الحي الجديد هو امتداد لمخيم نهر البارد، أرض اشتراها أهالي المخيم من الميسورين وبنوا عليها بيوتهم ومحالهم التجارية، وباتت تلك البقعة تعتبر سوق طرابلس وعكار التجاري بامتياز، وعندما حلت النكبة بمخيم نهر البارد دفع هذا الحي الفاتورة الأكبر لجهة الخسارة البنيوية والمادية ولم يبادر أحد لتعويض أصحابه.
بعد ست سنوات ويزيد على نكبة مخيم نهر البارد ما زال أهالي المخيم «الجديد» كما درج للبعض تسمية هذه المنطقة، ينتظرون من يلتفت إليهم كي يقدم لهم يد العون أو التكرم عليهم بالتعويض عما خسروه جراء حرب الجيش اللبناني ضد جماعة العبسي أسوة بإخوانهم اللبنانيين.
ولكن عندما غادرهم الجميع، ولم ينظر إليهم أحد، تداعى أصحاب المعاناة فشكلوا لجنة أخذت على عاتقها متابعة هذا الملف على مبدأ «ما بيحك جلدك إلا ظفرك». وما يرد لاحقاً ما هو إلا صرخة لسكان مخيم نهر البارد ولتجاره نضعها برسم كل المعنيين في الحكومة اللبنانية والأونروا وم.ت.ف، وهم الذين لم يجدوا من يسعفهم بمساعدة أو تعويض. علماً بأن حجم التداول التجاري لتجار المخيم وصل إلى ما يقارب 2 مليون دولار يوميا، ولكنهم اليوم باتوا على قارعة العوز وسط لا مبالاة الجميع.
السيد فرحان عبدو أمين سر اللجنة الشعبية الدوري في مخيم نهر البارد
بعد أحداث 2007/5/20، ومغادرة أهالي البارد للمخيم نتيجة أحداث فتح الإسلام، تم تدمير المخيم تجارياً واجتماعياً وبنيوياً، وحتى الذاكرة الفلسطينية دمرت، وعندما عاد أهالي المخيم لم يجدوا شيئاً في بيوتهم أو محالهم التجارية، علماً بأنهم غادروا المخيم بملابسهم التي يرتدونها فقط.
مؤتمر فيينا أقر مبلغ 165 مليون دولار للمخيم الجديد
أقر مؤتمر فيينا مبلغ 165 مليون دولار منها 128 مليون للتعويض على أهالي المخيم الجديد، لإعادة بناء وترميم البيوت، ومن ضمنهم التعويض على التجار، و45 مليون للجوار اللبناني. فقامت الدولة اللبنانية بالتعويض على التجار والسكان من أبناء الجوار والإخوة اللبنانيين الذين يسكنون داخل المخيم، أما المالك والتاجر الفلسطيني فلم يتم تعويضه من قبل صندوق هيئة الإغاثة اللبنانية بأي مليم ، فقامت “UNDP” بتقديم هبة مالية عن طريق الأونروا إلى التجار، استفاد منها 250 تاجر درجة أولى؛ وتراوحت الهبة بين 5000 إلى 7500 دولار، وقامت بدفع هبة مالية أخرى لمتوسطي التجار استفاد منها 750 تاجر بهبة قدرها بين 1500 إلى 3500 دولار بحسب وضع التاجر.
مخيم البارد كان مركز اقتصاد منطقة شمال لبنان
يعتبر المخيم المنطقة الاقتصادية الأولى في عكار، فهو يضم 300 تاجر درجة أولى، وحوالي 850 متوسط، وما يزيد عن الألف تجارة صغيرة.
ولكن الخسارة الفادحة كانت لأصحاب التجارة الكبيرة جداً مثل تجارة الأدوات الصحية والذهب ومعامل البوظة وتجار الخضار وسوق الجزارين الذي كان يغذي كل طرابلس وعكار باللحوم، وتجار الألبسة وتجار المواد الغذائية بالجملة والأدوات المنزلية.
وقد اتسعت تجارة المخيم لتشمل وتغطي كل محافظة شمال لبنان وكانت كل قرى عكار تأخذ جميع تجارتها من هؤلاء التجار، وكان سوق نهر البارد يمتد من العبدة شمالاً إلى جسر نهر البارد جنوباً بطول 2 كلم مربع.
حصار الجيش للمخيم يمنع عودته الاقتصادية من جديد
الآن، وبعد مضي ست سنوات ويزيد على الأزمة، عاد قسم كبير من الأهالي إلى المخيم، وعاد بعض التجار إلى عملهم ولكن للأسف، ونتيجة الحالة العسكرية والحصار العسكري الذي ما زال يحاصر المخيم فإن هؤلاء التجار الذين كانوا يعملون أكثر من 18 ساعة يومياً فهم الآن لا يستطيعون تأمين أجرة العامل أو المحل الذي يديرونه، كذلك فهناك قسم كبير منهم قد تخلى عن تجارته لأنه فقد ماله ولم يعد لديه ما يعيده إلى تجارته وقسم آخر منهم اضطر مرغماً إلى نقل تجارته إلى خارج حدود المخيم إلى العبدة مثلا أو المنية أو حتى مدينة طرابلس لأن زبائنهم لا يستطيعون الدخول إلى المخيم بحرية.
وقد ترك هذا الأمر أثراً بالغ الخطورة على الوضع الاقتصادي للمخيم حيث أصبح دائرة مفرغة ومغلقة، الدولار الواحد يلف على أكثر من تاجر، ولم يعد هناك تبادل تجاري واقتصادي بين المخيم ومحيطه.
أمّا التجار متوسطو الحال، قد غابوا عن ساحة التجارة نهائياً، حيث لم يعد لهم مكان في هذا السوق التجاري ومما زاد الأمور تعقيداً، هو البطء الشديد في إعادة الإعمار حيث أن السوق الأساسي القديم يقع في المخيم القديم إذ يوجد فيه ما يزيد عن 500 محل تجاري، وحتى هذا اليوم لم تتم إعادة بناء هذا السوق.
بعض التجار يبدأ من جديد
رغم ضآلة المبلغ الذي قُدم كهبة للتجار وهو لا يشكل ما قيمته %5 من قيمة خسارة التجار إلا أن البعض استطاع أن يبدأ العمل بهذا المبلغ الضئيل واستمرت اللجنة الشعبية والفصائل بمتابعة هذا الملف مع هيئة الإغاثة ولجنة الحوار والأونروا كونها هي المسؤولة عن إغاثة وتشغيل الفلسطينيين. ويقول السيد فرحان عبدو، ولكن حتى هذه اللحظة لم نستلم أي جواب إيجابي بهذا الخصوص حتى أن هناك هبة إيطالية وعدنا بها وعلمنا أن الأموال موجودة في صندوق المهجرين ولم يفرج عنها حتى هذا التاريخ.
نحن كلجنة شعبية نطالب الدولة اللبنانية والأونروا أن تتابع هذا الملف، كما نطالب الدولة اللبنانية إعادة الحياة المدنية إلى المخيم، وهذا الشرط الأول لعودة الحياة الطبيعية لأهله وجواره كي يستعيد دوره الاقتصادي الفاعل مع محيطه.
الحاج ابو العبد عيسى، أحد أعضاء اللجنة الشعبية، قال بأن هذه اللجنة قد تألفت للمطالبة بحقوق سكان الحي الجديد. فأصحاب الأملاك الذين عادوا إلى بيوتهم وجودها مدمرة جزئياً أو كلياً.
بعض أصحاب البيوت استطاع أن يرمم بيته إذا كان يصلح والبعض الآخر أعاد بناء بيته بالكامل، وآخرون لم يستطيعوا أن يرمموا أو أن يعيدوا بناء بيوتهم المدمرة لغاية اليوم.
اصحاب هذه البيوت خسروا مدخرات العمر لأنهم اشتروا الأرض وبنوا عليها وفتحوا مؤسسات وكل شيء ذهب بلمح البصر.
أما السيد أبو محمد شحرور، أحد سكان المخيم، فقد أعرب عن أمله في أن تعود الأمور إلى سابق عهدها في المخيم لأن أهل المخيم كانوا يعيشون برغد قبل أربع سنوات. وبعدما حل بالمخيم من كارثة، أصبح غالبية أهالي المخيم يعانون من حالات نفسية أثرت على الكبير والصغير، ويعود ذلك لخسارتنا الكبيرة للمال والأملاك، ولكننا لا نريد أن نخسر كرامتنا دخولاً وخروجاً وبشكل يومي لذلك يجب أن يفتح المخيم أمام الجوار وأن يعود إلى سابق عهده مركزاً تجارياً للمنطقة والجوار.
الحاج محمد صالح الحاج محمد، وهو أحد تجار الأدوات الكهربائية يقول لقد خسرت كل شيء ولم يبقى عندي شيء ولكنني لم أفقد الأمل بالله عز وجل، وأنا أطالب بأن يعود المخيم إلى سابق عهده كي نعيد بناء ما تهدم.
وأضاف بأنه يذكر جيداً نكبة فلسطين 48 وكيف ساهم الجيش اللبناني في مساعدة اللاجئين الفلسطيني وعمل على حمايتهم وهو اليوم يعيد الكرة ساهراً على حماية الفلسطيني.
وتابع أنا أتألم لخسارتي الكبيرة لأنني كنت أملك مستودع أدوات كهربائية يبيع بالجملة للسوق السورية والتركية. واليوم لا أنوي على شيء. من الذي سيسدد الديون للتجار والتاجر لا يملك إلا سمعته في السوق لذلك نحن بحاجة للتعويض علينا كي نسدد ديوننا لنقف على أرجلنا من جديد.
الأستاذ صبحي رشيد وهبه، تاجر، يقول: لقد عايشت نكبة 1948 ولقد خسرنا الأرض وكانت خسارة كبيرة، ولكن في مخيم نهر البارد كان الامر مختلفاً، لقد خسرنا كل شيء، جنى العمر كله اختفى بلمح البصر لاننا عملنا وكسبنا طيلة 60 عاماً وفقدنا كل شيء بين ليلة وضحاها.
لقد لحقت بنا النكبة إلى مخيم البارد. نحن خرجنا من المخيم القديم، اطباء ومهندسين ومعلمين واشترينا الأرض وبنينا عليها وغيرنا معالمها ولكن عندما انتهينا من البناء، جاءت الطامة الكبرى، وللأسف لم أعد أستطيع بناء ما تم تدميره، بعد أن كنت تاجر جملة فإنني اليوم لا أستطيع دفع الأقساط الجامعية لأولادي.
الشيخ هيثم السعيد (إمام مسجد) ومدير جمعية بيت الأرقم، يقول من حقنا نحن أهالي أحياء المخيم الجديد أن نسأل الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية والانروا عن حقنا في التعويضات، لماذا لم يتم تعويضنا لغاية اليوم، ومن هي الجهة المعنية بتعويضنا. ويضيف في العام 2008 عُقد مؤتمر فيينا، وكانت هناك تعويضات لإعادة إعمار مخيم البارد من الدول المانحة تجاوزت 480 مليون دولار ولقد تم تعويض إخوتنا وجيراننا اللبنانيين ولم يتم تعويضنا.
وبتنا كرة يتقاذفها الجميع فالانروا تقول بأن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة عن التعويض لأصحاب الأملاك في المخيم الجديد، لذلك نحن نطالب حكومة تصريف الأعمال والحكومة القادمة بتحمل مسؤوليتها.
تابع الشيخ هيثم، هذا المخيم الجديد هو عبارة 700 محل تجاري ومؤسسة وخسارته تجاوزت 200 مليون دولار ولا احد ينظر الى حجم هذه الخسارة.
الأستاذ أحمد واكد مهندس، يقول: منذ العام 1988 وأنا أعمل في المخيم وتحديداً في مجال الإعمار، وأنا لم أخسر شيئاً مادياً بحجم خسارة الأخوة في المخيم الجديد، ولكنني أعتبر أنني خسرت كل المخيم. لقد حصلت مأساة في المخيم القديم والجديد ولقد دفعنا جميعاً ثمناُ كبيراً.
ولا بد من الإشارة إلى موضوع المؤسسات وما قدمته للأهالي في المخيم الجديد، والذي لم يكن سوى فتات ولا يفي بالغرض، والمخيم الجديد أمانة في أعناق م.ت.ف والحكومة اللبنانية والأونروا. وعليهم جميعاً تقع مسؤولية تأمين الأموال اللازمة لإعادة الإعمار والترميم والتعويض لعموم من تضرروا من أهالي المخيم.
السيد أبو محمد سعيد بشر، تاجر في المخيم، قال إن %90 من أراضي المخيم الجديد مملوكة لأصحابها عن طريق كاتب عدل أو مسجلة في دائرة الطابو وغالبية بيوتنا مرخصة وكل المباني شرعية وكل شخص اشترى حسب قدرته المالية وهناك أيضا عدة تجار كبار اشتروا الأراضي وباعوها قطعا صغيرة وهذه المنطقة تضم بيوت سكن ومتاجر وأنا كنت من أكثر المتضررين لأنني كنت أملك محلات وستوكات رمل وبحص وحديد واسمنت وكل شيء فقد بيوم واحد وكانت خسارتنا كبيرة وقد تجاوزت المليون ونصف دولار وعندما عدت إلى المخيم قمت بترميم بيتي بمبلغ 70 ألف دولار ولم يتم تعويضي ولم يعوض أحد من أبناء هذا الحي، لذلك تداعينا وقمنا بتشكيل هذه اللجنة لأنه لم يأت إلينا أحد منذ ست سنوات، فقمنا بعدة لقاءات منها مع السفير أشرف دبور، وأخرى مع السيد خلدون الشريف مسؤول لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، ومع مدير الأونروا في لبنان ولكن للأسف الكل يعطي وعوداً، ونحن ننتظر تحقيقها.
وأضاف نحن لسنا بديلاً لأحد وإنما نحن نعمل بالتنسيق مع اللجنة الشعبية والفصائل الفلسطينية ولا نطالب بأمور شخصية وإنما بمطالبنا المشروعة