الأربعاء  05 شباط 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إعادة رسم الخريطة الديموغرافية: أزمة في النقاش والرؤية الاستراتيجية/ بقلم: ياسر مناع

2025-02-05 10:42:03 AM
إعادة رسم الخريطة الديموغرافية: أزمة في النقاش والرؤية الاستراتيجية/ بقلم: ياسر مناع
ياسر مناع

في ضوء التطورات الأخيرة في أعقاب حرب الإبادة على قطاع غزة، تتشكل تحديات جديدة تُهدد القضية الفلسطينية وتُعيد رسم ملامح الصراع العربي الإسرائيلي بطرق قد تؤدي إلى تفكيك الحقوق الفلسطينية وإضعاف الهوية الوطنية. 

من خلال متابعتي لتغريدات عدد من الصحفيين والباحثين والسياسيين الإسرائيليين في الآونة الأخيرة، برز بشكل واضح تقاطع في النقاط التي يتم تناولها. فقد كشفت هذه التغريدات عن توجه استراتيجي مشترك يسعى إلى استغلال قضايا التهجير وإعادة تشكيل الأراضي كأدوات لتفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية. ويشير هذا التقاطع إلى أن هناك رسالة موحدة تُوجه عبر الأوساط الإسرائيلية تُبرز مدى اهتمامها بإعادة ترتيب المشهد الديموغرافي والسياسي في المنطقة، مما يزيد من خطورة التداعيات على القضية الفلسطينية في ظل غياب نقاش داخلي جاد ورؤية استراتيجية واضحة للتعامل مع هذه التحديات.

تبدأ الإشكالية من أن سياسات التهجير القسري لم تعد تُعتبر مجرد تهديد نظري أو ورقة ضغط، بل أصبحت تُطرح كخيار عملي تسعى بعض الجهات إلى تطبيقه على أرض الواقع، وليست مجرد تصريحات عبارة على لسان الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب. إذ يتم استعراض فكرة نقل فئات من السكان الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وذلك ضمن إطار محاولات لإعادة ترتيب المشهد الديموغرافي في غزة أولًا بما يخدم مصالح سياسية واستراتيجية إسرائيلية. وفي هذا السياق، يظهر التقارب بين السياسات الأمريكية والإسرائيلية في السعي نحو تحقيق هذا الهدف، مما يضع الفلسطينيين في موقف هشّ، إذ يُهدد القضية الفلسطينية برمتها.

وعلى صعيد آخر في الضفة الغربية لا سيما في شمالها، فإن إعادة تشكيل الضفة الغربية من خلال سلسلة من الإجراءات العسكرية والإدارية تهدف إلى تقسيم المناطق الفلسطينية إلى معازل دائمة، مما يسهل السيطرة الإسرائيلية على المنطقة ويعيق إمكانية إقامة كيان فلسطيني متماسك.

 وتبرز هذه السياسات في إطار حملات تهجير داخلي تستهدف نقل السكان من المخيمات والمناطق التي تُعتبر عتبة للمقاومة إلى مناطق أكثر قابلية للسيطرة الإدارية، مما يؤدي إلى إضعاف النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتعميق الفروق الداخلية الفلسطينية مستقبلًا. 

أما في قطاع غزة، فإن المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة، التي تتضمن ترتيبات تُصوّر كخطوة لإعادة رسم العلاقات بين الفصائل والجهات الإدارية، فتأتي في وقت حساس تتصاعد والآمال إلى إنهاء الحرب بشكلها التام. إذ تتركز المناقشات في الأوساط الإسرائيلية على إنهاء ما يُشار إليه بـ"حكم حماس" في القطاع، وذلك كجزء من ترتيبات "اليوم التالي" التي تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية تُبرز صورة النصر. ولكن من خلال الواقع في غزة بعد اتفاق التهدئة بات مما لا ريب فيه أنه لا يمكن تجاوز حماس من أي ترتيبات سياسية تتعلق بمستقبل القطاع، وهذا ما لا ترغب به الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

 في ظل هذه الظروف، يبدو أن المجتمع الفلسطيني يعاني من غياب نقاش داخلي جاد يتناول هذه التحديات بشكل علمي واستراتيجي. إن عدم وجود رؤية فلسطينية واضحة للتعامل مع هذه السياسات لا يعد مجرد ثغرة في الخطاب السياسي، بل يُعد مؤشرًا خطيرًا على ضعف الآليات الداخلية في مواجهة التحديات الجديدة. 

ففي حين ينخرط الجانب الإسرائيلي والأمريكي في صياغة استراتيجيات تهدف إلى تغيير المعادلات على مستوى القضية الفلسطينية، يبقى النقاش الفلسطيني محدودًا وغير متماسك، مما يُفضي إلى فقدان القدرة على الدفاع عن الحقوق والمطالب الوطنية بصورة فعالة. 

من هنا، يتضح أن القضية الفلسطينية تقف اليوم أمام تحديات استراتيجية جسيمة تستلزم تضافر جهود فكرية وعملية لتجاوز هذه التحديات. ويُبرز هذا الوضع الحاجة الملحة إلى إقامة نقاش فلسطيني داخلي جاد يهدف إلى استحداث رؤية جديدة تتعامل مع هذه التحولات بفعالية. يجب على القيادات والفصائل الفلسطينية أن تعمل على تجسير الفجوة بين الخطاب السياسي والمطالب الشعبية، من خلال طرح حلول استراتيجية. 

في الختام، يمثل المشهد الحالي خطرًا كبيرًا على القضية الفلسطينية، خاصة في ظل التحركات الاستراتيجية التي تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الديموغرافي والسياسي للأراضي الفلسطينية. ومن المؤسف أن هذا التحدي يأتي في وقت يعاني فيه النقاش الفلسطيني من غياب جاد للحلول والرؤى الاستراتيجية اللازمة للتعامل مع هذه التحديات. لذا، يتوجب على القادة والمفكرين الفلسطينيين إعادة النظر في السياسات الداخلية وتبني رؤية تحررية موحدة ، لتكون هذه الرؤية درعاً يحمي الحقوق الوطنية ويضمن استمرار النضال الفلسطيني في مواجهة التحديات الخارجية.