خاص الحدث
طالبت المحكمة الجنائية الدولية، الدول الأعضاء بها، بالتعاون بشأن تنفيذ مذكرتي اعتقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيش الاحتلال السابق يوآف غالانت، وذلك بعد السخط والغضب الإسرائيليين من الأوامر التي تعدّ الأولى من نوعها، وسط ترجيحات بأن هناك بعض الدول التي لن تلتزم بهذه الأوامر وستلتف عليها مثل فرنسا، التي أعلنت وزارة خارجيتها أنها ستحترم التزاماتها الدولية مع العلم أن نظام روما الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية ينص على أنه لا يمكن إجبار أي دولة على التصرف بطريقة غير متوافقة مع التزاماتها فيما يتعلق بحصانات الدول غير الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بعد محاولة باريس تجنب إعلان موقفها من القرار لنحو أسبوعين، حيث اعتبرت أن التزامها بأوامر الاعتقال "أمر معقد من الناحية القانونية".
أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تشمل استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد في قطاع غزة، الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية إسرائيلية متواصلة منذ أكتوبر 2023، وكانت دول عربية وغربية قد أعربت ضرورة احترام القرار الذي يأتي على وقع استمرار العدوان على قطاع غزة.
ووفق بيانات الجنائية الدولية عبر موقعها الإلكتروني، توجد 33 دولة في إفريقيا و28 دولة في الأمريكتيين و25 دولة في أوروبا الغربية و19 دولة في آسيا والمحيط الهادئ، و19 دولة في أوروبا الشرقية وجميعهم موقع ومصدق على قرارات المحكمة.
وتشير التقديرات السياسية والقضائية لدى الاحتلال، إلى أن "فرصة عكس النتيجة من خلال الوسائل القانونية، ضئيلة حتّى معدومة، والمسار الوحيد الذي يمكن لإسرائيل أن تسلكه، هو ممارسة ضغوط أميركية هائلة على الدول التي تعترف بسُلطة المحكمة، وعدم تطبيق مذكّرتي الاعتقال المتعلّقة بنتنياهو وغالانت".
وفيما ذكر التقرير أن الولايات المتحدة، التي لا تعترف بسلطة المحكمة الجنائية ولا تشارك في تمويلها، ليس لها تأثير مباشر على الإجراءات داخل المحكمة، ولفت إلى أنها تستطيع الضغط على الدول الأخرى، لتجاهُل أوامر الاعتقال.
وقال المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبد الله، إن المدعي العام للمحكمة أكد في عدة تصريحات رفضه للضغوط التي حاول البعض ممارستها عليه، وإن مكتبه يواصل متابعة تحقيقاته المستقلة والمحايدة في الوضع في دولة فلسطين.
الخبير القانوني ومدير مؤسسة "الحق" لحقوق الإنسان، شعوان جبارين، أكد أن موقف المؤسسات الحقوقية الفلسطينية جاء مرحبا للقرار بشكل قوي، "فهذه لحظة تاريخية مهمة في إطار إنهاء ثقافة الإفلات من العقاب وتوفير حدّ نسبي للضحايا من العدالة، وإن تأخر الأمر ولكن هذا قرار مهم جدا وتاريخي في إطار أن إسرائيل هي الدولة المدللة لكل الدول الأوروبية وأمريكا، وبالتالي فإن سياسة الكيل بمكيالين كانت تسير على قرارات المحكمة الجنائية الدولية سابقا وكانت تختار الدول الضعيفة، وهذه أول قضية تكون ضد دولة ذات علاقات قوية جدا مع الغرب الذي يدافع عنها دائما وله مع الاحتلال اتفاقات عديدة، ولولا الغرب وأمريكا، لا يوجد هناك احتلال إسرائيلي في فلسطين ولا استعمار".
وقال جبارين في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، إن الأمر الذي خرج ضد رئيس وزراء الاحتلال ووزير جيشه، يعني أن المحكمة لم تخسر أهدافا بسيطة وعادية، فهي أصدرت القرار بحق رأس الهرم، المسؤول عن هذه الجرائم رغم كونه ليس الوحيد، وهذه الجرائم شارك فيها عديدون، والمحكمة لم تدرج جريمة الإبادة على سبيل المثال ولكنها أبرزت جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وهذه ليست بالقليلة، فهي جرائم دولية".
وأكد، أن المؤسسات الحقوقية ستستمر في التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية باتجاه الدفع بمسألة جريمة الإبادة الجماعية التي تقع في إطار اختصاص المحكمة.
واعتبر أن مذكرات التوقيف، ترتب واجبات على الدول الأعضاء في المحكمة وفق ميثاق روما، حيث يلزم الدول الأعضاء بإلقاء القبض عليهم في حال دخلوا أراضي أي دولة عضو، "وبالتالي سيكون هناك امتحان حقيقي تحديدا للدول الأوروبية، بمعزل عن موقف فرنسا، الذي اعتبره جبارين "بيعا بشكل رخيص"، حيث تحاول فرنسا اتباع أمر مخالف لميثاق روما تحت بند أن إسرائيل ليست دولة عضو، وبالتالي نتنياهو يتمتع بحصانة بصفته رئيسا للوزراء، وهذا ليس ميثاق روما وليس ما يترتب على واجبات هذه الدول، وهذا نوع من المساومات السياسية وليس موقفا قانونيا، ويجب أن تتراجع فرنسا عن موقفها لأنها قررت منح نتنياهو ووزير حربه السابق الحصانة في حال دخول الأراضي الفرنسية، وحاولت تقديم موقف لا ينسجم ولا يتسق مع التزامات فرنسا كدولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، بحسب شعوان جبارين.
ووفق جبارين، فإن الدول المخالفة للقرار، تخالف التزاماتها حسب ميثاق روما، وهي تتنكر لهذه الالتزامات ولا يوجد هناك بالمعنى المفاهيمي للعقوبات على الدول المتخلفة، وإنما الأمر هذه الدول تضع نفسها في إطار الدول التي لا تحترم التزاماتها وتعاقداتها، وهي نقطة معنوية بالدرجة الأساس.
وأكد جبارين أن "كل دول الاتحاد الأوروبي، هي دول عضو في ميثاق روما، وبالتالي فإن سيادة هذه الدول على الأرض والبحر والجو، وبالتالي يجب أن نتحرك لاحقا لمحاولة منع مرور نتنياهو في أجواء هذه الدول، وهذا يقع في إطار التزامات هذه الدول، وهو ما نحركه دوليا لاحقا".
وحول الخيارات الإسرائيلية ضد القرار، قال جبارين، إن إسرائيل رفعت في 27 نوفمبر 2024، استئنافا للمحكمة مبنيا على قاعدة الاختصاص، بأن الدائرة التنفيذية لم تحترم الإجراءات التي تقدموا بها ورفضت المحكمة التمهيدية ما قدموه حول موضوع الاختصاص، والأمر الآخر، إسرائيل لأول مرة تتعامل بهذا الشكل بأن حكومة إسرائيل تطلب من محكمة الاستئناف أن ينظروا في القضية بعدم وجود اختصاص للمحكمة على إسرائيل.
ويقدر جبارين، أن المساعي الإسرائيلية ستفشل، ولن تستجيب لها الحكمة، وبعدها لا يوجد أي خيار آخر أمام إسرائيل بشأن هذا القرار، كون الاستئناف هو المحطة الأعلى في هذا الجانب، وهذا لا يؤثر وفق جبارين على استمرار فاعلية مذكرات القبض الصادرة بحق نتنياهو وغالانت، إلا إذا محكمة الاستئناف أقرت بعدم وجود اختصاص، و"لا أعتقد أن المحكمة ستقضي على نفسها وستضرب نفسها بالسكين"، لأنها بقراراتها هذه تدافع عن وجودها وعن مهنيتها وعن صورتها أمام العالم، كون صورتها السابقة كانت مرتبطة بكونها محكمة تلاحق دول الجنوب ولا تلاحق الدول القوية والمدعومة غربيا.
غضب إسرائيلي
وأبلغت إسرائيل المحكمة الجنائية الدولية بأنها ستطعن في مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق نتنياهو وغالانت، وأوضح مكتب نتنياهو- في بيان- أن إسرائيل طلبت أيضا من المحكمة تعليق تنفيذ مذكرتي التوقيف الصادرتين بحق نتنياهو وغالانت في انتظار ما سيسفر عنه الاستئناف.
وأضاف أن السيناتور الجمهوري الأميركي ليندسي غراهام أطلع نتنياهو، على "سلسلة من الإجراءات التي يطرحها في الكونغرس ضد المحكمة الجنائية الدولية والدول التي قد تتعاون معها"، وخلص إلى أن المحكمة إذا رفضت الاستئناف "فإن ذلك سيثبت لأصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم مدى انحياز المحكمة الجنائية الدولية ضد دولة إسرائيل".
وعقب صدور القرار، اتهم نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية بـ"معاداة السامية"، وقال إن "القرار المعادي للسامية الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية يمكن مقارنته بمحاكمة دريفوس، وسينتهي بالطريقة نفسها. مضيفا أنه "ليس هناك أعدل من الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023"، على حد زعمه.
وشدد نتنياهو، أنه "لن يستسلم للضغوط ولن يتراجع ولن ينسحب من قطاع غزة إلا بعد تحقيق جميع أهداف الحرب التي حددتها إسرائيل". والتي أكد خبراء ومحللون وعسكريون أنها بعيدة المنال ولا يمكن تحقيقها.
وكتب وزير الخارجية الاسرائيلي جدعون ساعر عقب صدور القرار، إن "هذه لحظة سوداء للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فقدت فيها كل شرعية لوجودها ونشاطها. إنها أداة سياسية في خدمة العناصر الأكثر تطرفا التي تعمل على تقويض السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط"، واعتبر أنها "أوامر عبثية بدون أي سلطة".
ترحيب فلسطيني
في المقابل، رحبت حماس بقرار الجنائية الدولية، وقالت في بيان مقتضب: نرحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال ضد الإرهابِيَين بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، معتبرين هذه الخطوة سابقة تاريخية تهدف إلى محاسبة قادة الاحتلال على جرائم الحرب المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني منذ 76 عاما.
ورحبت السلطة الفلسطينية بقرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، وطالبت جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وفي الأمم المتحدة تنفيذ هذا القرار، ووصفت القرار بأنه "يعيد الأمل والثقة بالقانون الدولي ومؤسساته.
وفي وقت سابق، أشارت تقارير عبرية، إلى أن القرار غير مسبوق، ويجري على خلفيته نتنياهو مناقشات بشأن مذكرتي الاعتقال بمشاركة المستشارة القضائية لحكومته، غالي بهاراف ميارا، وكبار الوزراء الإسرائيليين، لاتخاذ قرار بشأن كيفية المضيّ قُدما بالخصوص.
ووفقا للتقارير، فإن الاحتلال الإسرائيلي يبحث خيارين اثنين، الأول هو تقديم ردّ للمحكمة، وإذا أعلنت حكومة الاحتلال عن نيّتها تقديم ردٍّ، فأمامها وقت لصياغة محتوى الرد، لكن لدى الاحتلال التزام بالإعلان خلال خمسة أيام من صدور القرار عن وجهتها بالخصوص.
أمّا الخيار الثاني، فهو التجاهل، والمضيّ حتّى النهاية، لحلّ مشكلة الجنائية الدوليّة من جذورها، "مرّة واحدة وإلى الأبد"، حيث لا يمكن الاستئناف ضدّ مذكرتيّ الاعتقال نفسيهما، وإنما يمكن تقدير ردّ، من شأنه أن يساهم في الحدّ من توسيع الإجراءات القضائية التي تتخذها المحكمة.
وذكر تقرير لـ "واينت"، أن التوجّه في إسرائيل أن عدم تقديم ردّ على قرار الجنائية، وانتظار التطورات على الساحة الدولية، وبخاصة ردّ الفعل المنتظر، مع دخول الإدارة الأميركية الجديدة في 20 كانون الثاني/ يناير" برئاسة دونالد ترامب، كما أن هناك خشية في إسرائيل من أن يحاول المدعي العامّ للمحكمة، كريم خان، إصدار أوامر اعتقال سريّة ضد جنود وضباط إسرائيليين. معتبرا أن "العالم لا يُبنى وفق أوامر الاعتقال، بل وفق مصالح اللاعبين، والترجيحات تشير إلى أن ألمانيا وبريطانيا لن تمتنعا عن اللقاء بنتنياهو"، و"ستكون هناك الكثير من الضغوط على المحكمة لإيجاد طريقة، وفي النهاية سيتمّ حلّ الأمر تحت غطاء قانونيّ ما".
وزعم تقرير واينت، أن هناك بطريقة قانونية دبلوماسية لتجميد أوامر الاعتقال إذ يمكن أن يتم ذلك من خلال قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وذلك بقرار الأغلبية ودون فرض حق النقض (فيتو) من قبل الدول الخمس الدائمة، وفق محام في الجنائية الدولية. وذكر أنه "لا شك أن وجهة نظر فرنسا وبريطانيا، بعدم فرض حق النقض في مجلس الأمن وتجميد الإجراءات الجنائية، ستكون وسيلة الإقناع لإجبار نتنياهو على إنهاء الحرب على غزة، والطريقة الوحيدة لضمان قدرة نتنياهو على التحرُّك بين الدول الأعضاء في المحكمة والحصول على اعتراف المجتمع الدوليّ، هي التقدم بطلب إلى مجلس الأمن الدوليّ".