تبدو العبارة المتداولة "التاريخ يعيد نفسه" عبارة لا قيمة لها في عرف الساسة العرب، ولا يُحفز حدث بقيمة سقوط ثلاثة وخمسين عاما من حكم عسكري استبدادي، شبيه بحكم معظم الأنظمة العربية الحاكمة، شيئا من التفكير في إمكانية الاتعاظ من قبل أنظمة شاخت وفشلت . حتى في الدول التي حاولت خوض غمار الثورات الشعبية، عادت وارتكست لسبب أساسي وهو عدم النضج كفاية لمواجهة رسوخ وعمق الدولة والنظام الحاكم الذي كان يشن ثورات مضادة تجهض ثورة الشعوب المقموعة. غير أن التاريخ يفهم بأنه ما كان وما كان يمكن أن يكون مما لم يكن، تلك هي القراءة التي تفتح احتمالات أن النكوص لا يعني الخروج من التاريخ أو النهاية، وهو ما كان رأيا سائدا بعد الادعاء بفشل "الثورة السورية". وذلك بغض النظر عن الأطراف المتدخلة أو القائمة على هذه الثورة، وانتماءاتها وأيديولوجياتها، والتي فيها مما يفرق أكثر مما يجمع، لولا احتمالات أن تكون هنالك صيغة من النضج والوعي، والتعلم من دروس ما كان في مكان ارتكس ونُقِضت محاولات انعتاقه.
ليست دروس التاريخ مظلمة بالضرورة، فهي ذات وجهين، غير أن التغيير دائما ما يصاحبه الخوف، فذلك اجتهاد الطبيعة والغريزة في الإنسان الذي يحاول الحافظ على بقائه. والأمر لا يحتاج إلا إلى قليل من الدفع باتجاه شيئ من المجازفة في حياة الفرد السياسية والأخلاقية كي يتمكن من تجاوز مرحلة التلقي والانسياق إلى مرحلة التفكير والفعل، ومن ثم التأمل في الفعل وتجويد أحكامه. ذلك جزء من فعل المقاومة، وأين تبدأ على مستوى الفرد. لكن ماذا بشأن الأنظمة أو الفاعل السياسي المستحكم المستبد؟ يبدو الأمر مشابها عندما يستثنى التفكير ويظل السياسي قابعا في الغرفة الأولى من الإدراك ليظل السؤال قائما: لماذا لا تفكر الأنظمة العربية؟ أم أنها لا تريد التفكير؟
في معظم الأحيان يوصف السياسي بالذكاء، غير أنه عربيا يوصف بالغباء المستفحل والممتد أفقيا وعموديا، ومثلما يُصاب الفرد بعدوى الأمل، فإنه يصاب بعدوى الغباء التي ينشرها السياسي فتشل تفكير الفرد. وهو الإنجاز الوحيد من وجهة نظر السياسي، أن يظل الفرد غبيا غير قادر على التفكير في غبائه وغباء السياسي الذي يستبد به.