في الآونة الأخيرة، عاد موضوع صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية ليصبح محورًا رئيسيًا في الإعلام الإسرائيلي، حيث شهدنا تصاعدًا في التصريحات حول إمكانية إتمام هذه الصفقة من قبل عدد من الساسة والقادة العسكريين الإسرائيليين خلال الفترة القادمة.
يأتي هذا الحديث في وقت حساس يتزامن مع تطورات إقليمية هامة مثل الاتفاق مع لبنان، ويتماهى مع رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في إبرام إتفاق مماثل. كما يتماشى هذا الحديث مع استطلاعات الرأي التي أظهرت دعمًا واسعًا من المجتمع الإسرائيلي للمسألة، حيث أشارت القناة 12 بأن 71% من الإسرائيليين يؤيدون صفقة تبادل الأسرى وإنهاء الحرب. ورغم ذلك، لا يُناقش في إسرائيل الثمن الذي يجب أن تدفعه من أجل تحقيق هذه الصفقة.
تُظهر المواقف الأمريكية والإسرائيلية غموضًا واضحًا حول التفاصيل الدقيقة لهذه الصفقة. بينما تسعى الولايات المتحدة إلى دفع نحو إتمام صفقة تبادل، لا تحدد الإدارة الأمريكية بوضوح شروط هذه الصفقة أو انعكاساتها المستقبلية. بعض التحليلات تشير إلى أن هذا التوجه الأمريكي يهدف إلى حل جزئي للأزمة الحالية، يعيد الأسرى لدى المقاومة، لكن دون التطرق إلى القضايا الاستراتيجية وإنهاء الحرب. وقد يكون هذا التوجه هو سبب الموقف الإسرائيلي الذي يبدو أنه يريد إتمام الصفقة على أسس جزئية، بهدف الحفاظ على الوضع القائم.
وفي هذا السياق، نرى أن بنيامين نتنياهو، قد تحدث في أكثر من مناسبة عن "الظروف المواتية لإبرام صفقة تبادل"، ويقصد أن الظروف اليوم تدفع حماس إلى تقديم لتنازلات في مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. ما يبدو واضحًا من السلوك الاسرائيلي الذي لم يتبدل هو رغبة إسرائيل في التوصل إلى صفقة جزئية لا تشمل تغييرات جوهرية في الأوضاع داخل قطاع غزة.
في الجهة المقابلة، يظهر الموقف الفلسطيني في صورة رباعية مترابطة تضم أربعة محاور رئيسية: إنهاء الحرب، الانسحاب الكامل، إعادة إعمار قطاع غزة، وإبرام صفقة التبادل. وهذه المحاور تمثل في مجموعها موقفًا متماسكًا وشاملاً يهدف إلى معالجة الأزمة من جوانبها الإنسانية والسياسية والعسكرية.
من المهم الإشارة إلى أن المرونة الفلسطينية، في هذه الحالة، تقتصر على آليات التنفيذ والتوقيت، بينما تظل المطالب الفلسطينية جوهرية وثابتة، لا سيما في ما يتعلق بالمطالب الأساسية. وفي هذا السياق، تعتبر الصفقة مجرد أداة للوصول إلى حل شامل للأزمة، وليس الغاية النهائية. على الرغم من التحديات التي قد تطرأ على التفاوض، فإن الفلسطينيين يتمسكون بمواقفهم الرئيسية، التي تشمل انسحابًا إسرائيليًا كاملاً من غزة، وإعادة إعمار القطاع، والإعلان عن نهاية الحرب.
أحد العوامل المهمة في تعزيز الموقف الفلسطيني هو قدرة الفصائل الفلسطينية على التوافق على تشكيل إدارة قطاع غزة. هذا التوافق الفلسطيني يمكن أن يسحب "الكرت" الذي ترفعه إسرائيل باستمرار، الذي يتمثل في أنه لا يمكن إبرام أي اتفاق دون القضاء على حكم حماس. فإذا تم التوصل إلى اتفاق داخلي فلسطيني حول تشكيل حكومة موحدة لإدارة غزة، فإن ذلك يعزز الموقف الفلسطيني ويعطيه مزيدًا من القوة في المفاوضات مع إسرائيل.
على الرغم من التقدم الذي قد يتحقق في توافق الفصائل الفلسطينية، لا يزال من الضروري تشكيل طاقم مفاوضات فلسطيني موحد، قادر على التفاوض بشكل فعال. إن التشتت الداخلي الفلسطيني قد يعيق التوصل إلى اتفاق شامل، حيث تتفاوت المصالح بين حماس والسلطة الفلسطينية والفصائل الأخرى. لذلك، من الضروري تشكيل فريق تفاوضي توافقي بين كافة الأطراف الفلسطينية، يسعى إلى تحقيق مصالح جميع الفلسطينيين، من خلال التركيز على القضايا الوطنية وإنقاذ ما تبقى من القضية الفلسطينية.
حتى الآن، لا تزال الحرب مستمرة، والمفاوضات حول صفقة التبادل لا تزال في مراحلها المبكرة. وعلى الرغم من وجود بعض المؤشرات التي تدل على استعداد الأطراف المختلفة للبحث في إمكانية إبرام هذه الصفقة، لا يزال من المبكر تحديد ما إذا كانت ستؤدي إلى إنهاء النزاع بشكل نهائي. إذا استمرت الضغوط الداخلية والخارجية، فقد نشهد تطورات إيجابية في المستقبل. ولكن حتى الآن، تظل الأمور في مرحلة البناء الأولي للإطار التفاوضي.