ترجمة الحدث
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي ورقة تقدير موقف عن "ميزانية الدولة" في إسرائيل لعام 2025 في ضوء استمرار الحرب التي ألحقت خسائر كبيرة بالاقتصاد المحلي، كما تشير مؤشرات عدة، فقد تجاوز العجز السنوي في سبتمبر/أيلول 2024 العجز المتوقع بنحو نقطتين مئويتين وبلغ 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتأثر النمو الاقتصادي بشدة، ففي عام 2023، بلغ معدل النمو 2% فقط، وهو نمو سلبي قدره 0.1% للفرد، عند أخذ النمو السكاني في الاعتبار.
وتبلغ توقعات النمو لعام 2024 1% فقط، مما يعني نموا سلبيا قدره 1% للفرد، وتم إغلاق ما يقرب من 59 ألف مشروع تجاري في إسرائيل منذ بداية الحرب وتم افتتاح 36 ألف مشروع جديد. وفق الورقة، لولا الدعم الحكومي، لكان من الممكن أن يكون الضرر الذي لحق بالشركات أكثر خطورة، ولكن من المحتمل أن ينعكس الضرر في السنوات القادمة. إلى جانب كل ذلك، تستمر الحرب في ساحات عدة وبكثافة متفاوتة، وليس من الواضح متى ستنتهي، والأعباء على جنود الاحتياط وعائلاتهم والتحديات الأمنية تتزايد.
واعتبرت ورقة معهد دراسات الأمن القومي أن القيام بالتخطيط للميزانية أكثر صعوبة مما كان عليه في السنوات السابقة. وكان الهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية عشية إقرار الموازنة هو توفير موازنة تستجيب للاحتياجات الأمنية المتزايدة والحفاظ على القوة الاقتصادية لإسرائيل. ومع ذلك، فإن فحص الميزانية المعتمدة يلقي بظلال من الشك على قدرة الحكومة على تحقيق هدفها المعلن.
الميزانية التي وافقت عليها الحكومة: الخصائص الرئيسية
وتعكس الموازنة الجديدة زيادة قدرها 20 مليار شيقل مقارنة بموازنة 2024 (587 مليار)، وزيادة كبيرة بقيمة 100 مليار شيقل مقارنة بالموازنة الأصلية لعام 2024 التي تمت الموافقة عليها قبل بدء الحرب. وتعكس الزيادة في الميزانية ارتفاع النفقات المرتبطة بإدارة الحرب الحالية. وبالتالي فإن ميزانية الدفاع لعام 2025 ستكون 117 مليار شيقل، رغم معارضة وزارة المالية للأمر.
وعشية المصادقة على الميزانية، توصلت وزارة الجيش ووزارة المالية إلى اتفاقات بشأن ميزانية دفاع بقيمة 102 مليار شيقل. لكن عملياً، أقرت الحكومة موازنة أعلى بنسبة 14%، وهي تعادل حجم ميزانية الدفاع لعام 2024. علاوة على ذلك، تمت الموافقة على هذه الزيادة قبل صدور توصيات لجنة فحص ميزانية الدفاع (لجنة ناجل) والتي من المتوقع أن توصي بزيادة أخرى في ميزانية الدفاع، مع الإشارة إلى أن ميزانية الدفاع لعام 2024 التي تمت الموافقة عليها قبل الحرب كانت 65 مليار شيقل فقط.
وبعيدا عن ميزانية الدفاع، التي تتلخص في النفقات المباشرة للمجهود الحربي، فإن تأثير الحرب ينعكس في العديد من بنود الميزانية الحالية، مثل الخطة الخمسية لإعادة تأهيل وتطوير الشمال بـ 15 مليار شيقل، وبرنامج "تاكوما" بقيمة 5 مليارات شيقل، والذي يهدف إلى إعادة تأهيل المستوطنات في غرب النقب، وبرامج أخرى تهدف إلى تعويض ضحايا الحرب. هذه النفقات ضرورية، لكن بالطبع أموال الموازنة لن تأتي من العدم وستجبر الحكومة على خفض نفقاتها وفي الوقت نفسه زيادة العبء الضريبي على الجمهور.
واعتبرت الورقة أن الميزانية فرصة ممتازة للحكومة للتذرع بالحرب، ومن الناحية العملية، أهدرت الحكومة هذه الفرصة عندما وقع معظم العبء على الإسرائيليين الذين يعملون. ومن أبرز القرارات التي تم فرضتها هي زيادة أقساط التأمين الاجتماعي وضريبة الصحة وزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 18% وتجميد معدلات ضريبة الدخل وهو ما يؤدي إلى زيادة مدفوعات العمال. كل هذه القرارات سيكون لها تأثير كبير في العام المقبل، خاصة لدى الطبقة المتوسطة. ومن ناحية أخرى، فإن تأثير العديد من اعتبارات الائتلاف الحاكم حال دون إجراء المزيد من التخفيضات. على سبيل المثال، سيصل حجم أموال الائتلاف إلى 5.4 مليار شيقل مقارنة بـ 4.1 مليار شيقل، كما هو محدد في مقترح الميزانية، بما في ذلك دعم أكثر من 600 مليون شيقل للمدارس الخاصة التي لا تقوم بتدريس المنهاج الرسمي (المدارس الدينية).
وبحسب الورقة، فإنه على الرغم من الدعوة منذ بداية الحرب لإغلاق المكاتب الحكومية، لم يتم إغلاق مكتب واحد. في قانون الترتيبات تم اقتراح إغلاق خمسة مكاتب حكومية، وكان الاقتراح في ديسمبر 2023 بإغلاق عشرة. عملياً، ونظراً لاعتبارات الائتلاف الحاكم، لن يتم تقليص أي مكتب حكومي رغم أن تكلفة كل مكتب تقدر بمئات الملايين من الشواقل. تجدر الإشارة إلى أن إغلاق المكاتب الحكومية وخفض أموال نفقات الائتلاف بشكل كبير لم يكن ليحل مشكلة الميزانية للعام المقبل، لكن كان من المفترض أن تكمن أهميتها في قيمتها الرمزية، كنموذج لشعور أحزاب الائتلاف الحاكم بحجم الأزمة في ظل الحرب.
وفق الورقة، تتميز ميزانية 2025 بزيادة العجز المستهدف إلى أكثر من 4%، ولكنه من المتوقع أن يتجاوز هدف العجز عتبة 5% بعد اعتماد توصيات لجنة "ناجل" والموافقة عليها في الكنيست، وأيضا لا تتضمن الميزانية بصيغتها الحالية إصلاحات اقتصادية كبيرة أو غيرها من التدابير التي تدعم محركات النمو في المستقبل.
وتشير الورقة إلى وجود شبه اتفاق في توقعات وزارة المالية وبنك إسرائيل وصندوق النقد الدولي وشركات التصنيف الائتماني على أن الاقتصاد الإسرائيلي سيعاني في العام المقبل من عجز مرتفع. بالإضافة إلى ذلك، يظهر أن المؤسسات الإسرائيلية تميل إلى التفاؤل أكثر من المؤسسات الدولية، وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية الحرب تبين أن توقعات المؤسسات الدولية أكثر دقة.
وبينت الورقة أن الحكومة الإسرائيلية تموّل التكلفة الاقتصادية للحرب حتى الآن عن طريق زيادة الديون. ونتيجة لذلك، هناك زيادة كبيرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل، والتي تقترب من 70 في المائة، وكذلك في علاوة المخاطر للسندات الإسرائيلية، التي ارتفعت إلى مستوى يزيد عن 1.7 في المائة، بينما كانت قبل الحرب عند مستوى 0.8 بالمئة فقط. وعلاوة المخاطر الحالية في إسرائيل مماثلة لتلك الموجودة في رومانيا وأعلى من تلك الموجودة في دول مثل البيرو والمكسيك والمجر. لذلك ليس من المستغرب أن جميع وكالات التصنيف الائتماني خفضت تصنيف إسرائيل في العام الماضي، بل وأعطت توقعات سلبية للاقتصاد الإسرائيلي، فقد خفضت موديز تصنيفها ثلاث درجات، وستاندرد آند بورز درجتين، وفيتش درجة واحدة. يقترب تصنيف إسرائيل بشكل مثير للقلق من مستوى "التصنيف غير المرغوب فيه"، الأمر الذي سيمنع العديد من المستثمرين المؤسسيين من شراء سندات إسرائيل وحتى الشركات الإسرائيلية.
وتلفت الورقة إلى أن وكالات التصنيف الائتماني ستواصل فحص سلوك إسرائيل الاقتصادي بعدسة مكبرة في العام المقبل. وقد أشاروا في تقاريرهم إلى الحرب المستمرة دون استراتيجية خروج، والاستقطاب الاجتماعي والسلوك الاقتصادي غير المسؤول للحكومة الحالية كأسباب بارزة لزيادة المخاطر الاقتصادية للاستثمار في إسرائيل. وذكروا جميعا أن العجز الإسرائيلي سيكون أعلى مما تتوقعه وزارة المالية ويتوقعون عجزا يصل إلى 6 % في 2025.
وترى الورقة أنه من أجل التقليل من هذه المخاوف، يجب على الحكومة أن توافق على ميزانية مسؤولة لعام 2025 تظهر أنها تأخذ التحديات الاقتصادية التي تواجهها إسرائيل على محمل الجد. وإلا فإن احتمالات وقوع إسرائيل في أزمة مالية في السنوات المقبلة ستزداد. لقد شهدت إسرائيل بالفعل مثل هذه الأزمة في خضم الانتفاضة الثانية. وفق هذا السيناريو، يفقد المستثمرون الثقة في قدرة إسرائيل على سداد ديونها، وتقفز علاوة المخاطرة، وتعجز الحكومة عن تمويل نفقاتها من خلال زيادة الديون. ستؤدي الأزمة المالية إلى أزمة مالية، مما سيؤدي بالاقتصاد إلى ركود عميق، ولن تؤدي هذه الأحداث إلى الإضرار بالقوة الاقتصادية الإسرائيلية فحسب، بل أيضا بالمجهود الحربي برمته، ومن الصعب تصور وضع تحتفظ فيه إسرائيل بحرية العمل العسكري بينما ينهار اقتصادها.
وختمت الورقة بأنه من المتوقع أن يوافق الكنيست على الميزانية بعد حوالي ثلاثة أشهر، وهذه فترة زمنية طويلة بما يكفي للحكومة الإسرائيلية لإجراء التعديلات المناسبة بناءً على توصية وزارة المالية. إن تحقيق هدف العجز بنسبة 4%، وإغلاق المكاتب الحكومية، وخفض أموال الائتلاف، والدعم الواسع لمحركات النمو، هي مجموعة صغيرة من التوصيات التي قد تحسن الوضع الاقتصادي في إسرائيل. إن أهمية وجود اقتصاد قوي ومستقر أمر بالغ الأهمية لأمن إسرائيل القومي في أوقات السلم، بل وأكثر من ذلك في أوقات الحرب.