السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

العدد41| مرضى غزة يُصارعون الموت.. وحكومة الوفاق تتنكر لحقوقهم!

بسبب نقص الأدوية في مخازن الوزارة:

2015-06-16 12:43:33 AM
العدد41| مرضى غزة يُصارعون الموت.. وحكومة الوفاق تتنكر لحقوقهم!
صورة ارشيفية
 أشرف القدرة: إرساليات قطاع غزة من الخدمات الصحية تراجعت بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني
منير البرش: 153 صنفاً من الأدوية التخصصية في مستشفيات القطاع رصيدها صفر
 
غزة - محاسن أُصرف
 
"المرح" فقط ما تتمنى أن تنعم به الطفلة مرح دياب (9 أعوام)، من غزة، فتحظى به اسماً لذاتها وسلوكاً لحياتها، لكنها منذ أن كانت في الخامسة لا تستطيع إليه سبيلاً.
عانت مرح، قبل أربع سنوات من فقر في الدم، وما أن خضعت لتحاليل مخبرية دقيقة؛ حتى اكتشف والداها إصابتها بقصور كلوي، ما لبث أن تطور إلى فشل، استدعى جسدها الغض لأن يخضع لعملية غسيل كلوي أربع مرات أسبوعياً، تزداد بصورة طارئة كلما ساءت حالتها، لكنها أبداً لم تستسلم، يقول طبيبها المعالج: "رغم تراجع حالتها الصحية إلا أنها متشبثة بالحياة"، ويُضيف، أنها تمتلك قدرات ذكاء عالية جعلتها بشهادة مدرساتها تتفوق على أقرانها الأصحاء في التحصيل العلمي.
لكن ما يزيد معاناة مرح، وأكثر من 20 طفلاً يُجاورونها في قسم الغسيل الكلوي بمستشفى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي للأطفال، استمرار نقص هرمون (اي بويتين) ما يُعرضهم للموت في أي لحظة، وحسب الأطباء، فإن الهرمون أساسي في عملية تخليق الدم، وعدم توافره يضطر الأطباء لنقل دم للمريض بالفشل الكلوي بشكل متكرر ما يُعرضه أيضاً لأمراض وفيروسات لا يستطيع جسمه المنهك تحملها.
وبحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية فإن مخازنها في القطاع تفتقد لأكثر من 30% من الأدوية والمستهلكات الطبية، ما يُشكل خطراً حقيقياً على حياة المرضى، خاصة في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع قوافل المساعدات والوفود الطبية ممن لا تملك دولهم علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل) من الوصول إلى القطاع وتخفيف واقع المعاناة عن المرضى.
"الحدث" في سياق التقرير التالين ترصد الحالة الدوائية في القطاع وكيف أثر نقص الدواء المتكرر على حياة المرضى، ودور حكومة الوفاق الوطني في توفير استحقاقات الوزارة في غزة.
 
وجه آخر للمعاناة
ليس مرضى الفشل الكلوي وحدهم من يُعانون من نقص الدواء في قطاع غزة المُحاصر منذ ثماني أعوام، يُضاف إليهم مرضى السرطان وأصحاب الأمراض الوبائية والنفسية والأطفال الذين يُعانون من نقص بعض الهرمونات بأجسادهم ويُعوضونها بأنواع من الحليب تُساهم في نموهم وتجنيبهم إعاقة محتمة.
في عيادة الصحة النفسية بعمارة جاسر وسط مدينة خان يونس كانت تنتظر منى حامد (40عاماً) أن تظفر بأنواع الأدوية التي تُحسن من حالة شقيقتها منال(45عاماً) المصابة بالتخلف العقلي منذ الولادة، لكن جواب الطبيب كان أن رصيد الأدوية المطلوبة صفر، تقول: "لقد تراجعت الحالة الصحية لشقيقتي، فهي لم تتناول علاجها بانتظام منذ ثلاث سنوات"، سألناها عمّا إذا كانت الأدوية والعقاقير المهدئة في الصيدليات التجارية فأشارت بوجودها غير أن الحالة الاقتصادية لعائلتها سيئة لا يُمكنها توفير الدواء بأصنافه المختلفة والمرتفعة الثمن، وتُضيف الشقيقة التي تتولى إحضار الدواء من العيادة مرة كل أسبوعين، أن تكلفة الشريط الواحد والذي لا يزيد عدد أقراصه عن 10 تُساوى (55 شيكل)، مؤكدة أن هذا الصنف واسمه (ريسبيدال) دائماً لا يتواجد في صيدلية العيادة وتضطر أحياناً وفق ما يتوفر لها من مال أن تشتريه.
 
30% عجز
وحسب الناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة في غزة د. أشرف القدرة، فإن 30% من الأدوية التخصصية في قطاع غزة لأمراض الدم والكلى والأوبئة والسرطان وغيرها رصيدها صفر في مخازن وزارة الصحة بالقطاع، وبيَّن أن العجز في الأدوية تفاقم بعد إغلاق معبر رفح البري بشكل مستمر منذ الأحداث التي شهدتها القاهرة في يونيو 2013 وحتى اللحظة، مشيراً إلى أن الأدوية والمستهلكات الطبية كانت تدخل إلى قطاع غزة عبر شركاء وزارة الصحة في مصر أو من خلال القوافل الإغاثية والإنسانية أو عبر مؤسسات شريكة للقطاع الصحي في الدول الإقليمية والمجتمع الدولي، قائلاً: "هذه لم تتمكن من إدخال الأدوية والمستهلكات الطبية عبر معبر بيت حانون لأنها لا ترتبط مع الاحتلال الإسرائيلي بعلاقات سياسية يُمكنه لأجلها السماح بإدخال مساعدتها إلى القطاع".
ويُشير القدرة إلى أن معاناة المرضى جراء إغلاق معبر رفح البري لا تقتصر على فقدان أرصدة العديد من الأدوية بل تجاوزت الحرمان من دخول الطواقم الطبية والإغاثية، مؤكداً أن تلك الطواقم كانت تدخل عبر القوافل وتُعزز الخدمات الصحية المقدمة للمواطن في المستشفيات الحكومية بالقطاع، وذلك عبر إنجاز عشرات العمليات الجراحية، وقال: "كنا بذلك نُخفف من فاتورة العلاج بالخارج، ناهيك عن إكساب الأطباء في غزة الكفاءة والخبرة للقيام بالعمليات والإجراءات العلاجية الطارئة لحين التحويل".
 
153 صنفا
وبتفاصيل أدق كشف مدير عام دائرة الصيدلة بوزارة الصحة بغزة، د. منير البرش عن 153 صنف من الأدوية التخصصية لأمراض القلب والكلى والدم والأوبئة؛ رصيدها صفر في المخازن التابعة للوزارة، وأشار أن الأرقام تبدو مرعبة إذا ما عُلم بأن القائمة الأساسية للدواء في فلسطين جميعها (480) صنف، أي أن ما يُقارب ثلث الأدوية مفقودة من القطاع، وبشيء من التفصيل تحدث عن فقدان خدمة الغسيل الكلوي لما يُقارب (5) أدوية أساسية منها هرمون (إي بويتين) اللازم في تخليق الدم، وحوالي (4) أدوية  من أصل (7) مفقودة لدى مرضى نزيف الدم الوراثي، وما يُقارب من (14) صنف من أدوية الجراحة والعناية قائلاً لـ"الحدث": "تزداد خطورة نقص أدوية الجراحة والعناية إذا ما أقدم الاحتلال على ارتكاب حماقة وإحداث مواجهة عسكرية، فسيكون الوضع كارثياً"، وتابع أن مرضى السرطان يفقدون قُرابة (25) صنف من أدويتهم ما يُؤثر سلباً على استمرارهم بالحياة في ظل صعوبة التحويل وإجراءاته القاتلة في التنسيق على معبر بيت حانون "إيريز".
 
أطفال مرضى الكلى
ومن جانبه لم يتوانَ مدير مستشفى الرنتيسي التخصصي للأطفال، د. مصطفى العيلة، عن الحديث حول معاناة مرضى الكلى الأطفال من نقص الأدوية في مستشفيات قطاع غزة، قال لـ "الحدث": "إن نقص المهمات والمستهلكات الطبية يُشكل خطراً يوازي خطر نقص الأدوية على حياة المرضى"، وبيَّن أن العديد من الأطفال تضطر إدارة المستشفى إلى تحويلهم للخارج من أجل فقط تركيب قسطرة داخل وريد رئيسي من أجل تمكينها من الاتصال بموصلات الدم لإتمام عملية الغسيل الكلوي، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن في حال إصابة الطفل بالتهابات نتيجة تركيب تلك القسطرة فيضطر للتوقف عن العلاج من أجل إنهاء أمر الالتهابات أولاً ومن ثم الشروع في عملية الغسيل.
ونبه العيلة، إلى حالة النقص التي عانى منها قسم الغسيل الكلوي في هرمون (إي بويتين) المسؤول عن تخليق الدم، وتابع أن الوزارة بجهودها الخاصة مع المؤسسات الصحية المحلية والإقليمية استطاعت توفير جرعة للأطفال المرضى لمدة شهر كامل فقط، بعدها سيواجهون صراع الموت، وفق تعبيره.
وذكر العيلة، أن عدد الأطفال المرضى الذين هم بحاجة لـلهرمون يفوق الـ (550) مريض منهم 24 في قسم الغسيل الكلوي والباقي يُعانون من قصور كلوي ويحتاجون الهرمون من أجل إبقاء حالتهم الصحية بحالة أفضل، مؤكداً أن كمية ما يحتاجونه من الهرمون حوالي 600 ألف وحدة شهرياً، وإلا يُعانون مخاطر صحية كبيرة أهمها فقر الدم الشديد، واعتلال القلب بتذبذب نبضاته بين زيادة وهبوط قد تؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة.
 
تراجع حكومي
ويُجمع الأطباء الذين التقهم "الحدث" على تراجع الدور الحكومي الرسمي في رعاية مرضى قطاع غزة، ووقوف حكومة الوفاق الوطني عند مسئولياتها في دعم القطاع الصحي وتحقيق الرعاية المتكاملة للمريض، وكشف د. القدرة عن حالة الاغتراب بين وزارة الصحة في رام الله وإداراتها في غزة، موضحاً أن رام الله وفق الاتفاقيات الموقع عليها منذ قدوم السلطة من المفترض أن تُؤدي 40% من كافة الخدمات والأرصدة الدوائية لصالح قطاع غزة، وتحتفظ 60% لثالح مرضى الضفة الغربية،لكن ذلك لم يدم، وقال: "إبان الانقسام تراجع التزام السلطة تجاه غزة إلى 10% فقط من قيمة الاستحقاقات المُقدرة بـ 40%"، واستدرك: "بعد تحقيق المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق تزايد العجز إلى(5-6%) من إجمالي الـ(40%) مطالباً حكومة الوفاق بأن تقف عند مسئولياتها تجاه القطاع الصحي في قطاع غزة والذي وصل إلى حالة كارثية.
ومن جهته ناشد د. البرش والذي يشغل مدير عام دائرة الصيدلة بالوزارة في غزة، الحكومة بإحياء ضميرها الإنساني والوقوف على معاناة المرضى الذين يثعانون من عجز الأدوية التخصصية اللازمة لاستمرار حياتهم، وقال لـ"الحدث": "هناك تنكر واضح من قبل حكومة الوفاق لأوضاع المرضى الكارثية في قطاع غزة، ونأمل توحيد المؤسسة الصحية وتجنيبها المناكفات السياسية من أجل حياة المرضى".