الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فلسطينيو سوريا يعيشون ملحمة الموت وهم يصرخون “يا وحدنا.. يا وحدنا”

2014-02-04 00:00:00
فلسطينيو سوريا يعيشون ملحمة الموت وهم يصرخون “يا وحدنا.. يا وحدنا”
صورة ارشيفية

دمشق - غسان ناصر

يرقى ما يواجهه فلسطينيو سوريا، وخاصة أبناء مخيم اليرموك المحاصر منذ أكثر من مائتي يوم، والذي يخضع لسياسة العقاب الجماعي والموت البطيء التي ستستمر في حصد المزيد من الأرواح البريئة، إن لم يرفع الحصار فوراً، إلى مصاف جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية في القانون الدولي.

وهو ما يدعو منظمة التحرير الفلسطينية (الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني) إلى إعلان مخيم اليرموك منطقة منكوبة، ودعوة المنظمة الأممية إلى التدخل العاجل لإنقاذ آلاف الفلسطينيين المحاصرين، والواقعين بين فكي كماشة كتائب المعارضة المسلحة والنظام السوري الذي يدّعي في خطاباته المستمرة «وقوفه إلى جانب القضية الفلسطينية ودفاعه عنها».

وقد أفاد ناشطون فلسطينيون من داخل مخيم اليرموك – عاصمة الشتات الفلسطيني - أن الحصار الخانق الذي يفرضه النظام ما زال متواصلاً، رغم دخول نحو 1500 سلة غذائية على مدار الأيام الخمسة الماضية، وإجلاء العشرات من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.

وبين الناشطون في مجال الإغاثة أنه ونتيجة لسياسات النظام والمعارضة، فقد بلغ عدد قتلى الجوع حتى الآن 93 شخصاً بينهم أطفال ونساء، كما يعاني المئات من تدهور في صحتهم، وصفت حالات بعضهم بالشديدة الخطورة جراء انعدام الغذاء والدواء.

وفي بيان لها أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا) أن المساعدات التي دخلت منذ منتصف شهر كانون الأول/ يناير الماضي تقدر ب(3000) سلة، بينما عدد المحتاجين لهذه المساعدات يقدر بعشرات الآلاف، منهم حوالي 18000 فلسطيني ما زالوا داخل المخيم، إضافة لمئات العائلات السورية.

وإزاء تلك الأوضاع الحرجة والمصير المجهول ومعاناة الآلاف تحت وطأة الحصار المستمر منذ عشرة أشهر، لا تملك منظمة التحرير ولا السلطة الفلسطينية ولا فصائل العمل الوطني ال(14) المتحالفة مع النظام السوري، أية حلول فعالة أو سلطة مؤثرة  لتفادي كارثة إنسانية قد تلحق بأهالي المخيم، إن لم يرفع الحصار نهائياً عن مداخله الرئيسية ويتم السماح بإدخال قوافل من المساعدات الغذائية تكفي احتياجات ساكنيه، والسماح للناس بالخروج الآمن منه، أو العودة إليه لمن يريد من أهله الذين نزحوا عنه قبل عام ونيف، وذلك بعد وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع وتحييد المخيم عن الاقتتال الدائر.

فالواقع الذي يعيشه أهالي المخيم منذ بدء دخول المساعدات الشحيحة لم يعد يحتمل، حيث يعود يومياً الآلاف من الناس دون استلام ما كانوا يأملون من طعام يخلصهم من وطأة الموت جوعاً، بعد وقوفهم لساعات طويلة فيها من الذل والمهانة ما يعجز المرء عن وصفه.

يقول الخارجون من المخيم أن أوراق الشجر والعشب والصبار التي كان الناس يطهونها لخداع معدتهم لم تعد متوفرة، حتى القطط الشارة التي أجاز رجال الدين أكلها لم تعد ترى بالمخيم، ما يدعو قيادة منظمة التحرير إلى إعلان مخيم اليرموك منطقة منكوبة، بعد أن ساد التوحش والانحطاط الأخلاقي قتلة الناس جوعاً دون رحمة أو شفقة.

وبعد فشل النظام والمجموعات المسلحة التي جاءته من كل الجهات وقوى المعارضة السياسية ممثلة بالائتلاف الوطني السوري ومنظمة التحرير الفلسطينية و»الأنروا» ومنظمات الإغاثة الدولية، في إيجاد حل جذري لمشكلة المخيم، على الرغم من أن مناطق كثيرة حاضنة للثورة في عموم سوريا وتحديداً في دمشق وريفها كالمعضمية وداريا وجوبر والقابون وبرزة والغوطة، تمكن طرفي الصراع فيها من إيجاد صيغة تبعد عن المدنيين شبح الموت جوعاً وقنصاً وبالبراميل المتفجرة وقصفاً بالطيران الحربي، ناهيك عن الموت بالقصف العشوائي. 

صحيح أن ما يواجهه فلسطينيو مخيم اليرموك وبقية فلسطيني سوريا، هو جزء من معاناة ومأساة الشعب السوري، إلا أن الوقائع تؤكد اليوم أنهم بين فكي كماشة النظام والمجموعات المسلحة، وأنهم ضحايا طرفي الصراع الأمر الذي يعقد المسألة. 

وقد زاد على ذلك قسوة وعنف السياسات العربية الجائرة التي تحرمهم من نعمة الهروب من الأرض المشتعلة نحو بر آمن، حيث تمنع لبنان والأردن ومصر دخول الفلسطيني السوري لأراضيها منذ اشتداد ضراوة الأحداث الدامية، ليجد الفلسطيني نفسه أمام موت محقق، ما يدفع بفلسطيني سوريا، بعدما أطبقت عليهم نار الموت من كل الجهات، إلى رفع صوتهم عالياً قائلين: «يا وحدنا.. يا وحدنا»، هم الذين لم يبق أمامهم إلا التسلل إلى الشواطئ والالتحاق بقوارب الهرب إلى أوربا حيث الأمل بحياة أكثر أمناً، فكان أن تلقف الموت العشرات منهم والتهمتهم مياه البحر قبل أن يصلوا إلى الشاطئ الأوروبي.

وليس من باب المبالغة القول إن فلسطيني مخيم اليرموك هم اليوم أبرز ضحايا النار المشتعلة المنسيين، فدماؤهم تسيل كل يوم، ومعظمهم بات مهجّراً أو نازحاً دون عمل أو مأوى ملائم، والأهم من كل ذلك أنهم أمسوا فاقدي المرجعية الوطنية الرسمية، التي يمكن لها أن تتحدث باسمهم وأن تحمي حقوقهم وتصونها، فالقيادة الفلسطينية تبدو عاجزة تماماً، وهي في مأزق حقيقي بعد أن ظهر عجزها في التعاطي مع محنة اليرموك ومع حقيقة ما يجري، وتبني رواية النظام الرسمية، مع أن الوفد الرئاسي الذي حضر إلى دمشق أربع مرات متتالية عجز حتى عن إدخال أية مساعدات غذائية، حتى ربطات الخبز، وهذا أضعف الإيمان