السبت  21 كانون الأول 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

رموز ومكونات جديدة في الذاكرة الجمعية والهوية الوطنية| بقلم: وسام رفيدي

تداعيات ثقافية لطوفان الأقصى (4)

2024-12-21 11:29:03 AM
رموز ومكونات جديدة في الذاكرة الجمعية والهوية الوطنية| بقلم: وسام رفيدي
وسام رفيدي

استقر في العلوم الإنسانية بفرعيها، الاجتماعية والسياسية، أن الهوية تُصنع صناعة، ومن فاعلين اساسييّن، كان د. شريف كناعنة، الأنثروبولوجي الفلسطيني، قد اضاء عليهما في إحدى دراساته، وهما السلطة الرسميّة من جهة، والمبادرات أو الممارسات الشعبيّة من جهة ثانية. ولأن الهوية صناعة فهي إما أن تغتني برموز ومعانٍ ومكونات جديدة باستمرار، كما حال الهويات الوطنية الحديثة والمعاصرة، ومنها الهوية الوطنية الفلسطينية، أو تندثر تماماً، أو تتحول لطقوس احتفالية تقدم كعروض للزائرين، كما حال هويات القبائل والشعوب الأصلانية التي تم إبادتها في الأمريكيتين، أو في شرق آسيا من قبل المستعمر الأوروبي الأبيض برسم حضاريته وديموقراطيته.

 يقيناً أن طوفان الأقصى، وإن اطلقته كمعركة (سلطة) المقاومة، وتدخّلت في بعض رموزه، كقرار موجّه، أضاف للهوية الوطنية الفلسطينية العديد العديد من الرموز والمكونات التي لن تُمحى من الذاكرة الجمعية، وتالياً الهوية، بالضبط كما كل المكونات الحديثة والمعاصرة لتلك الهوية، على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ عز الدين القسّام، ثورة 36، النكبة، الثورة الفلسطينية المعاصرة، الانتفاضة الشعبية، الرموز القيادية، وقبلها وبعدها، الكوفية كرمز تحول لايقونة نضالية عالمية.

 إن إسم (طوفان الأقصى) الذي أطلقته حركة حماس على عبور واجتياح 7 أوكتوبر، بما يحمله من دلالات، قد فرض نفسه، وبرمزة الأساسية، على الذاكرة والهوية بقوة. ليس من المبالغة بمكان القول إن التحدي، التخطيط المحكم، الإرادة، القدرة القتالية، ممكنات الانتصار، تحقيق الإنجاز العسكري المشهود له، تسجيل هزيمة الكيان الصهيوني، الإنقلاب في علاقة الثنائي، المستعمِر القوي والشعب الضعيف، كلها وغيرها من المعاني المتضمنة في الإسم/ الرمز، غدت محفورة في سجل الهويّة الوطنيّة وستتناقلها الأجيال عبر ذاكرتها الجمعية، كمتغيّر في علاقات القوة بين شعبنا والمستعمِر. لا قيمة هنا للمآلات النهائية لمعركة الطوفان على المستوى السياسي والعسكري، فالذاكرة ستحتفظ بتلك المعاني التي تضمنتها بغض النظر عن مآلاتها.

وعبور/ اجتياح 7 أوكتوبر انحفر وسيظل محفوراً في ذاكرتنا وهويتنا كرمز للإرادة، القدرة، الانجاز، التفوق، الحنكة القتالية، والروح الفدائية المتوثبة، كما انغرس في ذاكرتهم كرمز للمذلة، المهانة، الهزيمة، الانسحاق، وانهيار معتقدات عسكرية وعنصرية كاملة. يمكن القول ان 7 أوكتوبر تحول ليغدو مرحلة فاصلة بين مرحلتين، بين وعييّن: استبطان الهزيمة والبناء عليها، إن جاز تسمية ذلك وعياً، ووعي المقاومة والثقة بالذات المقاتلة. لذلك ما قبل 7 أوكتوبر ليس كما قبله، ومرة ثانية، بغض النظر عن المآلات النهائية لذلك اليوم التاريخي الفاصل بين المرحلتين.

وما رافق (الطوفان) من رموز فقد اختزنت معانِ عدة غدت هي الأخرى من مكونات الذاكرة والهوية، (فالملثم أبو عبيدة)، وإن كان لثامه استمراراً للثام لدى فدائيي الثورة في قواعد لبنان، أو لثام النشطاء الانتفاضيين في الضفة والقطاع، غير أن هذا اللثام وابو عبيدة كناطق رسمي باسم المقاومة، كان لظهوره نكهة خاصة: شحنة من الثقة والمعنويات عبر سرد المعطيات عن العمليات الفدائية، وخسائر الكيان الصهيوني، ووعود كان المتابعين له يلتقطونها بشغف ليبنوا عليها ليس فقط تحليلاتهم، بل وركائز معنوياتهم وثقتهم.

ومع ابو عبيدة تساتلت الرمز المتضمنة المعاني: الياسين 105 باعتبارها قذيفة تطويرا فلسطينياً للتاندوم الروسية، بمعنى آخر الآر بي جي بنكهة فلسطينية، وعبوات الشواظ وهي حسب الويكيبيديا عبوات فلسطينية مضادرة للدبابات والدروع والافراد، وقد لعبت دوراً هاماً في القتال.

ولا يمكن الحديث عن رموز المعركة دون التطرق للمثلث الأحمر (وهو رمز خاص بكتائب عز الدين القسّام)، ولاحقاً الأصفر (وهو خاص بكتائب سرايا القدس). هذا المثلث من المتوقع ان يغدو رمزاً عالمياً كالكوفية، إذ بدأ يظهر في الحملات الإعلامية التحشيدية للرأي العام، كما وعلى الملابس، وهنا وهناك على شبكات التواصل.

ومع المعركة برزت الرموز الإنسانية مثل الشيخ خالد (روح الروح) الذي أوجع القلب بإنسانيته تجاه محبوبته، حفيدته، ليلحق بها بعد شهور شهيداً، ويخترق شبكات التواصل العالمية. إن ميزة هذا الرمز أنه يُظهر الشيخ خالد بالصورة التقليدية في لباسه وعمامته، كشيخ، تلك الصورة التي بذل الإعلام الغربي الإمبريالي، وما زال، جهداً حديثاً لشيطنتها كمسلم إرهابي ارتباطاً بدينه ولباسه، ليتحول هذا اللباس، كرمزية دينية، لرمز أيقوني لانسانية الفلسطيني.

ويمكن مع الرمز الإنسانية الحديث عن مجمل الرموز التي تؤرخ للفاشية العنصرية الصهيونية الممارسة ضد شعبنا: الإبادة، النزوح، السعي للتهجير، خيم النازحين، أحوال المشافي الخارجة عن الخدمة، خاصة مشفى الشفاء، صور الأطفال المحروقة الأجساد، وغيرها الكثير من الرموز التي خلّفتها الغنصرية الصهيونية بجريمتها.

ومن الطبيعي التذكير بما انحفر في الذاكرة والهوية من اسماء الكتائب التي خاضت وتخوض القتال، وأبرزها كتائب عز الدين وسرايا القدس، ومعها كتائب الشهيد أبو علي مصطفى والمقاومة الوطنية. كانت تلك الكتائب التجسيد، بالدم، لجوهر فصائلها الأم كفصائل مقاومة، مع أن الكثير من التعبيرات الفالتة على شبكات التواصل، وفي عز القتال، لا زالت تطعن بأهمية التحزب والفصائلية!!!. الكتائب عنوان المقاومة، والفصائل المقاومة جسدت من خلالها حقيقة برنامجها المقاوم، والحقيقة الأكير أهمية: لا مقاومة حقيقية بلا المكون السياسي الأهم: القوى والفصائل والأحزاب.