السبت  15 شباط 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سياسة الفراغ

2025-02-15 10:08:20 AM
سياسة الفراغ
رولا سرحان

 

ما بين سياسة "ملء الفراغ" و"سياسة الفراغ" ما يجمع بينهما، وهو أن الفراغ ليس مجرد حيز مكاني، بل هو حالة مضبوطة من التحكم الواضح والمتخفي في آن، يسعى من خلالهما ممارس "سياسة الفراغ" وسياسة "ملء الفراغ" إلى الحفاظ على وجوده، وحضوره، وهيمنته.

انتشرت "سياسة ملء الفراغ" في منطقتنا العربية بعد انهيار السلطنة العثمانية، حين تداعت القوى الاستعمارية إلى ملء الفراغ الذي خلفته السلطنة سياسيا وإداريا في المنطقة بحضورها على شكل انتدابات واحتلالات وتحويل المنطقة العربية إلى مناطق نفوذ. وفي خمسينيات القرن الماضي، كانت سياسة "ملء الفراغ" سياسة استعمارية تنافسية بامتياز قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الحرب الباردة واستعرت بعد نهايتها. أما "سياسة الفراغ" فهي سياسة عربية بامتياز، يتحول فيه الفراغ إلى حالة مستدامة من الاستثمار الداخلي في ديمومة هذا الفراغ، بل الحفاظ على فكرة الفراغ كواقع غير قابل للاستبدال إلا بما هو أسوأ.

إنها حالة من أبرز خصائصها رعاية حالة الفراغ في الأفكار والسرديات الوطنية الكبرى، وفي رعاية فراغ مكان القيادات والرموز الوطنية المؤثرة، ورعاية حالة الفراغ من المعاني، بحيث لا يعود الوطن معنى أو فكرة قابلة للتحقق وفق مفاهيم الانتماء والإحساس بالكرامة والمواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية.

أما معيار النجاح فيقاس بالضبط الذاتي على المستوى الفردي وعلى مستوى الوعي الجمعي، بحيث تصبح أي انتفاضة على واقع الفراغ وأية محاولة لتجاوز سياسة الفراغ ولادة قيصرية تجهض ذاتيا قبل المخاض. إنها حالة تستثمر في المستقبل أكثر من استثمارها في الحاضر المفروغ منه، فهي عملية ضبط مستقبلي للمواطنين، ولتفكيرهم، ولحراكاتهم، ولثوراتهم، ولأفكارهم.

ولا تقوم سياسة الفراغ إلا في ظل فراغ سياسي بالأساس، حينما تفقد الأنظمة السياسية شرعيتها، عندما تكون فارغة من أي مشروع وطني وحدوي جامع قابل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

إنها عندما تدرك فراغها تملأ أزمنتنا وأمكنتنا وأفكارنا ومعانينا بالفراغ!