السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فشل الحكومة الفلسطينية في خلق مشاريع استثمارية في الضفة يجعل الشباب الفلسطيني يتجه للعمل في المستوطنات الإسرائيلية

2014-02-04 00:00:00
فشل الحكومة الفلسطينية في خلق مشاريع استثمارية في الضفة يجعل الشباب الفلسطيني يتجه للعمل في المستوطنات الإسرائيلية
صورة ارشيفية

رام الله- عبير إسماعيل

بعد أن ضاقت به السبل وسدت في وجهه الأبواب، توجه الشاب محمد علي للعمل في مستوطنة زراعية قريبة من بلدته لتوفير أموالٍ يبدأ بها مستقبله بعد تخرجه من الجامعة. يقول علي الذي ما زال يرتدي ملابس العمل المتسخة بعد يوم شاق في إحدى المستوطنات الإسرائيلية: «مضى عام كاملٌ على تخرجي وأنا ما أزال أتلقى مصروفي اليومي من والدي، كنت أظن أنه بعد تخرجي سوف أستطيع إيجاد عمل، وتكوين نفسي وبناء منزل وتحقيق حلمي بتكوين أسرة». ويكمل متحسرا “لكن كل أحلامي بدأت تتلاشى بعد اصطدامي بالواقع العملي المرير، لا يوجد عمل في الضفة لذلك توجهت للعمل في المستوطنات الإسرائيلية”.

كانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد أطلقت قبل نحو عامين حملة لوقف العمل في المستوطنات الإسرائيلية لأنها غير شرعية ومقامة على أراضٍ فلسطينية محتلة. وقد صدر قرار بقانون عام 2010 من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يُجرّم من يعمل في المستوطنات، لكن عدم قدرة السلطة على توفير فرص عمل بديلة لهم في مشروعات اقتصادية فلسطينية حال دون تنفيذه.

وكان من بين الأهداف الأخرى للحملة، إلى جانب الحد من ظاهرة عمل الشباب الفلسطيني في المستوطنات الإسرائيلية، هو أيضاً شجيع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على وقف التجارة مع الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية، والتي هي بموجب القانون الدولي غير مشروعة، الأمر الذي بدأ الاتحاد الأوروبي بتطبيقه مطلع هذا العام.

ويقول الشاب عدي إبراهيم، والذي يعمل في نفس المستوطنة الزراعية التي يعمل فيها محمد، إنه منذ خمس سنوات وهو يعمل في المستوطنات الإسرائيلية لتوفير لقمة العيش له ولأسرته.

ويتابع إبراهيم: “عندما صدر قانون تجريم العمل في المستوطنات تركت عملي في المستوطنة وبحثت عن عمل آخر في الزراعة في بلدتي، لكن ما كنت أتقاضاه من عملي السابق كان أكثر بكثير، لذلك عدت للعمل في المستوطنة.”

ويضيف: “لو أن السلطة وفرت لنا عملاً أفضل أو عملاً مساوٍ في المقدار والامتياز لما حققناه في المستوطنات لتركناه لكن العمل خارجها لا يكفينا للعيش مستورين.”

ويمضي إبراهيم قائلاً: “أعلم أن هذا العمل فيه خدمة لإسرائيل، لكن فرص العمل في الضفة قليلة جداً إضافة إلى أن الظروف الاقتصادية صعبة وهو ما يدفعنا للعمل في المستوطنات”.

ويبدي الشابان وغيرهما من عمال المستوطنات استعداداً للعمل في السوق الفلسطيني المحلي في حال توفر لهم عمل بأجر كاف.

ويعمل الآلاف من العمال الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية بحثاً عن لقمة العيش. وتشير إحصاءات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى أن حوالي 35 ألف عامل يعملون في المستوطنات الإسرائيلية في البناء والزراعة والصناعة.

ويقول الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد لجريدة الحدث: “إن العمالة داخل المستوطنات الإسرائيلية في تزايد مستمر في ظل عدم وجود أماكن عمل فلسطينية بديلة”.

ويؤكد أن عدد العمال العاملين في المستوطنات الإسرائيلية في تزايد نتيجةَ الوضع الاقتصادي الصعب وعدم توفر الوظائف وانتشار البطالة.

بداية المحاربة بخلق بدائل للعمل 

ويقول مدير الإغاثة الزراعية في نابلس خالد منصور إنه كان على السلطة الفلسطينية خلق بدائل للعمل في المستوطنات قبل محاربتها أو مقاطعتها.

ويضيف منصور: «إن فشل جهود الحكومة يكمن في عدم وجود إرادة حقيقية لوقف العمل داخل المستوطنات، وهذا الوقف يحتاج إلى إيجاد فرص عمل بديلة للعمال».

ويتابع إن حوالي 35 ألف عامل لا تستطيع الحكومة الفلسطينية ضمهم إلى طابور العاطلين عن العمل وقطع أرزاقهم دون توفير بديل لهم في السوق المحلي.

ويمضي منصور قائلاً إنه «كان من المفترض توفير الموازنات المالية لهذا الغرض، وأن يتم تشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي، وإقامة مشاريع تستقطب هؤلاء العمال المهرة.»

ويشير إلى أن الحكومة لم تفعل ما يجب رغم أن هناك تحقيقاً لنجاحات هنا وهناك، تلك النجاحات غير كافية.

قطاع التشغيل الفلسطيني غير مغر

ويشير منصور إلى أن القطاع التشغيلي في الضفة غير مغرٍ للعمل لأن أجرة العمال قليلة في مقابل وضع اقتصادي ومعيشي صعب جدا، وبالتالي فالعمل في السوق الفلسطيني غير مغر ولا يشكل بديلاً عن العمل في المستوطنات.

ويوضح منصور أن السوق المحلي الفلسطيني يحتاج سنوياً إلى أربعين ألف فرصة عمل جديدة، لكن الحكومة لا تستطيع تشغيل سوى ربع هذا العدد.

وقف العمل يحتاج إلى قرار جريء

وقف العمل في المستوطنات يحتاج إلى قرار جريء إما التعويض المالي لهؤلاء العمال وصرف رواتب أو توفير وظائف بديلة لهم. يقول منصور.

ويرى المحلل الاقتصادي طارق الحاج إن قرار المنع يجب أن يسبقه خطوة أساسية وهي تغيير العقلية ونمط التفكير والنفسية، وما دامت هذه الأمور الثلاثة لم تتغير فإن القرارات الإدارية لا يمكن أن تمنع أو تلغي العمل في إسرائيل.  

ويضيف إن هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل، وجهد متواصل، لكي يكون بالإمكان تحقيقه على المدى الطويل، كما يحتاج إلى تعبئة عاجلة جماهيرية وفكرية وسياسية ونفسية.

العمل بالمستوطنات يعمل على ديمومتها

يقول الحاج إن للمستوطنات آثاراً سلبية على البيئة ولها مخلفات وملوثات سواء بشرية أو صناعية تؤثر على البيئة الفلسطينية وتلوث التربة، وبالتالي البقاء والعمل فيها يشجع على ديمومتها. ويتابع إن المستوطنات تستغل الموارد الأولية سواء كانت المياه التي تسلب من الأراضي الفلسطينية أو السوق الفلسطيني القريب إضافة إلى رخص الأيدي العاملة، كما تنتج منتجات منافسة للمنتجات الفلسطينية، وهذا يؤثر على المدى البعيد على التنمية في فلسطين وعلى تطوير القطاعات الاقتصادية.

وينوه الحاج إلى أن بداية مقاطعة العمل في المستوطنات تبدأ من تثقيف وتوعية الناس بمخاطر العمل فيها، والتمهيد لقرار مقاطعة العمالة.

سبب الفشل: عدم وضوح العلاقة مع إسرائيل وعدم وجود تخطيط فعلي

يبين الحاج أن هناك خللاً أيضا في تحديد العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأن العلاقة تبدو متداخلة وغير محسومة فتارة يشيرون إلى المفاوضات وتارة أخرى لا يعترفون بإسرائيل، وهذا يجعل الفلسطينيين عاجزين عن الحد من عمالة المستوطنات.

ومن جانبه، يقول آصف سعيد: «إن عدم نجاح الحكومة الفلسطينية في منع عمالة المستوطنات يرجع إلى العقبات التي واجهتهم على الأرض وعند التخطيط الفعلي للمنع، إضافة إلى أنه لا يوجد لهم سيطرة على المرور من وإلى المستوطنات».

ويشير سعيد إلى أن الوزارة تعتبر هذا العمل غير قانوني ولا تقدم أي خدمات لهؤلاء العمال من أي نوع كان.

ويوضح سعيد إن الوزارة حاولت قدر المستطاع ومن خلال التواصل مع العمال منع العمل فيها. ويضيف إن هذه القضية هي قضية وطنية، وتحتاج إلى ضمير وطني، وبالتالي هنالك الكثير من العمال الذين تركوا العمل في المستوطنات، لكن بعضهم ما زال يعمل ونحن نحاول بكل الوسائل القانونية منع هؤلاء العمال من العمل في المستوطنات الإسرائيلية. 

ويقول سعيد إن الفرص البديلة التي أوجدتها الحكومة الفلسطينية لا تقارن من ناحية الأجر مع ما يتقاضاه العامل في المستوطنات وهذا ما صعب وقف العمل في المستوطنات.

ويضيف سعيد: «نحن أوجدنا لهم بدائل، لكن أجر العامل في السوق المحلي أقل بكثير من أجره في السوق الإسرائيلي وهذا أضعف من قدرتنا على منعهم.» 

ويبين سعيد أن وزراة العمل دعت عمال المستوطنات إلى تسجيل أسمائهم من أجل إيجاد فرص عمل لهم إلا أن العدد كان قليلاً جدا.

ويوضح أن الوزارة أوجدت للعمال برامج التشغيل الذاتي ومنحتهم الفرص للحصول على قروض من مؤسسات الإقراض الفلسطينية.

عمالة المستوطنات تشكل خسائر سياسية للفلسطينيين 

ويقول سعيد إنه لا يجوز أن نطالب الاتحاد الأوروبي بمقاطعة المستوطنات ونحن نعمل فيها وندعمها، ومن هنا جاء قرار بقانون تجريم من يعمل في المستوطنات.

ويتابع إن عمالة المستوطنات تشكل خسائر سياسية للفلسطينيين لأنها تنمي المستوطنات.

ويضيف، إننا عند العمل في المستوطنات فإننا ننمي اقتصادها ونوسعها على أراض فلسطينية، وهذا يضعف موقفنا أمام العالم والاتحاد الأوروبي.

ويقول خالد منصور: «نحن نرفض المستوطنات والعمل فيها يتناقض مع النضال الوطني».

المطلوب لوقف عمالة المستوطنات

ويجمع من التقتهم “الحدث” على أن البديل لوقف عمالة المستوطنات هو إيجاد بدائل وفرص عمل تتناسب ومهارات العمال، والتي هي كبيرة وخاصة في الزراعة لأن العمال الفلسطينيين هم من يديرون مزارع المستوطنين، لذلك أصبحوا يتمتعون بمهارات كبيرة جدا في التكنولوجيا الزراعية المتطورة وينبغي أن يتم استثمارها وتوجيهها بالشكل الصحيح.

كما أن المطلوب هو توفير بنى تحتيه للمناطق الزراعية وتخفيض الأعباء الضريية على المزارعين وتخفيض تكلفة الإنتاج وتوفير المياه التي تعد عصب الحياة.

ويؤكد منصور إن نجاح وقف عمالة المستوطنات كان يتطلب دراسة ميدانية لواقع عمال المستوطنات، والقدرات المهنية لديهم، ونوعية المهن والأعمال التي يمكن استيعابهم فيها، إضافة إلى تحديد برامج التدريب والتأهيل وفقاً لنتائج الدراسة الميدانية المفترض القيام بها لهذا الغرض.

وبما أن الحكومة تعكف حالياً  على مناقشة وإقرار مشروع الموازنة العامة للسنة المالية 2014، فإنه ينبغي أن ينال قطاع الزراعة نصيباً هاماً من الموازنة، لأن الاستثمار في هذا القطاع الواعد يعزز صمود الفلسطينيين على أرضهم ويقلل من حجم البطالة ويحول دون توجه الفلسطينيين للعمل في المستوطنات غير الشرعية، ولا شك أن إهمال هذا القطاع في الموازنات السابقة كان خطأ كبيراً