت فاسد؟". ويؤكد: "لا يمكن، بل من المستحيل أن يوجه صحفي عربي ذات السؤال لمسؤول عربي"، لذلك تجد تقارير الصحافة الفلسطينية والعربية سطحية وفارغة وليس فيها مضمون ولا معلومات، لان الصحفيين، قبل أن يكتبوا، يحسبون "مليون حساب" لكل صغيرة وكبيرة، فتجدهم يقصون هذه الكلمة، ويحذفون تلك، حتى تصبح مادتهم ساذجة وضعيفة".
انقسام وتقاليد
يرى عدد من المتابعين للشأن الفلسطيني أن المرحلة التي سبقت "انقلاب" حماس على السلطة الوطنية في قطاع غزة في 2007 كانت مرحلة انهيار قيمي ومؤسساتي، ساد فيها القتل والترويع وغياب الأمن الشخصي للمواطنين، وأصبحت سمة المرحلة ترتكز على إسكات الآخر ومراقبته، وتدمير منابره الإعلامية، وتوالت التهديدات للإعلاميين، والمكاتب الإعلامية سواء المحلية أو الأجنبية، ووصل الأمر إلى مسألة اختطاف الصحافيين وتهديدهم والاعتداء عليهم، ولم يعد هناك أي مجال للحديث عن الحريات المدنية والسياسية.
ويصف كل من غازي بني عودة وزياد عثمان في كتابهما الألعوبة والخطاب الدموي في فلسطين، الخطاب الإعلامي الفلسطيني في هذه الفترة بخطاب "فتنوي منقسم"، وأن الكثير من الأمثلة دلت على أن الصحافة الفلسطينية تخلت عن هيبتها، في خضم الصراع الداخلي، وعملت مجرد خادم للحاكم، ولم يقم الإعلاميون بالبحث المطلوب عن الحقيقة، مكتفين بنقل وجهات النظر المختلفة رغم معرفتهم أحياناً باعتمادها على التضليل والكذب الصريح، وهذا كله كان ناجماً عن قيام الإعلامي بتشكيل شبكة واسعة من الرقابة الذاتية حول تفكيره وإنتاجه.
وفي تقرير للمركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) جاء فيه: "إن استمرار الصراع بين حركتي حماس وفتح أدى إلى تعزيز الرقابة الذاتية في أوساط الصحفيين الفلسطينيين، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على إنتاجية ومهنية الإعلام الفلسطيني، حيث أصبح يهيمن على ذهنية عدد لا بأس به من الصحفيين والمؤسسات الصحفية مفردتان: الخوف أو المجاملة. الخوف من حماس أو مجاملتها، وكذلك الخوف من فتح أو مجاملتها".
تقول الإعلامية رهام عبد الكريم: "ما لم يستطع اليهود كسره فينا كسرته حماس وفتح، واليوم أصبحنا نكتب التقارير تحت المجهر، ودائماً نتوقع انتقاماً ونقلق وندقق بالنصوص وبالعمل، وننبه الزملاء: "ابتعد عن كذا، دير بالك من كذا"، لم نعد نمارس عملنا بحرية، وهناك أماكن ممنوع علينا أن ندخلها، لا حرية اليوم في العمل الصحافي بالضفة وغزة. أتحدى أن يكون هناك صحافي يعمل بحرية كاملة، الكل يعمل من منظور الخوف أو الحزبية، لذلك نحن نتراجع إعلامياً".
أصعب اللحظات التي تعتري الصحافي خلال كتابته الإعلامية محاولته التوازن أو التمييز ما بين المسؤولية الاجتماعية من جهة، وما بين المهنية من جهة أخرى. تؤكد الإعلامية ناهد أبو طعيمة:" نحن لسنا أحراراً في عملنا الإعلامي، متسائلة: من يجرؤ منا على بث ما يقتنع أنه مناسب؟ الناس في بيوتهم يراقبوننا ويتدخلون فيما يعرض على شاشاتنا، ويتصلون بنا ليهددوا ويعترضوا، والمشكلة أن الناس ليسوا متشابهين وأمزجتهم مختلفة، ونحن مضطرون للتعامل مع الجميع". وتوضح: "من حق قرائنا علينا أن نقول لهم الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، ومن حق أنفسنا علينا أن نلتزم بأول درس في الصحافة المهنية... الآراء حرة والحقائق مقدسة".
من جانبه يشير أستاذ الإعلام في جامعة النجاح د. وليد أبو ضهير إلى أن الصحفي الفلسطيني يعيش في جو أشبه بحقل ألغام لا يدري من أين يسير وكيف يتعامل مع التطورات المحيطة، فهناك عقبات تقف أمام الصحفي بعضها ذات علاقة بالجهة التي يعمل بها والتي لا توفر له أدنى متطلبات العمل اللائق، إضافة إلى ضغوطات من المجتمع والسياسيين والاقتصاديين وغيرهم. ويضيف: "هناك معوقات تتعلق بقدرات الإعلامي المهنية، وعدم مقدرته اختراق كافة ألوان العمل الصحفي وأخرى متعلقة بحاجته الاقتصادية، وبحثه عن مصدر الرزق الذي أضحى سيفاً مسلطاً على رقبته".
أما الصحفي عبد الرحيم عبد الله فيذكر: "المجتمع المنقسم على ذاته، المستعد للتعبير عن غضبه ضدك بأقوى الأساليب لأنك بلا حول ولا قوة، فإذا أرضيت فلاناً، زعل علان وبالعكس. وما توجبه مهنيتك أن تُغضب كليهما لأنك تبحث عن الحقيقة، وهذا قلما يفعله الصحفي الضعيف أمام نفوذ المجتمع وقياداته، ناهيك عن سلطان العادات والدين والتقاليد والتراث وغيرها من القضايا التي تعيق العمل الصحفي المهني ما تجعله سطحياً، لا يعالج القضايا بعمق".
قوانين وأموال
يشكل القانون أحد أهم الأدوات في تقييد النشاط الإعلامي في المجتمعات التي يقوم عليها نظام سياسي غير مستقر، حيث أن هذا القانون "الضابط" للحريات الإعلامية، قد يصبح عاملاً في إدانة الإعلامي من جهة، أو عدم حمايته من جهة أخرى. في هذا الإطار تقول الصحافية نائلة خليل: "القانون مغيب ويكاد يكون مشلولاً، والقوى السياسية والأحزاب والعائلات هي التي تحكم في هذا البلد، فقد رفعت ضدي أكثر من قضية، وما حماني هو فقط مهنيتي، مرة كتبت عن المكاتب الخاصة التي تقوم بدور المحاكم عبر تسوية الخلافات مقابل نسبة من الأموال، مستخدمين الفتوة والدبلوماسية. بعد نشر الموضوع اتصلوا بي و"بهدلوني" وسبوا علي وحكوا لي رح أنجرجرك بالمحاكم"، ما ساعدني أن مقابلاتهم كانت مسجلة صوتياً، وما نُشر هو ما قالوه بألسنتهم".
المال يلعب دوراً كبيراً في التأثير على الكلمة الحرة، وحرية الرأي والتعبير في العالم، فكثيراً ما كان المال وتأثيراته سبباً في فساد الإعلام وإفساد الإعلامي. تقول نائلة خليل: "أنا كمراسلة صحافية تقتصر حساباتي على كتابة ما يهم الناس، أما حسابات المدراء فهي الإعلانات والعلاقات مع مؤسسات حيوية وكبيرة في البلد. وسياسة التحرير في جميع الصحف، على ما أعتقد، تنص على أنه "مش عشان مقال أو موضوع واحد نخسر مؤسسة تدفع إعلانات بآلاف الدولارات اللي هي رواتب الصحافيين".
بدوره يهاجم عبد الرحيم عبد الله "الرقابة الذهنية" ويعتبر أن تداخل المؤسسات الأمنية في فلسطين وعدم معرفة طبيعة عملها وتأثير الاقتصاد على الإعلام، إضافة إلى مزاجية رؤساء التحرير "الذين يكونون اليوم مع هذا وغداً مع آخر" إلى جانب المجتمع المتقلب "الذي يهاجمك بسهولة دون وجود من يحميك" كل هذه العوامل، وفق عبد الله، مرسخة في ذهن الصحفي، وبالتالي كلها قيود تمنعه من كتابة مواضيعه بحرية أو مهنية.
وحسب عبد الرحيم فإن المعضلة الأخطر هي مزاجية رؤساء التحرير، حيث "يجب على الصحفي أن يكون محللاً نفسياً لكي يفهم رؤساء التحرير في فلسطين ويتجنب إغضابهم، رؤساء التحرير أباطرة ومصالحهم المتشعبة هي التي تحركهم. المشكلة أن مصلحتهم اليوم مع سين وغداً مع جيم. فكيف للصحافي أن يعرف أو يتنبأ بذلك؟!"
الآثار والمواجهة!!
للرقابة الذاتية تأثيرات سلبية على واقع الإعلام الفلسطيني ومستقبله، إلى جانب تأثيراته الخطيرة على مهنية ومصداقية وإنتاجية الإعلامي نفسه. وتتمثل أهم هذه الآثار في: اجتزاء الحقائق في التقارير والتحليلات الخبرية والصحفية خوفاً من الملاحقة، عدم قدرة كثير من الصحفيين التعرض لقضايا المجتمع الخطيرة، المسكوت عنها، فما تزال قضايا سفاح الأقارب بعيدة عن المعالجة الصحفية، ولا تزال قضايا التطرف المنسوبة إلى الدين من المحظورات أيضاً، ولا تزال قضايا استغلال الأطفال وامتهان حقوقهم من القضايا الشائكة، وما تزال قضايا اضطهاد النساء والاعتداء عليهن شائكة، وليس وراءها إلا المتاعب، وما تزال قضايا الاعتداء على المال العام، تحتاج إلى أدلة ومستندات لا يمكن أن تتوفر للصحفيين، عدم قدرة كثير من الصحفيين على حماية أنفسهم من الاعتداءات الانتقامية، كما أن معظم وسائل الإعلام لا تبذل جهدا في حمايتهم، وتتنصل من مسؤوليتها تجاههم.
وبشأن المواجهة، فإن الجديد في قضية الرقابة الإعلامية هو زيادة اهتمام عامة الجماهير بتأثيراتها على حقهم في المعرفة والتعبير عن الرأي، وبالتالي تكتلهم في مواجهتها. أما الأمر الجديد، الآخر، الأكثر فاعلية فهو تطور وسائل الإعلام الجماهيرية موضوعياً ونوعياً بشكل يصعب معه استمرار فعل الرقابة بالأساليب التقليدية المعروفة. وفي الوقت الراهن يعتقد الكثير من المهتمين أن الرقابة أصبحت تفتقد إلى الفعالية والقوة التي كانت تتمتع بها، فاختراقها كجدار حديدي يُصبح سهلاً وممكناً، والتحايل عليها أصبح فناً.
يقول الصحافي حسن دنديس: "إن الرقابة التقليدية أصبحت تتهاوى أمام تيار التقنيات الإعلامية الجديدة، حيث لا يمكن لأية رقابة مؤسساتية، سواء الأمنية أو السياسية أن تطارد أو تصطاد أية معلومة في الفضاء الإعلامي، وهذا ما جعل المدونين وغيرهم ينشرون ويبثون، بالكتابة أو بالصورة أو بالصوت، قضايا حساسة وهامة، من شأنها إسقاط حكومات عربية في حال توافرت الديمقراطية في مكونات المجتمع ومؤسساته".
وبشأن التوصيات، نجد أن الكثيرين يطالبون بـ:عدم ترك الرقابة لضغوطات هذا الطرف أو ذاك، وإنما ينبغي أن يحكمها قانون عادل، احترام حرية التعبير، والالتزام بمعايير مهنية تتماشى مع المسؤولية الاجتماعية، وأن يكون تنظيم مهنة الإعلام من خلال مجلس للإعلام، ضرورة تحلي الإعلاميين الفلسطينيين بمزيدٍ من الجرأة والشجاعة لكسر أنماط وأشكال الرقابة الذاتية، ضرورة أن يكون الرأي العام هو الرقيب على الإعلاميين وسلوكهم المهني، ويكون هؤلاء الإعلاميين مسؤولين أمام المجتمع، تطوير التنسيق والتعاون بين مختلف المؤسسات الإعلامية من أجل الدفاع عن الحريات الإعلامية.
قصارى القول: الجدل حول الرقابة في الإعلام سيظل متواصلاً، فليس هناك من حسم نهائي يضمن انتصار طرف على الآخر، بل إن كل خطوة يتم تحقيقها لصالح تأمين حرية الرأي وتأكيد الحق في التعبير، تواجه بقيدٍ جديد يتم إحكام دائرته.. وهكذا، فإن كل جيل بعد آخر سوف يواجه هذه الإشكالية من دون أفق منظور لحلها... إنها باختصار: جدل الحياة ذاتها. إن تأريخ الإنسانية ومنذ تأسيس أول التجمعات السكانية وأنظمة الحكم يكشف لنا أن ملاحقة الفلاسفة والفقهاء والمفكرين والإعلاميين وغيرهم، وحرق كتبهم، ومطاردة أصواتهم وآرائهم لم ولن تفلح دوماً، بل ساهمت في زيادة الاهتمام بنتاجهم الفكري وحصولهم على الشهرة والانتشار والتأثير.