الحدث- غزة- الأناضول
كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة صباحا، عندما استيقظت أحلام عابد على صوت طرقات عنيفة ومرتجفة على باب منزلها.
كانت تقف خلف تلك الطرقات عائلة "نازحة" جديدة، جاءت تقصد منزل الفلسطينية عابد (45 عاما)، لتحتمي فيه من قنابل وصواريخ "الموت" الإسرائيلية، التي تستهدف شمالي قطاع غزة بشكل عنيف.
وأمام خوف وارتجاف أطفال العائلة النازحة، الذين غطّيت وجوههم وثيابهم بغبار القصف والقذائف، لن تستطيع عابد إخبارهم بأن جدران المنزل ومساحته، تضم عدة عائلات أخرى، ولا تسمح باستقبال أي فرد آخر، على حد وصفها.
وقالت عابد الأم لأربعة أبناء "منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، لجأت خمس عائلات من أشقائها وأقاربها ممن يقطنون في المناطق الحدودية شمال وشرق القطاع الأكثر قصفًا، إلى منزلها وسط مدينة غزة".
وبصوت يملؤه الحيرة تتساءل "نحن في المنزل نعاني أوضاعًا معيشية صعبة، لا أعرف كيف أساعد من لجأ لي، فالطعام لا يكفي لهذا العدد من الأفراد ونفد منذ أيام، وفراش النوم أيضًا".
ولا يملك أحدًا ممن يقيم في بيت عابد الجرأة الكافية للخروج لشراء ما ينقصهم من حاجيات، تحت القصف الإسرائيلي المتواصل الذي لا يفرق بين صغير وكبير، على حد تعبيرها.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، نزح الآلاف من الغزيين، وعلى وجه الخصوص من يقطنون في المناطق الحدودية للقطاع، من منازلهم، هربًا من القصف الإسرائيلي المتواصل، واتجه معظمهم إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فيما لجأ بعضهم إلى بيوت أقربائهم وأصدقائهم.
وشرعت إسرائيل قبل 20 يومًا، بشن حربٍ على قطاع غزة أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد"، وتوسعت فيها الخميس 17 يوليو/ تموز الجاري، بتنفيذ توغل بري محدود، مصحوباً بقصف مدفعي وجوي وبحري كثيف.
وقتل 884 فلسطينيًا وجرح 5840 آخرين، بجراح متفاوتة، في غارات إسرائيلية (جوية ومدفعية وبحرية)، على مناطق مختلفة من قطاع غزة، منذ بدء الحرب العسكرية الإسرائيلية، وحتى الساعة 03:45 (ت.غ) من صباح السبت، وفق المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية الطبيب أشرف القدرة.
وضيوف عابد من النازحين، لم يتمكنوا من جلب بعض حاجياتهم أثناء خروجهم من بيوتهم، فأمام القصف المتواصل كان يركض الجميع ويفكرون فقط بالنجاة بأنفسهم، وكل ما خرجوا به هو ثيابهم التي يرتدووها، فلا وقت لأخذ أي شيء، كما تقول.
وتؤكد عابد أنها "رغم ضيق مساحة منزلها، واكتظاظه بعشرات من الفارّين، إلا أنها على استعداد لاستقبال، كل من يقصدها".
وتقول إن الكهرباء مقطوعة عن منزلها منذ يومين، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ويخشى أي من أفراده، الجلوس خارج جدران المنزل، بحثًا عن هواء يلطف من درجات أجسادهم المرتفعة، خوفًا من صاروخ قد يستهدفهم، كما حدث للعشرات.
وفي "ممر" البيت وبجوار أبواب الغرف، المكتظة بالنازحين، خصصت علياء أبو علبة، مكانًا لنوم عدد من ضيوفها الـ 20.
وتقول أبو علبة متحدثة للأناضول "لا متسع لجميع من في المنزل الذي لا تتجاوز مساحته الـ 100 متر مربع، للنوم في الغرف، أصبحنا ننام على الأرض وعلى الأرائك، وبعضنا يبقى مستيقظًا، وينام في النهار".
وفي زاوية إحدى الغرف في منزل أبو علبة كانت تجلس الفتاة هيا جمال 17 عامًا، تبكي بحرقة، خوفًا على والدها الذي اضطر لتركهم في منزل خالتهم، ولجأ لبيت صديقه، لاكتظاظه.
وتضيف:"أين العالم الحر، لم يتركوننا نموت هكذا، متى ستتوقف هذه الحرب الدموية بحقنا، لم تريد إسرائيل أن تقتلنا وتشتتنا".
وتتابع هيا التي مال لون وجهها للاصفرار، "لا نريد أي شيء، أريد أن نجتمع بوالدي مجددًا ونعود إلى منزلنا في شمال قطاع غزة آمنين، إن كان بقي على حالهم، ولم يحال إلى كومة ركام".
وفي منزل "رنا تيسير" الذي بدا أشبه بمركز إيواء للنازحين، تعالت صيحات الأطفال، وضجيجهم كلما أغارت الطائرات الإسرائيلية بالقرب منهم.
واستدركت:" رغم أن عدد الأطفال هنا يتجاوز الـ "15"، إلا أن اجتماعهم لم يدفعهم إلى اللعب، إنما التزم الجميع أحضان أمهاتهم".
ورغم عدد النزلاء في بيت تيسير الذي تجاوز الـ 40 فردًا، إلا أنها تقول بأن الخوف ظاهر على وجوههم، وتقول "جميعنا يشعر بالرعب، لا نستطيع أن يخفف بعضنا عن الآخر".
وتقول تيسير أنها خصصت الطابق العلوي من بيتها للنساء والأطفال، بينما الطابق الأول كان للرجال.
ولا تكاد تضم سفرة الإفطار أو السحور، ما يكفي الجميع، وفق ما تقوله تيسير، مضيفة" نحن في شهر رمضان وبعد ساعات طوال لا نجد ما يكفي لتناوله من الطعام".
وكل ما ترجوه تيسير وضيوفها أن "تضع الحرب أوزارها سريعًا، وتتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن قتل العشرات من المدنيين بشكل يومي".