ورد في حيثيات القرار الصادر عن الدائرة التمهيدية الأولى لدى المحكمة الجنائية الدولية (الوضع في دولة فلسطين) في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 بشأن إصدار أمر قبض ضد القائد العام لكتائب القسام محمد دياب إبراهيم المصري (المعروف باسم محمد الضيف) ما يلي: "قررت الدائرة التمهيدية وجود أسباب معقولة للاعتقاد أنه خلال الفترة المعنية، كان القانون الإنساني الدولي المتعلق بالنزاع المسلح الدولي (بين إسرائيل وفلسطين) والنزاع المسلح غير الدولي (بين إسرائيل وحماس) سارياً ..".
وورد أيضاً في حيثيات القرار الصادر عن الدائرة التمهيدية الأولى لدى المحكمة الجنائية الدولية (الوضع في دولة فلسطين) في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 بشأن إصدار أوامر قبض ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت ما يلي: "وجدت الدائرة التمهيدية أسباباً معقولة للاعتقاد أنه خلال الفترة المعنية، كان القانون الإنساني الدولي المتعلق بالنزاع المسلح الدولي بين إسرائيل وفلسطين سارياً. وذلك لأنهما طرفان ساميان في اتفاقيات جنيف لعام 1949 ولأن إسرائيل تحتل على الأقل أجزاءً من فلسطين. كما وجدت الدائرة التمهيدية أن القانون المتعلق بالنزاع المسلح غير الدولي ينطبق على القتال بين إسرائيل وحماس ..".
تحمل العبارة الواردة في هذه القرارات (النزاع المسلح غير الدولي بين إسرائيل وحماس) مسائل شديدة الخطورة تطال "نزع صفة الاحتلال" وإنكار حق "حركات التحرر الوطني" في "تقرير المصير" في آن واحد.
هذا التوصيف، يُشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي الذي ينطبق على النزاعات المسلحة والاحتلال الحربي لا سيما المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف التي تؤكد انطباق الاتفاقيات في جميع حالات الاحتلال على الأرض الفلسطينية المحتلة ولو لم تُواجه مقاومة مُسلحة. ويتعارض مع البروتوكول الأول الذي يضمن للشعب الواقع تحت الإحتلال حقه في الكفاح المشروع لنيل تقرير المصير.
ويتعارض هذا التوصيف، مع المواقف الثابتة للأمم المتحدة؛ بما في ذلك فتوى محكمة العدل الدولية لعام 2004 بشأن جدار الضم غير الشرعي في الأرض الفلسطينية المحتلة، وفتوى المحكمة ذاتها لعام 2024 وتأكيدها على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد وآثاره. وتأكيد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2024 على وجوب إنهاء هذا الاحتلال طويل الأمد وغير الشرعي بشكل فوري.
إنَّ اعتبار "النزاع بين إسرائيل وحماس نزاعاً مُسلحاً غير دولي" وفقاً للمادة الثالثة المشتركة والبروتوكول الثاني لاتفاقيات جنيف، يعني، أن هذا النزاع يقع على إقليم طرف في اتفاقيات جنيف، ويَخوضه طرفان يتخذان طابع النزاع الداخلي بين قوات نظامية وبين قوات مُنشقة أو جماعات مُسلحة أخرى فهل هذا هو الوضع الفعلي في فلسطين؟
هل العدوان على قطاع غزة يقع ضمن الإقليم الفلسطيني المحتل؟ وهل باتت حركات التحرر الوطني مُجرّد قوات مُسلحة مُنشقة؟ وإذا كانت كذلك عن مَن تنشق؟ أليس الأمر في جوهره مواجهة مع احتلال استعماري غير شرعي ينتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير؟
يُثير هذا التوصيف (النزاع المسلح غير الدولي بين إسرائيل وحماس) المنشق عن القانون الدولي تساؤلات جوهرية حول الوضع القانوني للأرض الفلسطينية المحتلة في نظر المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام كريم خان ومنظمات دولية، وكيف تحوّل من نزاع دولي مُسَلّح بين حركات تحرر وطني في الأرض الفلسطينية المحتلة واحتلال استعماري إلى نزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس؟
خاصة وأنَّ هذا التوصيف، الذي يفتقر للأساس القانوني، يُقوّض الأُسس التي استقرت عليها محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة. ولا يُمكننا التغافل عن التأثير عميق الخطورة لهذا التوصيف على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير المصير ومقاومة الاحتلال.
إنَّ استخدام مصطلحات مُضللة مثل "النزاع المسلح غير الدولي بين إسرائيل وحماس" لا يُضيف حماية للشعب الفلسطيني الأصلاني على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة، بل إنه يفتح المجال لتقويض شرعية نضاله ضد الاحتلال الاستعماري ونظام الأبارتهايد. ويترتب عليه عواقب وخيمة على المستوى الدولي ويستدعي تعرية هذا التلاعب الفج بالقانون الدولي وإعادة الأمور إلى نصابها القانوني الصحيح.
الخلاصة: على المجتمع الدولي، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية وغيرها، احترام التوصيفات القانونية المستقرة بشأن الاحتلال وحقوق الشعوب في تقرير المصير. كما يجب احترام حقوق الشعب الفلسطيني، وشرعية نضاله، من أجل تصفية الاحتلال الاستعماري، بشكل كامل، في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتقرير المصير؛ كقاعدة آمرة (Jus Cogens) عُرفية ومكتوبة وتتمتع بقوة قانونية مُلزمة ومُطلقة في القانون الدولي. هذه الحقوق، اللصيقة بالأرض والشعب الفلسطيني، هي بوصلة العدالة الدولية، ولا يُمكن استخدامها كوسيلة لتبرير الاحتلال الاستعماري أو إنكار نضال مشروع ضد قوى الطغيان.