يتلقى المواطن الفلسطيني فيضاً من الإعلام عبر منابره التقليدية كالإذاعات والفضائيات، وبفعل الاختراع المدهش المسمى بالريموت كونترول، يتنقل المتلقي من قناة إلى أخرى بما لا يدع مجالاً للتحقق مما يرى، وهذا إلى جانب ما ترسله الإذاعات أدى إلى حالة من الفوضى في تشكيل الرأي العالم بما حوّل الجمهور إلى مستهلكٍ لبضائع إعلامية تقدم له عبر تسويقٍ متقنٍ مموهٍ أو مباشر، لأجندات تخص منتجي وسائل الإعلام.
المليارات لا تنفق من أجل التنوير وخدمة الحقيقية، بل لتسويق الأجندات السياسية لأصحاب المحطات والمنابر.
غير أن ما يضاعف من أثر الإعلام الكثيف الهابط على الفلسطينيين هو ما تصدّره إسرائيل من تسريبات تقدم يومياً عبر وسائلها الإعلامية المتعددة، لتجد من يتلقفها ويبني عليها ويروجها على أنها حقائق، خصوصاً إذا كانت تمس جهة غير مرغوبة أو شخصاً غير مرضي عنه، أو منبراً أو دولة.
حتى صار ما يصدّره الإعلام الإسرائيلي أساساً لبناء رأي عامٍ فلسطيني دون الانتباه بما يكفي إلى أن الاعلام هو الوجه الآخر للحرب المفروضة على الفلسطينيين، إن لم نقل هو الأخطر والأشد فتكاًُ بالعقول والمعنويات.
الإعلام الإسرائيلي يصدّر لنا كل يوم خبراً يتولى فريقٌ منا اعتماده كحقيقة وكقرينة على سداد وجهة نظره، خصوصاً إذا كان يمس خصماً سياسياً أو منافساًُ.. مثلاً.. هو من يصدّر لنا أسماء الذين يتقاتلون على خلافة عباس، وهو من يقدم لنا تلفيقات حول فرص هذا وذاك، وكيف أن الاقتتال في الساحة الفلسطينية على هذه النقطة بالذات، هو أساس كل شيء.
لا أدعو إلى صمّ الآذان وإغلاق الأعين عما يقال إسرائيلياً عبر الإعلام الصريح أو التسريبات، كل الذي أدعو إليه وآمل الاستجابة له، هو التدقيق فيما يصدّر لنا، من بضاعة إعلامية إسرائيلية وغير إسرائيلية. والتوقف عن اعتمادها أساساً لحواراتنا وتشكيل وعينا، ونظراً لتغلغل الإعلام بشتى صنوفه ومنابره ووسائله في حياتنا كمستهلكين لما يصدر إلينا، فلندقق فيما نسمع ونرى ولا نمكن الخصوم أصحاب الأجندات الخاصة بهم من أن يتلاعبوا بالرأي العام في بلادنا ويكون المصدر المعتمد إن لم يكن الوحيد فيما يخص حياتنا وقضيتنا ومصائرنا.
بجملةٍ قصيرةٍ أقول، لنتحقق مما نسمع ونرى، ولنعمِل العقلَ ولا نسمح لوعينا أن يطفو على شبر ماء ليغرق فيه أخيراً.