بعد زلزال السابع من أكتوبر، تبين أن حماس لم تكن قد أبرمت اتفاقات محكمة بهذا الشأن مع إيران وحزب الله الحليف الأقرب ولا مع أي ساحة من تلك التي كوّنت مصطلح وحدة الساحات.
كانت تقديرات حماس لمشاركة الآخرين في تطوير هجوم السابع من أكتوبر ليصل إلى القدس والجليل مجرد تقديرات استنتاجية، جعلتها تشعر بالخذلان، ذلك بفعل محدودية تدخل حزب الله القريب وامتناع إيران عن التدخل كما كان متوقعاً، ورمزية تدخل اليمن الحوثي وغيره من المليشيات، وما أضاف على التحديات والقدرات ما هو فوقها بكثير دخول أمريكا وحلف الأطلسي الحرب بقوةٍ لا قبل لكل الساحات مجتمعة بالوقوف أمامها، أو ردعها عن مشاركة إسرائيل في الحرب على كل الساحات سواء اتخذت طابعاً هجومياً أو دفاعياً.
خلال سنة وشهرين كان الزخم القتالي قد انحصر بالفعل على الساحتين الأماميتين الشمالية والجنوبية، ما أنتج خسائر فادحة وُصفت بغير المسبوقة.
الجديد أن إسرائيل أثبتت ومن خلال الدعم الأمريكي والأطلسي المباشر أنها على عكس كل التقديرات السابقة تستطيع خوض حربٍ طويلة الأمد على سبع جبهات في وقت واحد، كما أنها تجاوزت حدود الحرب الأمنية الدفاعية أو حتى الانتقامية لتتطلع إلى تغيير المعادلات السائدة في المنطقة لمصلحة أجنداتها الراهنة والمستقبلية.
قامت وحدة الساحات على مثلث غير متساوي الأضلاع، قاعدته إيران وضلعاه حزب الله وحماس، كان العنوان الوحدوي، يفتقر إلى الانسجام بحده الأدنى بين برامج وأجندات مكوناته، إذ لكلٍ حساباته المنفصلة عن حسابات الآخر، ولكلٍ قدراته وإسهاماته المختلفة عن الآخر.
غزة المحاصرة والمقطوعة عن أي نوع من الإمدادات. وحزب الله الذي يفتقر لمقاومات فعالة للطيران الإسرائيلي، الذي يدمر ويبيد قرىً بكاملها.
وإيران المقيدّة بحساباتها النووية وطموحها الإقليمي المتعثر، وحصارها المالي، الذي حرمها من استخدام مداخيلها ثم نزفها الذي لا يتوقف في الإنفاق على الأذرع التي صارت عبئاً عليها، أكثر مما هي ميزة لتطلعاتها.
كان حزب الله قد أفصح أو أفصح الناطقون باسمه عن أنه يمتلك مئات آلاف الصواريخ الدقيقة التي تدمر إسرائيل عدة مرات، ويعد خططاً لاحتلال الجليل وإعادة أهله الذين هجروا منه في العام 1948، وللحق قام خلال حرب السنة والشهرين بما يستطيع، حتى آلت الأمور إلى التفاوض على انسحابه من الجنوب.
بينما غزة التي كانت حماس المحاربة على أرضها تعوّل على وحدة الساحات، وجدت نفسها أخيراً وحيدةً تحت احتلال جديد، أفصح نتنياهو عن أنه سيكون طويل الأمد بما في ذلك إدارته بحكومة عسكرية.
أخيراً وقع الانفصال بين ساحتي حماس وحزب الله. إن الذي وقع بالضبط هو إزالة المدماك الأساس من المبنى المسمى بوحدة الساحات، ما سيؤدي حتماً إلى انهياره.
حزب الله يتموضع في بلده مهما كانت نتائج الحرب، وسيلتزم بما ستلتزم به دولة لبنان الذي هو جزءٌ أساسيٌ عضويٌ من مكوناتها الطائفية والكيانية والسياسة، ومثلما قبل ترسيم الحدود البحرية وتبناه، فسوف يقبل ترسيم البرية وسيقول إنه المسؤول عن كل ما سينطوي عليه من إيجابيات.
وإيران التي نأت بنفسها وبدهاء عن حرب غزة، وأدارت لعبة الأذرع بما لها وما عليها لتعظيم رأس مالها في شراكة النفوذ الإقليمي، كانت نظمّت صلاة حاشدة على روح الشهيد إسماعيل هنية، وسوف تواصل النأي بالنفس وبصورة دائمة، فهي تدرك مغزى انتشار الأساطيل الأطلسية على مقربة منها.
أمّا حماس.... وهنا بيت القصيد، فقد كانت وما تزال ضحية حسن النية في فهم وحدة الساحات، فقد تجد نفسها تقول ما قاله الشاعر الشهيد كمال ناصر... يا وحدنا!.