ترجمة الحدث
في الأسابيع الأخيرة، تصاعد الحديث على شبكات التواصل الاجتماعي، وأيضًا من قبل جهات رسمية إسرائيلية، حول أن مصر تستعد لخوض حرب ضد "إسرائيل". تم نشر مقاطع فيديو مثيرة تُظهر طوابير طويلة من المركبات العسكرية المصرية، بالإضافة إلى تهديدات مفترضة للمفاعل النووي في ديمونا، وتوثيقات لـ"تدريبات" مصرية ضد مواقع وقواعد إسرائيلية، وذلك في ظل خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرفض المصري لقبولها. ومع ذلك، فإن الواقع مختلف، بحسب ما أوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت، حيث أن ما يتم تداوله هو تحريفات من قبل مغردين ووسائل إعلام تثير الذعر بين الإسرائيليين والمصريين، مما يزيد من أجواء التوتر، في حين أن مصر تعمل كوسيط في صفقة بين "إسرائيل" وحماس، وتواصل التعاون الأمني مع "إسرائيل" في مجالات أخرى.
واعتبرت الصحيفة أن السبب وراء تصاعد هذا الخطاب هو رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لخطة ترامب التي تقضي بترحيل فلسطينيين من غزة وإعادة توطينهم في الأردن ومصر. يركز الحديث على مواقع التواصل على تعزيز الجيش المصري وتدريباته، وعلاقاته مع حماس، وسيطرته على المعابر الحدودية. كما يتم تداول مزاعم بأن اتفاقية السلام التي وُقّعت في كامب ديفيد عام 1979 تُضلل "إسرائيل" و"تخدرها"، بينما تستمر مصر في العمل ضدها ونشر ثقافة مضادة لإسرائيل.
المشروع الذي بحث هذه الظاهرة وارتفاع وتيرتها في الأسابيع الأخيرة هو "فايك ريبورتر"، وهو مبادرة تعمل بمشاركة الجمهور لمكافحة النشاطات الغريبة على الإنترنت. وأظهرت تحقيقات "فايك ريبورتر" أن هذه الموجة من الشائعات بدأت في بداية العام، لكنها شهدت نموًا متسارعًا خلال الأسبوعين الماضيين، وذلك من خلال وسائل إعلام إسرائيلية يمينية، ومواقع إخبارية بديلة، ومؤثرين وصحفيين مرتبطين بـ"آلة التحريض".
يمكن تقسيم المواضيع الرئيسية التي تم تضخيمها حول مصر إلى عدة محاور: "تعاظم القوة العسكرية المصرية"، "اتفاقية كامب ديفيد مجرد وهم خطير"، "السياسة المصرية ضد إسرائيل"، و"السيطرة المصرية على الحدود وتأثيراتها".
كما سيتم تفصيله لاحقًا في التقرير، فإن التركيز في هذا الخطاب يتمحور حول التسلح المصري، وإنشاء فرق عسكرية، وتدريبات حرب العصابات، ونشر القوات في سيناء. ومع ذلك، أكدت مصادر أمنية تحدثت مع موقع صحيفة يديعوت أحرونوت أنه حتى الآن، ورغم تعزيز الجيش المصري لقدراته، فإن القاهرة لا تبدو مستعدة لخوض حرب ضد "إسرائيل".
ورفضت هذه المصادر الادعاءات التي يروجها المغردون ووسائل الإعلام، مشيرةً إلى أن الجهات التي تقف وراء هذه التقارير ليست مصر نفسها، حيث قالوا إنه "عندما تريد مصر فعل ذلك، فهي تعرف كيف تفعل ذلك بشكل جيد".
بعيدًا عن الاستعداد للحرب
اعتاد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي المنتشرون على طول ممر فيلادلفيا خلال الأشهر الأخيرة، منذ أن استولى الجيش الإسرائيلي على الجانب الغزي من الحدود مع سيناء في بداية الصيف الماضي، على المضايقات من قبل الجنود المصريين. يمتد جدار عالٍ نسبيًا وسياج كثيف على طول التلال المنخفضة التي تمتد عبر 14 كيلومترًا بين معبر كرم أبو سالم وساحل البحر في الركن الشمالي الغربي من رفح. من الصعب رؤية المعسكرات المصرية الملاصقة من الجانب الإسرائيلي، والتي تعج بعربات مدرعة بلون أصفر صحراوي، لكن الشتائم والاستفزازات لا تزال تُسمع من حين لآخر، في تذكير للحادث الذي وقع هناك في بداية السيطرة الإسرائيلية على المنطقة قبل حوالي ستة أشهر.
في مايو الماضي، قُتل جندي مصري في تبادل لإطلاق النار مع قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي. ومنذ ذلك الحين، تلقى جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي أوامر بعدم الرد على هتافات الجنود المصريين، الذين لم يُعتبروا يومًا من النخبة التي ترسلها القاهرة لحراسة هذه الحدود النائية والهادئة نسبيًا في أقصى أطراف الدولة. وبهذا الشكل، تنتهي التوترات بين الطرفين تقريبًا.
في الآونة الأخيرة، لم تقتصر الأصوات القادمة من الجانب المصري على الشتائم والمضايقات فقط، بل شملت أيضًا أصوات انفجارات وضجيج آليات عسكرية، وبقوة أكبر مما سمعه سكان المستوطنات الإسرائيلية مثل يتيد، شلوميت، قادش برنيع، ونيتسانا خلال سنوات القتال بين الجيش المصري وفرع تنظيم داعش في سيناء. بالفعل، أجرت مصر مناورة عسكرية كبيرة مؤخرًا في شبه الجزيرة، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي يوضح أن ذلك لا يشكل خرقًا للملحق العسكري لمعاهدة السلام، ولا خطوة غير منسقة مع "إسرائيل".
الريبة والقلق الأكبر من جارة أخرى
من بين الدول التي يُنظر إليها على أنها مرشحة لمواجهة عسكرية مع "إسرائيل"، تأتي إيران واليمن، وبالطبع الدول المجاورة التي دخلت "إسرائيل" في حرب معها منذ 7 أكتوبر 2023. ولكن، على سبيل المثال، لا تُعتبر تركيا ضمن هذه القائمة، رغم تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان المتكررة المناهضة لإسرائيل، والمقاطعة الاقتصادية التي فرضتها أنقرة منذ اندلاع الحرب والتي أثرت على كل بيت إسرائيلي تقريبًا. ومع ذلك، لا تستبعد "إسرائيل" أن تتخذ مصر أو تركيا في يوم من الأيام "منعطفًا" يؤدي إلى مواجهة عسكرية.
مع ذلك، فإن الوضع مع القاهرة مختلف: قيادة الجيش المصري مرتبطة بشدة بالنظام الحالي، على المستويين العائلي والاجتماعي، وخطر حدوث انقلاب عسكري لا يبدو واردًا في الوقت الحالي. لكن التجربة المصرية مع انقلابين عنيفين في العقد الماضي خلال الربيع العربي تجعل "إسرائيل" تأخذ في الاعتبار إمكانية انهيار معاهدة السلام الاستراتيجية مع القاهرة في أي لحظة، وصعود نظام معادٍ يمتلك أحد أقوى الجيوش وأكثرها حداثة في الشرق الأوسط. حتى سقوط نظام الأسد المفاجئ ساهم في تعزيز الاستعداد لأي سيناريو مماثل.
منذ 7 أكتوبر، أصبح جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر حذرًا تجاه أي تهديد محتمل، كما كثفت أجهزة الاستخبارات العسكرية تحليلها للسيناريوهات غير المتوقعة. لا يستخف أحد في "إسرائيل" بإمكانية تحول الموقف المصري، ومع ذلك، تفاجأت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من الانتشار السريع للشائعات حول نية مصر الاستعداد لهجوم ضد "إسرائيل"، وهو ما اعتبرته محاولة لتعزيز حالة الذعر بين الإسرائيليين، الذين لا يزالون يعانون من صدمة الحرب. وأكد مسؤولون أمنيون إسرائيليون لصحيفة يديعوت أحرونوت أن "التحقيقات التي أجريناها أظهرت أن هذه الشائعات لم تصدر من الجانب المصري، وعندما ترغب القاهرة في إيصال رسائل، فإنها تعرف كيف تفعل ذلك بوضوح". وأضافوا: "هناك قلق أكبر لدى الجيش الإسرائيلي بشأن الحدود الشرقية مع الأردن، حيث يتزايد الضغط الإيراني لزعزعة استقرار النظام الملكي في عمان، إضافة إلى العدد الكبير من الفلسطينيين في الأردن".
مفاعل ديمونة في مرمى الشائعات و"أوامر الحرب"
كشف بحث أجراه مشروع "فايك ريبورتر" عن العديد من الأمثلة على الأخبار الكاذبة المنتشرة. وأوضح أخياه شاتس، مؤسس ومدير المشروع، أن "على الرغم من المخاوف المشروعة منذ 7 أكتوبر، والتوترات الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة، وفي ظل المرحلة الثانية من الاتفاق المتعلق بغزة، يبدو أن مؤثري وصحفيي اليمين الإسرائيلي المتطرف يعززون خطابًا تحريضيًا تحت غطاء نقاش أمني، وغالبًا عبر نشر أكاذيب ومعلومات مضللة".
ومن بين ناشري هذه الأخبار مواقع إخبارية مختلفة، وقنوات على واتساب وتليغرام، بالإضافة إلى بعض الشخصيات البارزة على وسائل التواصل الاجتماعي. خصص التقرير جزءًا كبيرًا لأحد المغردين الذين نشروا منشورات تحتوي على صور قديمة للجيش المصري، من بينها صورة من متحف عسكري مصري في غرب سيناء، يعرض معروضات متعلقة بإسرائيل. ورغم أن هذا المتحف قائم منذ سنوات طويلة، فإن محتوياته لا تشير إلى أي تغيير في الموقف المصري أو استعداد الجيش للحرب.
أحد التقارير الإخبارية الإسرائيلية نشر مزاعم بأن مصر تستعد لمهاجمة مفاعل ديمونة، مستندًا إلى مقاطع فيديو زُعم أن الجيش المصري نشرها باستخدام الذكاء الاصطناعي لمحاكاة هجوم على المفاعل النووي. لكن الجيش المصري لم ينشر أي مواد من هذا النوع، بل إن بعض المشاهد المستخدمة في الفيديو تعود أصلاً إلى مصادر إيرانية.
بالإضافة إلى ذلك، انتشرت صور لدبابات مصرية في الصحراء، مأخوذة من تغطية إعلامية لمناورات عسكرية مصرية مشتركة مع جيوش عربية أخرى عام 2018، ولكن تم تقديمها على أنها حديثة. كما زعمت قناة تليغرام أخرى أن الجيش المصري أصدر "أمر حرب" يستدعي جميع الجنود النظاميين والاحتياطيين للخدمة خلال الأيام المقبلة، وهو ادعاء لا أساس له من الصحة. في الواقع، جميع الصور والتسجيلات الأخيرة التي نُشرت على أنها تُظهر استعدادات مصرية بالقرب من الحدود مع "إسرائيل"، قديمة.
ما الذي يحدث حقًا في سيناء؟
صحيح أنه في بداية الحرب، صدرت تصريحات مصرية تتعلق بمصير اتفاقية السلام. كما نُقل مؤخرًا عن مصادر مصرية في صحيفة "العربي الجديد" القطرية قولها إنه في حال توقُّف المساعدات الأمريكية لمصر، فلن يكون للسلام مع إسرائيل أي قيمة. وأثار الجدل الإعلامي المصري الشهير عمرو أديب، حين قال في برنامجه "الحكاية" على شبكة MBC مصر قبل يومين، إن مصر لا تستعد حاليًا للحرب مع إسرائيل، لكنه أضاف: "لا أحد يريد الدخول في حرب، ولكن إذا فُرضت علينا الحرب، فنحن مستعدون".
ومع ذلك، على الأقل رسميًا، تجنبت مصر هذه التصريحات في الأشهر الأخيرة. في بداية الحرب، حذّرت مصر من أن أي وجود إسرائيلي في ممر فيلادلفيا يُعد خطًا أحمر، لكن العلاقات ظلت مستقرة.
التطورات العسكرية في سيناء
تشير تقارير جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى انخفاض أعداد القوات الدائمة التي ينشرها الجيش المصري في سيناء. هذه القوات تخضع لمراقبة مستمرة من قِبَل الجيش الإسرائيلي عبر لقاءات وجولات دورية، بالإضافة إلى إشراف قوة حفظ السلام الدولية الأقوى في الشرق الأوسط، وهي قوة الـNFO، المسؤولة عن ضمان الالتزام بالملحق العسكري لاتفاقية السلام. وقد أثبتت هذه القوة فعاليتها في محاربة داعش في سيناء خلال العقد الماضي، حيث حصل الجيش المصري على دعم من "إسرائيل"، كما أكد الرئيس السيسي في السابق.
وعلى عكس قوة "اليونيفيل" في لبنان التي تُتهم بالسلبية، تقوم القوة الدولية في سيناء بدور نشط، إذ تقوم بدوريات جوية منتظمة للتأكد من أن الجيش المصري لا يتجاوز حدوده أو يقوم بأي عمليات دون تنسيق مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تعاونت مصر مع "إسرائيل" في التصدي لعمليات تهريب الأسلحة إلى حماس خلال السنوات الأخيرة.
الموقف المصري
رغم التعاون الرسمي، تشير تقارير إلى أن بعض الضباط في الجيش المصري، إلى جانب بعض الضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، تغاضوا عن آلاف عمليات تهريب الأسلحة من سيناء إلى غزة خلال السنوات الـ14 الماضية، خاصة خلال فترة حكم الإخوان المسلمين في عهد الرئيس مرسي بعد الإطاحة بمبارك. وإلى الجنوب، على امتداد 220 كيلومترًا من الحدود الممتدة من قطاع غزة إلى إيلات، يتم التعاون أيضًا بين الجانبين لمواجهة تهريب المخدرات من سيناء إلى إسرائيل، وسط صراعات مستمرة مع القبائل البدوية.
هل هناك استعدادات للحرب؟
الدكتور حاييم كورين، السفير الإسرائيلي السابق في مصر بين 2014-2016، أوضح لـ"يديعوت أحرونوت" أن "هناك الكثير من الشائعات التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعضها قديم وغير دقيق". وأكد أن "المصريين يقومون بالتسلح، حيث يشترون الطائرات من الصين وروسيا وإيطاليا وألمانيا، بالإضافة إلى المعدات الأمريكية".
وأشار كورين إلى أن "إسرائيل"، بناءً على طلب السيسي عام 2014، سمحت لمصر بـ"خرق" اتفاقيات كامب ديفيد لمحاربة داعش، حيث قال: "الاتفاقات واضحة جدًا فيما يتعلق بما يُسمح لمصر بإدخاله إلى سيناء وما لا يُسمح به. لكننا دعمناهم في حربهم ضد داعش في سيناء، وهذا ليس سرًا".
ورغم أن الجيش المصري زاد من انتشاره في سيناء مؤخرًا، إلا أن كورين لا يعتقد أن ذلك يشير إلى نوايا للحرب، لكنه شدد على ضرورة أن تظل إسرائيل "متيقظة ومستعدة". وأضاف أن هناك تصريحات رسمية مصرية مطمئنة، أكدت أنه لا نية للحرب، بل إن القاهرة ترى أن حماس هي سبب الأزمة الحالية ويجب تحييدها ومنعها من السيطرة على غزة.
مواقف متباينة داخل مصر
فيما تلتزم الحكومة المصرية بموقف متوازن، هناك شخصيات مصرية تعبر عن مواقف أكثر حدة. على سبيل المثال، عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، رفض تحميل حماس مسؤولية الدمار في غزة، وقال في مقابلة مع MBC مصر إن "الاحتلال وصل إلى مرحلة خطيرة من الظلم والاستعمار، وكان لا بد من رد فعل". وأضاف: "حماس تضررت، لكنها لم تُهزم تمامًا. وإذا استمرت السياسة الإسرائيلية، فحماس ستواصل القتال".
التعاون الاقتصادي بين مصر وإسرائيل
إلى جانب التعاون الأمني، تستفيد مصر من "إسرائيل" في مجال الطاقة، حيث زادت إسرائيل إمدادات الطاقة إلى مصر بناءً على طلبها، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها القاهرة. وهذا الجانب قد يكون له تأثير كبير على حسابات مصر في علاقاتها مع إسرائيل.
الخلاصة
رغم التوترات في المنطقة، لا يبدو أن مصر تخطط لحرب مع إسرائيل، لكن التطورات الجيوسياسية والميدانية تفرض على تل أبيب البقاء في حالة يقظة مستمرة.