ليس من شك أن هذه المرحلة هي أكثر المراحل قسوة وصعوبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني على الأقل منذ النكبة تتجلى فيها مواصفات تشبه السبات المستدام أو حالة انتظار ما سيأتي مهما كان مجهولا أو معلوما وما المقدمات التي تصطحب معها ذواتنا وطاقاتنا القادرة على المجابهة وسط متغيرات كبيرة تعززها معالم طريق يذهب بنا بعيدا إلى تجريدنا مما نملك من قوة من قدرة على المسير تبرز معها أسئلة صعبة بدورها تلقي بوجهنا عصا ثقيلة وفوق أكتافنا أعباء إضافية والسؤال الأهم اليوم أمام ما يجري هو كيف ننجو؟ وللإجابة عليه علينا الإجابة أولا كيف ولماذا وصلنا إلى هنا؟ ولعل الإجابات التقليدية في السرد التاريخي سنجد أن هناك من يقول إن اتفاقية أوسلو على سبيل المثال هي السبب ونلقي باللوم على ما أفرزه هذا الاتفاق من تحولات اقتصادية اجتماعية نظرا للتركيبة السياسية التي نشأت وباتت توثر بدورها على أنماط حياة الناس في بلادنا ولعل ذلك يحمل من الصواب الشيء الكثير إذا أخذنا بالاعتبار أن اتفاقية أوسلو هي انتقالية لمرحلة مؤقتة اليوم نجد أنها لم تعد قائمة بفعل سياسات الاحتلال ولم تنته كما يتوجب بإقامة الدولة المستقلة ولا أيضا بإنهاء الاحتلال بشكله السابق المتعارف عليه رغم التحكم في كافة مناحي الحياة ورغم أننا نؤمن جميعا أننا شعب وسلطة تحت الاحتلال والمعضلة التي تحتاج إلى حلول هي كيف ننهي هذه المرحلة دون تأبيد السلطة ومعها حالة "التكيف" مع واقع الاحتلال واستمراره! وكيف نمنع في ذات الوقت انهيارها ومسعى الاحتلال لتقويض وجودها كحالة تمثل كيانية سياسية إلى ما هو أقل في ظل الحصار المالي وتضييق الخناق على مقومات الحياة ضمن محاولات التهجير والترحيل على قاعدة لا نريد سلطة وهمية تحت الاحتلال يتم استخدامها لإعاقة الوصول إلى الاستقلال وفي ذات الوقت لا نريد العودة للحكم العسكري الاحتلالي المباشر وإنما العمل إلى تحويل السلطة لبوابة للحرية وتجسيد استقلال دولة فلسطين بإنهاء الاحتلال عنها.
مرحلة ملتبسة هي الأكثر خطورة وإجراءات الترحيل والتهجير وحرب الإبادة الشاملة تتواصل والمسعى للتطهير العرقي ومحاولات اجتثاث الهوية الوطنية وإنهاء الحلم بممارسة حق تقرير المصير الكل يدرك المخاطر الناجمة عن استمرار هذا الوضع مع تفشي معدلات البطالة والفقر إلى نسب غير مسبوقة وفرض الحصار وإغلاق الضفة الغربية، واستمرار المصادرات وهدم البيوت، والقتل اليومي وخير شاهد على ذلك ما يجري شمال الضفة الغربية من عملية أطلق عليها الاحتلال "السور الحديدي" تتواصل للشهر الثاني منذ أن بدأت في جنين وامتدت لمحافظات طولكرم، وطوباس والمخيمات القريبة منهما، وأيضا نابلس ومخيماتها وأيضا مناطق عديدة في محافظة الخليل وبيت لحم جنوبا وهي ذات المنهجية التي مورست على قطاع غزة طوال 471 يوما بحيث لا تخفي الأهداف التي تسعى لتحقيقها منها جهارا نهارا بتهجير المخيمات وطمس معالمها وضرب الكثافة السكانية في ذات الوقت التي تعمل على توسيع مهاجمة المستوطنين للقرى والبلدات الفلسطينية برعاية وغطاء أميركي شامل عبرت عنه تصريحات سيد البيت الأبيض في لقاء رئيس حكومة الاحتلال ومنحه الأراضي الفلسطينية (هدية تمليك) ومنها غزة التي يريدها الريفيرا فيما مصير الضفة للضم والحسم والتهويد.
كل هذا بات معروفا حيث إعادة استنساخ صفقة القرن بنسختها الجديدة المعدلة وتصفية حقوق اللاجئين والقدس التي يرون أنها أصبحت خارج إطار أية تسوية مستقبلية إن وجدت كيف ننجو هو ذات السؤال الذي يطرح بقوة ولا بد هنا من العمل على وقف نزيف البنيان والجسد أولا استمرار التآكل الجاري لن يقود إلا إلى المزيد من الويلات ولن يجلب إلا المزيد من الضعف والسؤال الطبيعي المجرد هل نملك إمكانيات للنهوض؟؟ الإجابة نعم بالاستناد لتاريخ طويل منذ قرن من الصراع ما زال مشتعلا ومتقدا ليس فقط لم تتضح نهاية له وإنما ما زالت الأبواب مشرعة على كل الاحتمالات فيه وطالما لم يحل الصراع سيبقى العالم منشغلا بإيجاد التسوية والحلول والتطورات الداخلية والخارجية تحمل بشرى تؤكد أن الهزائم ليست قدرا للشعب الفلسطيني وأن بالإمكان مواجهة التحديات الماثلة خارطة طريق النجاة فيها ربما تتطلب إحداث اختراق جدي ملموس بتوحيد النظام السياسي الفلسطيني على اساس تشاركي قاعدة ذلك أننا في مرحلة تحرر وطني بكل ما تستدعي هذه الصيغة من تلاقي وطني ووضع الخطط والبرامج والقواسم المشتركة للعمل على أساسها إذ بدون إنجاز الوحدة كيف لنا أن نواجه مخططات الضم والإبادة والترحيل؟ ثم العمل على عقد اجتماع للأمناء العامين لكل القوى الفلسطينية يترافق ذلك مع مؤتمرات شعبية مجتمعية تضم مؤسسات وشخصيات وطنية ونقابية ومهنية وأطر واتحادات...الخ يلتقي الجميع في ورشة عمل واسعة تناقش أدوات النهوض والعمل للتصدي للمخاطر الراهنة وإزاحة أية خلافات مهما كانت جانبا والتوحد في جبهة موحدة تضم الجميع فلا رهان إلا على تجرية شعب مجرب وصاحب باع طويل خاض غمار تحديات لا تقل خطورة عما يجري اليوم أثبت أصالة وصلابة في مواجهتها ثم ثالثا العمل على وضع السلطة بإمكانتها في خدمة إنجاز مرحلة التحرر الوطني وتغير أولوياتها وبرامجها بما يخدم حالة الصمود ودعم الفئات الشعبية المسحوقة والوصول إلى حالة صمود تلبي احتياجات هذه الفئات ضمن خطة صمود شاملة بمشاركة القطاع الخاص والأهلي والمكونات كافة تترافق مع تفعيل أطر ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ثم بإجراء تعديل وزاري او تغير في هيكل الحكومة الحالية لتكون حكومة توافق وطني تمارس عملها في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس لقطع الطريق على محاولات الاحتلال تفتيت الترابط الجغرافي والسياسي باعتبار الاراضي الفلسطينية وحدة جغرافية وسياسية واحدة كل هذه القضايا ليست مطالب مباشرة فقط للجمهور العريض من ابناء الشعب الفلسطيني وانما هي ممر اجباري علينا اجتيازه بنجاح اذا ما اردنا سحب البساط وتفويت الفرصة امام حكومة اليمين الاكثر تطرفا في اسرائيل واهدافها في تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني ومحوه من الوجود .
في الاطار العام ضمن الحالة الصعبة التي نعيش لا يمكن الابقاء على معالجات انية طارئة هي في غاية الاهمية بطبيعة الحال ولكن ان لا تكون القضايا الانسانية هي لب وجوهر القضية الوطنية ذات الادوات المجربة المستخدمة تحمل وبالا على مستقبل شعبنا ووجوده فوق ارضه القرارات التي تتخذ ولا تتنفذ تشكل ايضا عائقا مهما امام العمل لذلك المطلوب ارادة صلبة جدية تحمل الاولويات لترتيب البيت الداخلي قبل طلب مساعدة الاشقاء العرب والاقليم المنشغل باعادة ترتيب اوراقه من جديد والبحث عن مواقع محدده وان نعمل على انقاذ قضية بل مصير شعبنا الذي هو اليوم في مهب الريح .
لم يعد السؤال هل ننجو؟ وهو ليس محل مساومة او تشكيك لان الاجابة نعم ننجو معا ولو بعد حين وايضا مع الادراك ان حجم الصعوبات والمعيقات كثيرة ولكن يمكن تخطيها بوحدة موقف وكلمة - لم تعد المعادلات السابقة والوصفات وحتى المفردات المستخدمة كافية للمواجهة علينا العمل مع كل ساحات العمل داخل فلسطين وخارجها والمحافظة على القضية في وجه محاولات الطمس والتذويب واعادة هندسة العقول لاستيعاب ما هو قادم مطلوب وقف حالة التآكل الجاري وان يضع الجميع نصب عينيه ان الوطن كله في خطر والتنافس هو بالحفاظ عليه وحمايته وتجنيد وحشد كل الامكانات للدفاع عنه حتى نتمكن من النجاة .
بقلم عصام بكر - عضو المجلس الوطني الفلسطيني