الثلاثاء  25 شباط 2025
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ترامب والاسترايتجية الأمريكية الجديدة في مواجهة الصين| بقلم: ناجح شاهين

2025-02-25 11:05:30 AM
ترامب والاسترايتجية الأمريكية الجديدة في مواجهة الصين| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

"الصين تتقدم مثل تسونامي كاسح"، هكذا عبر الرئيس الأمريكي عن روح اللحظة الراهنة. لذلك لا مكان لأوهام الأوروبيين ومخاوفهم من الدب الروسي. يرى ترامب اليوم أن حلف الأطلسي قد نفذ مواجهة غير محسوبة العواقب مع روسيا أدت إلى تكبد نفقات هائلة في سبيل حماية أوكرانيا وإنهاك روسيا على السواء. ولكن ثمار ذلك كانت أقل من المتوقع بكثير. إذ على الرغم من العقوبات الهائلة المفروضة على مؤسسات الاتحاد الروسي، والدعم الكبير لأوكرانيا البالغ 180 ملياراً من على جانبي الأطلسي، ظلت الأمور ترواح مكانها، وبشكل أدق تتقدم القوات الروسية ميدانياً وإن بشكل بطيء نسبياً.

أما الاقتصاد الروسي، فقد حقق نمواً لا بأس به بسبب مواظبة الصين على ابتياع الطاقة الروسية وسلع أخرى. ولذلك بدا واضحاً أن الحرب في أوكرانيا غير قابلة لأن تربح، بينما تنبه الكثيرون في واشنطون حتى أيام بايدن إلى أن الصين تواصل ألعابها بغرض الصعود والهيمنة على نحو يذكر بصعود الولايات المتحدة في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تنشغل بحرب واسعة مدمرة ما بين 1939 و 1945. ترامب لا يريد أن يسمح بذلك الصعود، وإذا كانت أوروبا معنية بالحرب في أوكرانيا، فعليها أن تخوضها بنفسها لأن الولايات المتحدة لديها حرب أهم بكثير تتمثل في حماية نفسها من اكتساح المارد الصيني.

وفي هذا السياق بدا واضحاً استهانة الرجل بأوروبا إلى حد المضي قدماً في بحث "الحلول" مع بوتين دون استشارتها، بل إنه ذهب حد القول الصريح إن أوروبا يجب أن تزيد ميزانيتها الدفاعية إلى 5 في المئة من أجل ان تتحمل قسطها من النفقات العسكرية لحماية نفسها في الوقت الذي تقوم فيه واشنطون بعملية معاكسة تخفض فيها النفقات العسكرية لتحسين الأداء الاقتصادي الأمريكي، لأن الحرب الساخنة ليست على ما يبدو الطريقة المتوقعة لحسم الصراع مع بكين.

في هذه اللحظة يبدو أن الولايات المتحدة تتجاوز الدور الأوروبي تماماً مقتنعة على ما يبدو بعجز أوروبا عن فعل شيء إزاء الصعود الصيني، بما يعني أن على واشنطون أن تحاول التوصل إلى تفاهم مع روسيا بغرض إبعادها عن الصين أو على الأقل بغرض التفرغ لمواجهتها دون الانشغال بملفات ثقيلة مثل التنافس العسكري مع روسيا. وإذا كان البعض يميل إلى رؤية العالم الذي يولد حالياً على أنه عالم بثلاثة رؤوس أمريكية وروسية وصينية، فإننا نميل إلى القول بأنه عالم برأسين أمريكي وصيني، وأن الدور الروسي بعد انتهاء زوبعة أوكرانيا لن يزيد على الدور الأوروبي ليكون بيدقاً عادياً في الصراع الكبير بين شمال أمريكا وشرق آسيا.

وعلى الرغم من غرابة الفكرة، فإننا لا نستبعد جوهرياً أن تتحالف روسيا مع الولايات المتحدة، بينما تجد أوروبا نفسها أقرب إلى الصين في سياق اللعبة الدولية الجديدة. وقد لاحظنا بوادر هذا التحالف فيما يشف من تسريبات حول صفقة تمت بين ترامب وبوتين شملت أوكرانيا وسوريا وإيران وربما الصين، ويبدو أن الهجوم الإعلامي الروسي على "ماضي" سوريا على سبيل المثال لا يمكن تفسيره خارج هذا السياق.

وفي السياق ذاته نلاحظ الغزل الأوروبي الواضح بتركيا من أجل دمجها على نحو أكبر في الجهود "الأمنية" للاتحاد الأوروبي، وليس خافياً الجفاء الأمريكي تجاه تركيا في المناحي المختلفة، وعلى رأسها دعوة ترامب تركيا إلى الانسحاب من سوريا لتتركها ساحة نظيفة للذراع الأمريكي المسمى إسرائيل، وهو ما يمثل بداهة كارثة استراتيجية كبرى للسياسة التركية التي قدمت الكثير من أجل توسيع نفوذها في "الشرق الأوسط" عن طريق إسقاط نظام الأسد والهيمنة على دمشق. اليوم يتضح أن سوريا لن تكون بلداً موحداً خاضعاً للهيمنة التركية، وإنما مناطق نفوذ أربع تكون الغلبة فيها لإسرائيل التي تسيطر بالفعل على جنوب سوريا والجولان وعلى الشمال الشرقي عبر "قسد" ناهيك عن سيطرتها المحتملة على مناطق العلويين غرب البلاد. إذا كانت تركيا تريد أن تتحرك بدوافعها الخاصة أو بالانسجام مع الدوافع الأوروبية فلا مناص من تقليم أظفارها وإخضاعها لمقتضايات الاسترايتجية الأمريكية الكلية. ولعل الأمر نفسه ينطبق بشكل أو بآخر على إيران التي قد تجد نفسها دون غطاء روسي على الرغم من توقيع الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين قبل عدة أسابيع.

أين سيكون العرب في العالم الجديد؟ من الواضح أن الولايات المتحدة ستحرص على إبقاء هيمنتها على هذه المنطقة الحيوية بالنسبة للاقتصاد الصيني بوصفها سوقاً للسلع الصينية ومورداً رئيساً للطاقة على السواء. وذلك أمر يصعب تحقيقه بدون تصعيد التوتر مع إيران بما يجبر الدول الخليجية على اللجوء الدائم إلى الحماية الأمريكية/الإسرائيلية، وفي المقابل فإن الاستراتجية الصينية ستقوم على محاولة تخفيف حالة التربص التي تميز العلاقات الإيرانية/الخليجية وربما الدفع باتجاه علاقات دافئة بين الطرفين بغرض تركيز الزخم السياسي حول المصالح الاقتصادية التي تعمل لصالح الصين بالنظر إلى أنها المستورد الرئيس للطاقة على مستوى العالم، مع العلم أن الغاز والبترول هما عماد الاقتصاد في دول الجزيرة العربية كلها، وربما في إيران وروسيا أيضاً.

وهذا الواقع الاقتصادي الحاسم يبين صعوبة المناورة الأمريكية حتى فيما يخص روسيا التي ستجد صعوبة كبيرة في الاستغناء عن الصين بوصفها أكبر مستهلك للبترول الروسي وأحد أكبر المستوردين للغاز في العالم.

هناك حتمال معقول لتشكل كتلة مشرقية بقيادة الصين يكون العرب وإيران في قلبها تماماً، مع تواصل التذبذب التركي المعتاد، وضياع أوروبا النسبي، ولكن ذلك كله رهن بمدى رغبة الصين وقدرتها على التمدد العلني خارج حديقتها القريبة في بحر الصين ومنطقة شرق آسيا على وجه العموم.