الحدث
كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن فحوى خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لوقف النار والتي عرضها مساء يوم الجمعة ورفضتها إسرائيل.
وقد اعتبرت إسرائيل الخطة «جائزة للإرهاب» و«خطة حماس» وأنها لا تنطوي على ما يضمن لإسرائيل مصالحها. لكن الغضب الإسرائيلي على وزير الخارجية الأميركي لا يعود إلى نصوص الخطة، التي اعتمدت في بنودها، على اتفاقية وقف إطلاق النار التي تحققت بعد «عمود السحاب» في العام 2012 وإلى قبول إسرائيل بالمبادرة المصرية مؤخراً.
وبحسب موقع «يديعوت احرونوت» الالكتروني فإن صدمة أصابت أعضاء المجلس الوزاري المصغر عندما اطلعوا على خطة كيري. وقال أحد الوزراء: «هذه هي الخطة القطرية. أين البنود التي يُفترض أن تحمي مصالحنا؟ هذه لا تبدو لي كاقتراح أميركي وإنما كاقتراح من حماس». وأضاف آخر مع ورقة كهذه لن نصل بعيداً، فهذا كان «خيالاً علمياً».
وكان لافتاً أن مصادر أميركية شدّدت على أنه لم تكن هناك البتة خطة متكاملة، وإنما أفكار أولية، وبالتالي لم يكن هناك شيء معروض للقبول أو الرفض بالمطلق. وترفض مصادر أخرى الاتهامات الإسرائيلية لكيري، خصوصاً أنه يقيم تنسيقاً وثيقاً مع إسرائيل لا يمكن إنكاره، ما يجعل الحديث عن خلافات أمراً مبالغاً فيه.
ولكن، وبعد نشر الوثيقة التي تغفل منح مصر أي دور مركزي عدا استضافة المحادثات بين الطرفين، وتقدم إغراءات لـ«حماس» عبر الحديث عن «الفصائل الفلسطينية» كطرف ولا تذكر السلطة الفلسطينية، تحاول إسرائيل بلورة تحالف ضد كيري يضمّ المتضررين: إسرائيل، مصر والسلطة الفلسطينية.
ونشرت وسائل إعلامية عربية تقارير عن الغضب الذي ساد «القيادة الفلسطينية» عندما تعرفت على خطة كيري، ما جعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ينفجر غضباً في وجه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ليسأله: لماذا تتصل بي؟ وهناك إشارات لامتعاض رجالات السلطة من الدور الذي حاول كيري منحه لكل من قطر وتركيا على حساب «الدم الفلسطيني»، وفق رأيهم.
وفي كل حال فإن إسرائيل تقول إنها رفضت خطة كيري، لأنها لم تشتمل على أمرين أساسيين: حرية عمل الجيش الإسرائيلي في تفجير الأنفاق ومنحها إنجازاً سياسياً واضحاً يرتبط بتجريد غزة من سلاحها الصاروخي. وتعتبر أن خطة كيري تعمل ضد المصالح المعلنة لواشنطن في المنطقة من ناحية، وضد حلفاء أميركا في المنطقة، وعلى رأسهم مصر والسعودية والأردن وإسرائيل طبعاً.
ويشير معلقون إسرائيليون إلى أن تعريض كيري بوتيرة متزايدة لحملات غضب إسرائيلية ينبع أصلاً من اعتراض العدو على مواقف البيت الأبيض نفسه. فإسرائيل ليست مرتاحة للطريقة التي تتعاطى بها الإدارة الأميركية مع النظام الجديد في مصر، وهي تشعر أن خطة كيري، بالتوافق مع القطريين والأميركيين، تعبر عن الغضب الأميركي من الدور المصري. ويقول المعلقون إن أساس المشكلة يكمن في تفضيل البيت الأبيض لمحور جماعة «الإخوان المسلمين» على محور الاعتدال العربي.
ويشرح أمير تيفون، في تعليقه السياسي لموقع «والا» الإخباري، أن «كيري ليس مقاولاً حراً يعمل لنفسه. إنه ينفذ سياسة إدارة (باراك) أوباما، المؤيدة للإخوان المسلمين منذ ولاية أوباما الأولى في البيت الأبيض. والأمر يتجلّى في تعاطف الإدارة الأميركية مع حكم (رئيس الحكومة رجب طيب) أردوغان في تركيا، وفي تعامل أميركا مع تقلبات الوضع في مصر: غرس السكين في ظهر حليف أميركا المخلص حسني مبارك، والثناء المتحمّس على الصعود الديموقراطي للإخوان المسلمين للحكم والمعارضة المنهجية لعودة الجيش للحكم تحت الجنرال (عبد الفتاح) السيسي». ويضيف أن العلاقات الأميركية الوثيقة مع قطر هي مسألة أميركية، وليست من صنع جون كيري.
ويرى تيفون أنه منذ بدء الأزمة الحالية ترفض الإدارة الأميركية أن تفهم ما يقوله لها إسرائيليون كثر: مفتاح الحل بيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. كل محاولة للتوجّه إلى قنوات أخرى، مثل تركيا وقطر، فقط تطيل معاناة سكان غزة. وفي نظره للأميركيين مشكلة مع السيسي منذ الانقلاب العسكري في تموز العام 2013، حيث تعذر عليهم استيعاب إلقاء الرئيس محمد مرسي المنتخب ديموقراطياً في السجن. وإطاحة مرسي اعتبرت أميركياً إهانة لسياسة أوباما بشأن «الربيع العربي». ويضيف أن «كل محاولات جهات إسرائيلية التوضيح لهم أن مرسي يدعم جهات إرهابية ويزعزع استقرار مصر، جوبهت بجدار صلب من الاستقامة السياسية والقانونية. وردّ الأميركيون: مرسي رئيس منتخب، أما السيسي فقاد انقلاباً عسكرياً».
وكان الجنرال عاموس جلعاد، المبعوث الخاص لإسرائيل لدى مصر في السنوات الأخيرة، قد طالب الأميركيين في محاضرة ألقاها في واشنطن «بعدم محاولة تعليم العرب والتوضيح لهم ما هو الجيد لهم» والعمل على التعاون مع السيسي الذي نفّذ انقلاباً بدعم قطاعات واسعة من الجمهور المصري.
ومن الجائز أن هذه الرؤية توضح خلفيات الموقف الإسرائيلي من كيري وخطته، لكن المراسل السياسي لـ«هآرتس» باراك رابيد أشار إلى أن إسرائيل ترى في كيري نوعاً من «المخلوقات الفضائية» التي حلّت لتخرب محاولات وقف إطلاق النار.
وأوضح أن مؤتمر كيري الصحافي مع وزير الخارجية المصري سامح شكري والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في القاهرة كانت من أحرج الأحداث في مسيرة وزير الخارجية الأميركي في فترة العام ونصف الأخيرة. فقد رفض المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر بالإجماع خطته لوقف النار في حين أعلن هو عن «تقدم جوهري» في جهود وقف النار، وتحدث عن خلافات «اصطلاحية» فقط.
ويعتبر رابيد ذلك مخالفاً للواقع، الذي كان يشهد أزمة ثقة عميقة بين الطرفين الإسرائيلي والأميركي. وزاد الطين بلة الصور التي نشرتها وزارة الخارجية الأميركية لكيري مبتسماً مع وزيري الخارجية القطري والتركي بعد اتهامات رئيس الحكومة التركية لإسرائيل بأنها أسوأ من النازية. وأثار ذلك، وفق رابيد، الكثيرين. لكن في نظره فإن خطة كيري بالغة الخطورة على الوضع الداخلي الفلسطيني لأنها «تتوّج حماس وتصدر شهادة وفاة للرئيس محمود عباس».
وأشار رابيد إلى أنه غير واضح مقصد كيري من الخطة التي عرضها، ومن مؤتمر باريس الذي عقده، والذي لا يمكن وصفه إلا أنه واهم. فقد استقبل مع ممثلي دول أوروبا الكبرى ممثلي «حماس»، القطريين والأتراك عبر تجاهل إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية. وفي نظره فإن كيري ليس عدواً لإسرائيل «بل هو صديق حقيقي»، لكن سلوكه مع وقف النار يثير شكوكاً في أنه ليس وزير خارجية أميركا بل مجرد «كائن فضائي» هبط فجأة على الشرق الأوسط. فكل ما فعله كيري يوم الجمعة هو تخريب فرص التوصل الى اتفاق لوقف النار في قطاع غزة، وبدلاً من تقريب التهدئة أبعدها. وخلص إلى أنه إذا وسعت إسرائيل الحرب على غزة فإن وزير الخارجية الأميركي سيكون أحد المسؤولين عن كل قطرة دم تسفك.