الخميس  26 كانون الأول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غزة.. بُحّت الأصوات

2024-11-05 09:16:15 AM
غزة.. بُحّت الأصوات
أثار عدوان الاحتلال على قطاع غزة

خاص الحدث

عامٌ وشهرٌ، مرّا مع آلاف المناشدات والدعوات للوقوف في وجه حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلية على قطاع غزة بلا هوادة، آلاف المطالبات بالوقوف صفا واحدا مع غزة، دون أي استجابة، ويرى المواطنون في قطاع غزة، أنهم تركوا وحدهم فلسطينيا وعربيا ودوليا، في مواجهة أمريكا وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتركوا وحدهم ينتشلون الضحايا والشهداء ويصنعون جيلا جديدا بعد أن أباد الاحتلال عائلات بأكملها، نشأ هذا الجيل لأكثر من عام تحت الموت والفقد والصواريخ الثقيلة والزنانات والطائرات الحربية والقذائف ورصاص القناصة والدبابات ونصر المقاومة الذي بدأ في السابع من أكتوبر 2023 رغم ثمنه.

تكثفت الدعوات في أشهر حرب الإبادة، للوقوف مع الأهالي في قطاع غزة، الذين باتوا بلا مأوى وبلا طعام وشراب وبلا علاج ودواء وتحت صنوف متعددة للموت والعذاب وربما كافة أشكال العذاب والموت كانت في غزة طوال الثلاثة عشر شهرا الماضية، ويكادون يعيشون بالحدّ الأقل من الأدنى للبقاء على قيد الحياة صامدين في وجه آلة الحرب الإسرائيلية - الأمريكية.

ولكن، في الأسابيع الأخيرة، بات هناك ما يشبه فقدان الأمل داخل قطاع غزة من أي مساندة فلسطينية أو عربية أو دولية أو حتى أممية، بعد أن عجز الجميع بشكل مطلق على وقف حرب الإبادة وحرب التطهير العرقي التي تمارس في قطاع غزة، وهذا ما برز بعد الخامس من أكتوبر 2024، عندما بدأ جيش الاحتلال عملية عسكرية وحشية تركزت في شمال قطاع غزة شملت جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون والتي استشهد وأصيب وفُقد فيها تحت الأنقاض الآلاف خلال نحو ثلاثة أسابيع فقط أسرت خلالها قوات الاحتلال مئات الفلسطينيين بينهم أطفال.

أخرج جيش الاحتلال مستشفيات محافظة شمال قطاع غزة عن الخدمة وحاصرها حصارا مروعا ودمر مركبات الإسعاف والدفاع المدني خلال حملته العسكرية، ودمر المنازل عبر نسف وقصف المربعات السكنية وأحرق وجرف جيش الاحتلال عددا من مراكز الإيواء مثل ابو زيتون وحلب وتل الربيع وغيرها، وقصف آبار المياه ومضخات الصرف الصحي ودمر طرقا وبنى تحتية.

ويعيش عشرات آلاف النازحين ممن أصروا على البقاء في شمال قطاع غزة صامدين، ورفضوا مخططات الاحتلال بتهجيرهم نحو الجنوب؛ ظروفا إنسانية صعبة حيث تفاقمت المجاعة مع استمرار منع إدخال المساعدات منذ ما قبل التوغل بأسبوع، ما يهدد بقاءهم على قيد الحياة إما برصاص وقنابل إسرائيلية أو جوعا.

دون مجيب.. هكذا بُحّت الأصوات!

يقول الصحفي أنس الشريف، وهو أحد الصحفيين الذين واظبوا على التغطية من شمال قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة، إن حال أهالي الشمال كمن انقطعت بهم السبل "فكتبوا رسالة، ووضعوها في زجاجة، وألقوها في البحر، لعل أحدا يجدها فيهرع لنجدتهم"، وسط المجازر الإسرائيلية في شمال غزة التي لا تتوقف، حيث يتعرض الأهالي لإبادة بكل معنى الكلمة وتطهير عرقي.

وبحسب الشريف، فإن المصاب بجراح طفيفة يرتقي شهيدا، بعد أن انعدمت الإمكانيات الطبية لتقديم الإسعاف أو العلاج للجرحى والمصابين في شمال قطاع غزة، وكثير منهم تعجز الطواقم الطبية عن الوصول لهم تحت نيران القناصة وقذائف المدفعية. معتبرا أن "هذه أمة نائمة، وعالم ظالم ومتخاذل لن يسامحه أحد، نحن تحت الموت والجوع والنزوح لكن لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي".

فيما قال الطبيب حسام أبو صفية وهو مدير مستشفى كمال عدوان، إن الوضع في الشمال كارثي بشكل حقيقي وصعبة للغاية لأول مرة منذ بداية الحرب، مشيرا إلى أن عشرات الشهداء يصلون بشكل متكرر للمستشفى في ظل المنظومة الصحية المنهارة والمنهكة، حيث يتم تطبيق نظام المفاضلة على أرض الواقع.

وأضاف أن وعودات أطلقتها منظمة الصحة العالمية بإدخال وحدات الدم والمستلزمات الطبية ولكن "للأسف الشديد لم يسمح بإدخال الوقود والطعام والدواء ووحدات الدم ولا أي شيء، فقط تم إخلاء بعض المرضى الذين لم يستطع أحد إخلاؤهم بسبب الحصار"، مشيرا إلى أن المستشفى هو الوحيد الذي يستقبل الإصابات في منطقة الشمال بعد تحييد مستشفى العودة والأهلية الأردنية الذي خرج عن الخدمة بشكل كامل، ويستقبل كمال عدوان عددا كبيرا وهائلا من الجرحى يفوق إمكانيات المستشفى بكثير.

وبحسب مدير مستشفى كمال عدوان أبو صفية، فإن الوضع كارثي، والجرحى يتم تركهم للموت، وهذا العالم لا يستطيع حتى فتح ممر إنساني لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية، وما يحدث لا يتخيله العقل البشري، وفي هذا التوقيت الحساس، ناشدنا منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر وطلبنا المساعدات والأدوية فأرسلوا لنا القذائف والدبابات. وأضاف: نحن لا نعلم ما هو دور المؤسسات الدولية في هذا الوقت العصيب ولماذا لا يقفون موقفا جادا تجاه ما يحصل من إبادة بكل معنى الكلمة.

أما الصحفي حسام شبات، فأكد، أن أصوات الفلسطينيين في قطاع غزة "بُحّت" وقال: "لقد بُحت أصواتنا وحناجرنا ونحن نستصرخكم ونناشد العالم بأننا نباد، نحن نخبركم بأننا نباد، لأننا كنا نستصرخ العالم جميعا ونباد بشكل كبير جدا وهذه المجازر يجب أن لا يتم الصمت عنها ويجب أن لا تمر مرور الكرام.. نحن نباد ونحن نقتل ونحن نحرق في شمال قطاع غزة".

قطاع غزة خُذِل

ووفق مراقبين ومحللين سياسيين؛ فإن العرب والمسلمين خذلوا غزة رغم امتلاكهم أوراق قوة مؤثرة دبلوماسياً وشعبياً لكن هناك ضعفا وهزالا وعجزا وأن هذه الأنظمة ستدفع ثمنا غاليا بسبب سكوتها والتواطؤ، مشيرين إلى أن لجوء الاحتلال لتجويع غزة سببه صمود المقاومة والشعب في غزة معاً، وأن الخط الصحيح هو أن يفضح الفلسطينيون الاحتلال، وأن يواصلوا الحفاظ على قوتهم وتصميمهم على دعم المقاومة في الميدان، التي تقوم بعمليات عسكرية مذهلة داخل غزة وتهز الاحتلال هزا، فضلا عما تقوم به المقاومة في لبنان.

وأشار كتاب ومحللون سياسيون إلى أن ما يجري في غزة جريمة كبرى وأعمال مخالفة للقوانين الدولية، ويجب أن يدان الاحتلال الإسرائيلي الذي يرتكبها، ويدان الذين يسكتون عنها وهم قادرون على إيقافها، سواء من الدول الغربية أو من الدول العربية والإسلامية.

ووصفوا موقف معظم الأنظمة العربية بأنه مخزٍ، وعلى الفلسطينيين أن يحرجوا هذه الأنظمة بصمودهم وانتصارهم، وفي حال نُفذت بعض قرارات القمة العربية التي عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن في قطاع غزة مع الإشارة إلى أن الجماهير العربية قلبها مع غزة، لكنها لم تجد أمامها الفرصة لتنتفض.

ويرزح شمال قطاع غزة منذ بداية أكتوبر تحت حصار بالقوة النارية الإسرائيلية، وسط عمليات قتل وتدمير وتهجير وتجويع واستهداف مباشرة للمستشفيات في أوسع عملية تطهير عرقي وجرائم إبادة منذ اندلاع الحرب، وتترافق تلك الهجمة مع قطع للاتصالات والإنترنت وعزل 200 ألف نسمة عن العالم الخارجي.

صمت دولي وخطط أمريكية - إسرائيلية

وفي السياق، استنكرت فصائل فلسطينية على رأسها حركة حماس، المجازر والإبادة في قطاع غزة خاصة في المناطق الشمالية منها، ووصفت استهداف إسرائيل مدارس تأوي نازحين، بأنه "إمعان في المجازر بحق المدنيين وسط صمت دولي ودعم أمريكي لخطط الإبادة والتهجير". معتبرة أن استمرار المجازر ضد المدنيين العزل بغزة، وخاصة بمراكز الإيواء، يمثل استخفافا صارخا بالقوانين والمواثيق الدولية التي تهدف لحماية المدنيين في الحروب".

ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسة الكذب والتضليل، لتبرير المحرقة التي يرتكبها منذ عامٍ كامل بحق المدنيين العزل، وادعاءاته الكاذبة والمتكررة بوجود أفرادٍ من المقاومة في المدارس ومراكز الإيواء؛ تكذّبها أسماء وبيانات شهداء المجازر، وجلّهم من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء.

ودعت فصائل فلسطينية، الشعوب العربية والإسلامية والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، إلى التحرك الفوري لوقف جريمة الإبادة التي يرتكبها الاحتلال النازي في قطاع غزة، ومحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة وداعميهم، على جرائمهم ضد الإنسانية.

وحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، بلغ عدد النازحين داخل القطاع منذ بدء الحرب مليوني شخص من أصل 2.3 مليون إجمالي الفلسطينيين فيه.

إدانة واستنكار وبيانات.. فحسب!

وفي الوقت ذاته، تتوالى بيانات الإدانة والاستنكار، من دول ومؤسسات دولية وأممية للمجازر الإسرائيلية وحرب الإبادة في قطاع غزة، لكن دون أي أثر أو سعي فعلي لوقف هذه المجازر، حيث يطالب الفلسطينيون بأن يروا تطبيق القانون الدولي تطبيقا عادلا بمعايير واحدة بلا تمييز أو تفضيل بين الأطراف، فصمت المجتمع الدولي وازدواجية المعايير التي يتعامل بها إزاء الفظائع والمجازر والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين والمنشآت المدنية والإغاثية والإنسانية يظل وصمة عار على جبين الإنسانية ومن شأنه تقويض الثقة بالنظام الدولي ومنظماته.

واعتبرت مؤسسات دولية، أن الأحداث الراهنة أثبتت أن أية محاولات للالتفاف على التسوية العادلة، سواء بحلول جزئية أو مناورات سياسية، لا ترمي إلا للمماطلة وكسب الوقت وأن استخدام القبضة الحديدية يهدف التخلص من الشعب الفلسطيني.

هذا وتطالب مؤسسات ومنظمات دولية بتدخل عاجل لضمان وصول طواقم الإسعاف والإنقاذ إلى مربعات سكنية في شمال القطاع قصفها الاحتلال على رؤوس ساكنيها ودمرت بشكل كامل. مشددة على أن القانون الدولي يحظر النقل أو الترحيل القسري للسكان، ويشكل ذلك بحد ذاته جريمة دولية مكتملة الأركان، فضلا عن كونه يعد فعلا من أفعال الإبادة الجماعية عندما يتم ارتكابه مع نية القضاء على مجموعة محمية بموجب القانون الدولي.
وشددت على أنه ووفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، فإن المدنيين الذين يختارون عدم الإخلاء أو الذين لا يستطيعون مغادرة منطقة معينة يحتفظون بالحماية التي يضمنها لهم القانون الدولي الإنساني بصفتهم مدنيين، وأن مجرد بقائهم في تلك المنطقة لا يسقط عنهم هذه الحماية، ولا يعفي إسرائيل من المسؤولية عن ضمان واحترام حمايتهم المقررة لهم.

ثلاثة عشر شهرا.. مرت على العالم ولم تمرّ على الفلسطينيين في غزة

الثلاثة عشر شهرا الماضية، مرت على العالم، لكنها بقيت عالقة في عقل وذاكرة الفلسطيني، ولم تمرّ، ناشدوا فيها حتى بُحّت أصواتهم وعجز لسانهم عن ابتكار مصطلحات أكبر وأكثر تعبيرا عن الواقع، الذي عجزت عنه حروف اللغات وكلماتها.

طالب أهالي قطاع غزة من جنوبها حتى شمالها، العالم بالوقوف أمام مسؤولياته لحماية المدنيين في أكثر مدن العالم ازدحاما واكتظاظا كرفح في الجنوب إلى الشمال الذي يتعرض لإبادة لم يسبق لها مثيل، ورأوا أن المواقف العربية كانت أقل من الحدث ولا تتناسب مع حجم المجازر والوحشية الإسرائيلية، مشيرين إلى أن تلك الدول كان عليها أن تمارس ضغطًا أكبر لوقف الحرب، وما ظهر في الحرب الوحشية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزّة كان يتوجب معه دعم عربي أكبر لمواجهة احتلال انتهك الأخلاق والدين والحرمات والقوانين لتنفيذ خططه الوحشية من إبادة جماعية وتطهير عرقي، لإرغام الفلسطينيين على الهجرة القسرية خارج القطاع.
ويقول أهالي القطاع، إن الاحتلال يعمل على إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم من بيوتهم فلا أحد يقف بجانبنا، هذه مؤامرة علينا ونحن نفهمها، وبات العرب يكتفون بالمساعدات الإنسانية التي تلقيها طائراتهم على قطاع غزة بين الحين والآخر، فيما يتفرجون على أطفال وشباب ونساء وشيوخ غزة، وهم يقتلون، أثناء محاولات الحصول عليها.