الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

غزة: بين الركام ووراء فرشاة الألوان - رولا سرحان

2015-06-21 07:14:23 AM
غزة: بين الركام ووراء فرشاة الألوان - رولا سرحان
صورة ارشيفية
رولا سرحان
 
في كثير من الثقافات كان يتم تفسير الأحاسيس السيئة التي تنتاب الفرد على أساس كونها نتيجة لأرواح شريرة معادية لنا تسكننا وأن الأحاسيس المريحة هي نتيجة لأرواح طيبة تعيش معنا، وفي الموروث الديني فإن الأحاسيس السيئة هي نتيجة الفعل السيء، لذلك كان دائماً الشعور بالذنب مرتبطاً بارتكاب الخطيئة أو المعصية، والعكس صحيح تماماً فالشعور بالرضى والراحة والسعادة مرتبط بالقيام بفعل حسن أو عمل خيِّر.

وكلنا انتابتنا تلك الأرواح الشريرة، وشعرنا بالذنب لرؤية تلك المشاهد التي نقلتها الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي لعائلات من غزة وهم يتناولون طعام الإفطار على أنقاض وركام منازلهم المدمرة منذ الحرب الأخيرة التي مر الآن عليها عام كامل. تلك الصور وبكل ما فيها من بؤس ودمار وقلة حيلة، فيها أيضاً من دلائل العجز والفشل لكل المنظومة الاجتماعية والسياسية التي تدير الضفة وغزة.

كلنا شاركنا في خطيئة "الكذبة المقدسة" حين أوهمنا أنفسنا وأوهمنا أهل القطاع بأن إعمار منازلهم قريب، وكلنا كان يعلم أن الإعمار لن يكون قريبا، كلنا لعبنا دور "المصلح"، وطرحنا حقائق ليست بحقائق، ونظرنا لغزة على أساس أنها كائن مريض قابل للتدجين وقابل للإضعاف وقابل للهشاشة، وقابل للحياة بلا حياة.

في المقابل، أراحتنا تلك المشاهد للبيوت الملونة، التي أخفت تاريخ الحرب وراء فرشاة يحملها صاحب المنزل ليعيد شيئا من الأمل بألوان صفراء ووردية لمدينة كل تاريخها أسود وإن حالفها قليلٌ من الحظ صار رماديا.

تلك الألوان خففت من عبء الذنب الذي نحمله تجاه غزة، لذلك كنا نسعد بنقل تلك الصور على حائطنا الشخصي على الفيسبوك، كأننا نقول لأنفسنا أنظروا ها هي غزة تعيش بلا دمار وتنهض، ها هي غزة ليست بحاجة لنا.

كنا نحاول ومازلنا نحاول أن نخدع أنفسنا بكل قوة أن قدرنا غير مربوط بقدر غزة، وما زلنا لا نعلم أن كل ما كان وكل ما سيكون لن يعني إلا أننا من علة واحدة وفي صيغة حسية واحدة، كالعروة الوثقى لا انفصام لها.