الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الجريمة، النزيف الصامت/ بقلم: أحمد زكارنة

تجليات

2015-06-16 02:10:03 PM
الجريمة، النزيف الصامت/ بقلم: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة
عادة ما تتعرض المجتمعات الناشئة إلى هزات عنيفة بعض الشيء، تحديداً في مراحل البناء الأولى، خاصة حينما يبدأ ما يمكن وصفه أو تسميته بالصراع الطبقي، ما يخلق حالة من الاختلال المعقد على مستويات عدة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم والمبادئ الأساسية لعامة الناس.

 
نحن في فلسطين لم نشهد هذه الحالة بشكل واضح طيلة القرن الماضي تقريباً، إلا أننا ومع نشأة السلطة وتطور المجتمع وانفتاحه على الرأسمالية في ظل سوق استهلاكي لا ينتج ما يأكل، وانسداد الأفق السياسي، بتنا نلحظ علامات هذا الصراع، وإن لم يكن بالشكل المعلن والصريح.
 
 
في الجانب الآخر من الصورة، إن أردنا أن نقيم البيئة الفلسطينية في ظل زوال حالة المواجهة والصراع المباشرين، لصالح حالة البناء الفردي، لا المجتمعي، بكل ما يحمله مفهوم البناء الفردي من انتماء ذاتي، سنجدها بيئة جاذبة لكل آفة اجتماعية على صلة وثيقة بالاحتلال، لتعد مثل هذه الظواهر أحد أهم أدواته الناعمة لضرب المجتمع وتدجينة.
 
 
ولعل تراجع ثقافة النضال وأدواته، لحساب ثقافة الانفصال ورموزه، من أهم أسباب تفشي مثل هذه الظواهر التي لا تتوقف فقط عند انتشار المخدرات شراءً وبيعاً وتعاطياً، وإنما وصل الأمر إلى انتشار الجريمة بكل أشكالها في زمن الإحساس باليأس والإحباط والقنوط من إمكانية الإصلاح أو التغيير للواقع المر الذي يعيشه المجتمع في مستويات عدة.
 
 
ولكوننا استخدمنا مصطلح الثقافة، في عصر عولمة الأصوليات، ما يلفت النظر حقاً، هو حالة الغياب شبه التام لدور المثقف في الحالة السياسية الراهنة، خاصة حينما نتذكر معاً، أن مسؤول مكتب الإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية الشهيد القائد كمال عدوان، كان كاتباً وإعلامياً، فيما كان الشهيد القائد الشاعر كمال ناصر رئيساً لتحرير مجلة "فلسطين الثورة"، بينما كان الشهيد القائد ماجد أبو شرار مسؤول الإعلام المركزي ومن ثم الإعلام الموحد للمنظمة، إعلامياً وكاتباً وقاصاً أديباً، والقائمة طويلة جداً، والسؤال هنا منْ لدينا اليوم؟
 
 
وبالعودة إلى موضوعنا في هذا المقال، فإن انتشار الجريمة خاصة بين الشباب يعد العقبة الكبرى أمام جهود التنمية والإعمار والبناء، ذلك لأن ما تفرزه الجريمة من أمراض اجتماعية وانحرافات سلوكية، له آثار وأبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية أبعد كثيراً مما نتوقع.
 
 
الأسبوع الماضي، وفي يوم واحد، شهدت مدينة رام الله نموذجاً صارخاً لمثل هذه الآفات، وهو نموذج السرقة التي جاءت بعض حالاتها، لتستهدف بعض سيارات المواطنين من أجل مواد تموينية، في إشارة واضحة للحالة التي وصلنا إليها في ظل تفشي مثل هذه الظواهر. بل والأكثر خطورة من ذلك، هي حالات السرقة العلنية التي تتم وتمت على مرأى ومسمع عدد من المواطنين.
 
 
ففي كراج فندق "الموفنبيك" السفلي حيث دخلت ورجل المباحث الجنائية لرفع بصمات من كسر زجاج سيارتي لسرقة مواد تموينية في الشارع العام المقابل للفندق، تفاجأنا بعد أقل من عشر دقائق، بسيارتين تحملان لوحات صفراء، وتُقل عدداً من الشباب، تهيج وتموج في المكان بشكل صاخب، في مشهد يتأرجح بين الهزل والجد، ولكنه ينتهي بعودة إحدى هاتين السيارتين لسرقة مطفأة حريق صغيرة، وأخرى بوزن خمسة وعشرين كيلو غرام، وتوضع على عجلتين لتسهيل الحركة.
 
 
مشهد يكاد يؤكد أننا وصلنا إلى حالة يرثى لها، سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي، وصولاً إلى الأمني، ذلك الأخير، وأقصد الأمني، الذي بات بحاجة ماسة لإعادة النظر إليه، من حيث الأدوات والمفاهيم، خاصة وأن كل المؤشرات تقول: "إن تفشي الجريمة بهذا الشكل أصبح النزيف الصامت الذي يضرب المجتمع أفقياً وعمودياً".