الحدث الصحي
تعيش القرى الفلسطينية الواقعة في المناطق المصنفة "ج" أوضاعًا صعبة تفاقمها سياسات الاحتلال وحصار المستوطنات الذي يعيق حركة السكان ويقيد وصولهم إلى الخدمات الأساسية، بما فيها الرعاية الصحية. في مواجهة هذه التحديات، نظمت منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" يومين طبيين مكثفين في قريتي جينصافوط بمحافظة قلقيلية والديك بمحافظة سلفيت. هذه المبادرة جاءت استجابة لمعاناة الأهالي الذين يواجهون تضييقًا مستمرًا بفعل الاستيطان. وقد استفاد مئات المرضى من الفحوصات والعلاجات، مما يعكس أهمية هذه التدخلات الإنسانية في تخفيف حدة المعاناة ودعم صمود المجتمعات المتضررة.
جينصافوط: 472 مريضًا يواجهون النقص الطبي
شهدت قرية جينصافوط يومًا طبيًا مكثفا نظمته المنظمة في مدرسة القرية الثانوية بالتعاون مع المجلس المحلي. استفاد 472 مريضًا، بينهم 35 طفلًا، من خدمات طبية متنوعة شملت استشارات وعلاجًا متخصصًا. رحّب رئيس المجلس المحلي، جلال بشير، بفريق الأطباء وأعرب عن امتنانه لهذه الجهود، مشيرًا إلى المعاناة التي يواجهها سكان القرية نتيجة إغلاق الطرق الرئيسية والاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضيهم لصالح المستوطنات المحيطة مثل "كرني شمرون" و"عمّانوئيل". وقال بشير: "يواجه المزارعون معاناة يومية مستمرة تفاقمت مع مرور الوقت، لا سيما خلال موسم قطف الزيتون الذي يمثل أحد أهم مواسم العمل الزراعي والحياة الاقتصادية لسكان القرية. ورغم الجهود المبذولة للتنسيق مع السلطات، تُفرض قيود شديدة على حركة المزارعين، مما يحول بينهم وبين الوصول إلى أراضيهم التي تقع بالقرب من المستوطنات أو خلف الجدار. هذه القيود هي جزء من معاناة أعمق يعيشها السكان، حيث تتعرض أراضيهم ومزارعهم للاقتطاع والتخريب، ما يهدد مصدر رزقهم الوحيد ويتركهم أمام خيارات محدودة في سعيهم لتأمين حياة كريمة".
ضم الفريق الطبي مجموعة من المتخصصين، أبرزهم البروفيسور رافي والدن (جراح الأوعية الدموية)، والدكتور أحمد أبو سماحة (طبيب عام)، إلى جانب أطباء في مجالات الأطفال، العيون، وجراحة العظام. وفي كلمته، أكد البروفيسور والدن على التزام المنظمة بتقديم الدعم الطبي والإنساني، قائلًا: "وجودنا هنا يعكس تضامننا مع قضية عادلة تتطلب تحقيق الحرية والكرامة. نمر جميعًا بظروف صعبة، لكننا نأمل أن يحمل المستقبل تغييرات إيجابية".
قرية الديك: 304 مرضى تحت وطأة الهدم
في قرية الديك، التي يقطنها نحو 6500 نسمة، نظم اليوم الطبي في مبنى البريد بالتعاون مع المجلس المحلي. استفاد 304 مرضى، بينهم 36 طفلًا، من هذه المبادرة التي جاءت في وقت حساس، إذ كانت جرافات الاسرائيلية تهدم بيوتًا زراعية في القرية خلال الفعالية.
أوضح نائب رئيس المجلس المحلي، محمد ناجي، أن القرية تعاني من استيطان مكثف، حيث تحتل أربع مستوطنات (عاليه زهاف، بدوئيل، بروخين، ليشم) أراضيها، إضافة إلى منطقتي بؤر استيطانية ومنطقة صناعية. وقال ناجي: "تواجه القرية 90 أمر هدم، وتم هدم أربعة منازل، بينها منزلان يعودان لأبنائي. كما يُمنع المزارعون من الوصول إلى أراضيهم بفعل القيود والمضايقات". ضم الفريق الطبي الدكتور داني شور (طب الأطفال)، والدكتور عقل تكز (طب العيون)، والدكتور عبد الله بواقنة (جراحة العظام)، إلى جانب مترجمين ومتطوعين.
تعاني كل من جينصافوط والديك من نقص حاد في الخدمات الصحية. في قرية الديك، لا توجد سوى عيادة حكومية صغيرة يعمل فيها طبيب عام مرتين أسبوعيًا لمدة ساعتين، بينما في جينصافوط يعتمد السكان على عيادة محدودة تعاني نقص الأدوية. من جهته، قال الدكتور صلاح الحاج يحيى، مدير العيادة المتنقلة في منظمة أطباء لحقوق الإنسان: "وجودنا اليوم هو جزء من التزامنا الإنساني والمهني تجاه المجتمعات التي تعاني من التهميش والحرمان في المناطق المحتلة. نأتي لتقديم الرعاية الصحية الأساسية التي يحتاجها السكان بشكل عاجل، ولكننا نعلم أن هذا ليس حلًا دائمًا. رسالتنا واضحة، لا يمكن فصل الحق في الصحة عن الحقوق الأساسية الأخرى، وعلى رأسها الحق في العيش بكرامة وأمان. ما نراه من قيود على الحركة، وهدم للمنازل، والاعتداءات المستمرة على الأراضي والمزارعين، يؤكد الحاجة الملحة لإنهاء هذا الواقع غير الإنساني. نحن هنا ليس فقط كأطباء، بل كأصوات تضامن، نؤكد أن الصحة حق إنساني لا يقبل التأجيل أو التجزئة".